أسامة هيكل: نعيش في عالمنا العربي فترة تاريخية لا نحسد عليها
شارك أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام، اليوم في منتدى الإعلام العربى" في دورته الـ19 تحت شعار "الإعلام العربى.. المستقبل رقمى"، والذى ينظمه نادي دبي للصحافة افتراضيا.
جاء نص كلمة وزير الدولة للإعلام :
الدكتورة منى المري ( رئيس نادي دبي للصحافة ) و الحضور .
أتقدم لكم بالشكر على توجيه الدعوة لوزارة الدولة للإعلام للمشاركة في هذا المؤتمر المهم، والذي يتناول واقع العالم العربى فى ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة العربية، والتي لا يمكن مواجهتها بشكل فعال دون مشاركة الإعلام باعتباره أحد أهم أدوات القوى الناعمة التي تشكل الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي ليس لدى المواطنين فقط بل للنُخب الحاكمة أيضًا.
الحقيقة أننا نعيش في عالمنا العربي فترة تاريخية لا نُحسد عليها .. ولا أُبالغ إن قلت أننا أمام لحظة فارقة في تاريخ الأمة العربية .. فقد نشأنا
على أن زي العالم العربي تربطه وحدة اللغة والجغرافيا والتاريخ المشترك .. وشهدنا حروباً استمرت سنوات طويلة كانت بسبب الصراع العربي الإسرائيلي الذي تمحور على القضية الفلسطينية .
ثم فوجئنا بتغيرات إضافية في عالمنا العربي منذ عام 1990 ، حينما قامت العراق بغزو الشقيقة الكويت بين عشية وضُحاها وعُقدت قمة عربية لمناقشة الوضع ، فإذا بهذه القمة تنقسم بين مؤيد لهذا الغزو ومُعارض له .. وكان الإنقسام حاداً في وقتها .
وانتهى الأمر بتدخل تحالف دولي لإستعادة الكويت .. وبعدها بدأت العراق تشهد إنهيارات متتالية .. فأصبحنا نعيش (غير القضية الفلسطينية) قضية أخرى إسمها قضية العراق .
وخلال نفس الفترة كانت هناك قضية في الصومال لا تزال آثارها واضحة عليه ، وبعد 2001 ساءت الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن ، وأصبح هناك تهديد حوثي للأمن العربي من الجنوب ، علاوة على التهديد الإيراني الشرقي لدول الخليج العربي .. ثم ظهرت مساعي لبعض الدول في المنطقة للسيطرة
على ثروات البحر المتوسط .. وطوال هذه العقود الأربعة ، لم تكف الحركات الإرهابية المختلفة عن تهديد الأمن العربي من الداخل .
وهذا واقع أليم يعيشه العالم العربي .. ولكن العالم أيضاً به أزمات أخرى انعكست على عالمنا لعربي .. فهناك قضايا فرضت نفسها على الساحة العربية مثل قضية التنمية المستدامة ، والجفاف ، والصراعات المائية ، وتغيرات المناخ .. كما واجهنا تحديات كبيرة يفرضها علينا التطور التكنولوجي المذهل ، وما وصلنا إليه من تطبيقات الذكاء الإصطناعي بحلوها ومُرها .. وما يُصاحب ذلك من مخاطر بيولوجية ، أهمها إنتشار الفيروسات والأوبئة بصورة مُريبة ، ونعيش في العالم كله الآن آثار جائحة كورونا التي أجبرتنا على عقد مُعظم لقاءاتنا العامة عن بُعد عبر شاشات .
وكل هذه القضايا المُستحدثة لم تكن من قبل محل اهتمام النُخب السياسية التي كان ينصب كل تركيزها على التهديدات العسكرية والإقتصادية فقط ..
وبالتأكيد .. فإن هذه التغيرات المتلاحقة والسريعة التي حدثت خلال 3 عقود فقط من الزمان ، ويشهد جيلنا آثارها في ذهول من سرعتها وتطورها وما صاحبها تغير إجتماعي .. بعضه سلبي مثل زيادة أعداد المهمشين والفقراء وزيادة اعداد اللاجئين .. وبعضها إيجابي مثل ظهور جيل جديد من الشباب الذي يمتلك فكراً متطوراً مُغايراً للفكر التقليدي الذي ظل سائداً لعقود طويلة وربما لقرون سابقة .
ولكن يظل التطور في وسائل الاتصال والإعلام هو المتغير الأبرز والأهم في كل هذه المتغيرات .. فقد أصبح المنع في الإعلام مستحيلاً مهما بذلت الحكومات من جهود في السيطرة عليه .. وأصبح كل انسان لديه آلته الإعلامية الخاصة به .. وأصبح الفضاء مملوءاً بقنوات فضائية وتطبيقات إلكترونية يمكنها أن تؤثر بشكل كبير في عملية اتخاذ القرارات السياسية بالدول .. فبعد أن كان الإعلام له دور تنويري وتوجيهي وترفيهي فقط ، اتسع النطاق ليصبح له تأثير سياسي واقتصادي، وفقدت الحكومات ما كان يسمى بالسيطرة الكاملة على الإعلام.
وفُتح الباب على مصراعيه لظهور شائعات وأخبار مغلوطة ومنقوصة ، تقتضي تحولات جذرية فيما يتعلق بنظرتنا للإعلام ، وطريقة التعامل معه ..
ولمواجهة تلك التحديات ، تبرز أهمية تطوير وسائل الإعلام تطويرًا شاملًا يتضمن تحديث وبناء قدرات العاملين بها وتربيتهم إعلاميًا، وكذا تطوير الأدوات والمعدات المستخدمة في العملية الإعلامية، وتنويع القضايا محل التناول الإعلامي لتشمل كافة التغيرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية سابقة الذكر وتُلبي احتياجات المواطن العربي الاجتماعية والنفسية والثقافية عن طريق تبني وسائل الإعلام خطط متكاملة تشمل تغطية إعلامية تضمن للمواطن حقه
في الحصول على المعلومات، وكذا المشاركة في صنع القرار عبر التعبير عن رأيه الذي أصبح من المستحيل تجاهله في ظل العولمة ووجود وسائل إعلام غير تقليدية قد يلجأ إليها الفرد للتعبير عن رأيه .
فمما لا شك فيه أن عملية تطوير الإعلام لن تحقق مُبتغاها والأهداف المرجوة منها دون تطوير قدرات المتلقي الذي يتمثل في المواطن العربي، لذا يجب أن تحرص كافة وسائل الإعلام وكذا مؤسسات التنشئة السياسية على تثقيفه وتربيته إعلاميًا منذ الصغر ليمتلك قدرة على التفكير النقدي الإبداعي، والقدرة على فرز الشائعات من الحقائق، والمساهمة في صنع ونشر المحتوى الإعلامي وليس تلقيه فقط .
ومن المهم البدء الفوري في وضع استراتيجية إعلامية عربية تضمن التنسيق بين الدول والشعوب العربية .. وتبني مواقف رسمية موحدة قدر الإمكان لهم .. وترتكز هذه الاستراتيجية على تعظيم نقاط الاتفاق بين دولنا العربية حفاظاً على ما تبقى .. وتجاهل نقاط الاختلاف التي تستغرقنا وتُهدر المزيد من الوقت والجهد دون طائل .
كما تهدف هذه الاستراتيجية المطلوبة إلى تطوير مؤسسات الإعلام ، وعملية الإتصال داخل الوطن العربي، انطلاقاً من مبدأ الاعتماد على الذات ، وعدم الارتكان على ما يقدمه لنا الآخرون .. وكذلك تحقيق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية القصوى للشعوب العربية .. ومن المهم جداً أن تتجاوز هذه الاستراتيجية مبدأ الخلافات القُطرية بين بعض الدول العربية ، والتركيز على القضايا العربية المشتركة ، بما يعزز من وحدة الأمة العربية .. والتي لازلنا نعتقد أن مصيرها مُشترك .
ان من لا يمتلك خطة سيصبح جزءاً من خطة الآخرين .. ولابد ان تُبنى الاستراتيجية المطلوبة على أسس علمية تمكن ما استطعنا من وسائل الإعلام على تنوعها واختلافها من تكوين رأي عام عربي موحد يدعم تحقيق التنمية المستدامة ، ويتمسك بشخصيته وهويته العربية ويحافظ عليها من الاختراق المُخل بتكوينها في ظل زيادة تحديات العولمة. ومن أراد الاستمرار في طريق التفريق والتشتيت للمجتمعات العربية ، يجب استبعاده من هذه الاستراتيجية حتى لا يفسدها .
جاء نص كلمة وزير الدولة للإعلام :
الدكتورة منى المري ( رئيس نادي دبي للصحافة ) و الحضور .
أتقدم لكم بالشكر على توجيه الدعوة لوزارة الدولة للإعلام للمشاركة في هذا المؤتمر المهم، والذي يتناول واقع العالم العربى فى ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة العربية، والتي لا يمكن مواجهتها بشكل فعال دون مشاركة الإعلام باعتباره أحد أهم أدوات القوى الناعمة التي تشكل الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي ليس لدى المواطنين فقط بل للنُخب الحاكمة أيضًا.
الحقيقة أننا نعيش في عالمنا العربي فترة تاريخية لا نُحسد عليها .. ولا أُبالغ إن قلت أننا أمام لحظة فارقة في تاريخ الأمة العربية .. فقد نشأنا
على أن زي العالم العربي تربطه وحدة اللغة والجغرافيا والتاريخ المشترك .. وشهدنا حروباً استمرت سنوات طويلة كانت بسبب الصراع العربي الإسرائيلي الذي تمحور على القضية الفلسطينية .
ثم فوجئنا بتغيرات إضافية في عالمنا العربي منذ عام 1990 ، حينما قامت العراق بغزو الشقيقة الكويت بين عشية وضُحاها وعُقدت قمة عربية لمناقشة الوضع ، فإذا بهذه القمة تنقسم بين مؤيد لهذا الغزو ومُعارض له .. وكان الإنقسام حاداً في وقتها .
وانتهى الأمر بتدخل تحالف دولي لإستعادة الكويت .. وبعدها بدأت العراق تشهد إنهيارات متتالية .. فأصبحنا نعيش (غير القضية الفلسطينية) قضية أخرى إسمها قضية العراق .
وخلال نفس الفترة كانت هناك قضية في الصومال لا تزال آثارها واضحة عليه ، وبعد 2001 ساءت الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن ، وأصبح هناك تهديد حوثي للأمن العربي من الجنوب ، علاوة على التهديد الإيراني الشرقي لدول الخليج العربي .. ثم ظهرت مساعي لبعض الدول في المنطقة للسيطرة
على ثروات البحر المتوسط .. وطوال هذه العقود الأربعة ، لم تكف الحركات الإرهابية المختلفة عن تهديد الأمن العربي من الداخل .
وهذا واقع أليم يعيشه العالم العربي .. ولكن العالم أيضاً به أزمات أخرى انعكست على عالمنا لعربي .. فهناك قضايا فرضت نفسها على الساحة العربية مثل قضية التنمية المستدامة ، والجفاف ، والصراعات المائية ، وتغيرات المناخ .. كما واجهنا تحديات كبيرة يفرضها علينا التطور التكنولوجي المذهل ، وما وصلنا إليه من تطبيقات الذكاء الإصطناعي بحلوها ومُرها .. وما يُصاحب ذلك من مخاطر بيولوجية ، أهمها إنتشار الفيروسات والأوبئة بصورة مُريبة ، ونعيش في العالم كله الآن آثار جائحة كورونا التي أجبرتنا على عقد مُعظم لقاءاتنا العامة عن بُعد عبر شاشات .
وكل هذه القضايا المُستحدثة لم تكن من قبل محل اهتمام النُخب السياسية التي كان ينصب كل تركيزها على التهديدات العسكرية والإقتصادية فقط ..
وبالتأكيد .. فإن هذه التغيرات المتلاحقة والسريعة التي حدثت خلال 3 عقود فقط من الزمان ، ويشهد جيلنا آثارها في ذهول من سرعتها وتطورها وما صاحبها تغير إجتماعي .. بعضه سلبي مثل زيادة أعداد المهمشين والفقراء وزيادة اعداد اللاجئين .. وبعضها إيجابي مثل ظهور جيل جديد من الشباب الذي يمتلك فكراً متطوراً مُغايراً للفكر التقليدي الذي ظل سائداً لعقود طويلة وربما لقرون سابقة .
ولكن يظل التطور في وسائل الاتصال والإعلام هو المتغير الأبرز والأهم في كل هذه المتغيرات .. فقد أصبح المنع في الإعلام مستحيلاً مهما بذلت الحكومات من جهود في السيطرة عليه .. وأصبح كل انسان لديه آلته الإعلامية الخاصة به .. وأصبح الفضاء مملوءاً بقنوات فضائية وتطبيقات إلكترونية يمكنها أن تؤثر بشكل كبير في عملية اتخاذ القرارات السياسية بالدول .. فبعد أن كان الإعلام له دور تنويري وتوجيهي وترفيهي فقط ، اتسع النطاق ليصبح له تأثير سياسي واقتصادي، وفقدت الحكومات ما كان يسمى بالسيطرة الكاملة على الإعلام.
وفُتح الباب على مصراعيه لظهور شائعات وأخبار مغلوطة ومنقوصة ، تقتضي تحولات جذرية فيما يتعلق بنظرتنا للإعلام ، وطريقة التعامل معه ..
ولمواجهة تلك التحديات ، تبرز أهمية تطوير وسائل الإعلام تطويرًا شاملًا يتضمن تحديث وبناء قدرات العاملين بها وتربيتهم إعلاميًا، وكذا تطوير الأدوات والمعدات المستخدمة في العملية الإعلامية، وتنويع القضايا محل التناول الإعلامي لتشمل كافة التغيرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية سابقة الذكر وتُلبي احتياجات المواطن العربي الاجتماعية والنفسية والثقافية عن طريق تبني وسائل الإعلام خطط متكاملة تشمل تغطية إعلامية تضمن للمواطن حقه
في الحصول على المعلومات، وكذا المشاركة في صنع القرار عبر التعبير عن رأيه الذي أصبح من المستحيل تجاهله في ظل العولمة ووجود وسائل إعلام غير تقليدية قد يلجأ إليها الفرد للتعبير عن رأيه .
فمما لا شك فيه أن عملية تطوير الإعلام لن تحقق مُبتغاها والأهداف المرجوة منها دون تطوير قدرات المتلقي الذي يتمثل في المواطن العربي، لذا يجب أن تحرص كافة وسائل الإعلام وكذا مؤسسات التنشئة السياسية على تثقيفه وتربيته إعلاميًا منذ الصغر ليمتلك قدرة على التفكير النقدي الإبداعي، والقدرة على فرز الشائعات من الحقائق، والمساهمة في صنع ونشر المحتوى الإعلامي وليس تلقيه فقط .
ومن المهم البدء الفوري في وضع استراتيجية إعلامية عربية تضمن التنسيق بين الدول والشعوب العربية .. وتبني مواقف رسمية موحدة قدر الإمكان لهم .. وترتكز هذه الاستراتيجية على تعظيم نقاط الاتفاق بين دولنا العربية حفاظاً على ما تبقى .. وتجاهل نقاط الاختلاف التي تستغرقنا وتُهدر المزيد من الوقت والجهد دون طائل .
كما تهدف هذه الاستراتيجية المطلوبة إلى تطوير مؤسسات الإعلام ، وعملية الإتصال داخل الوطن العربي، انطلاقاً من مبدأ الاعتماد على الذات ، وعدم الارتكان على ما يقدمه لنا الآخرون .. وكذلك تحقيق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية القصوى للشعوب العربية .. ومن المهم جداً أن تتجاوز هذه الاستراتيجية مبدأ الخلافات القُطرية بين بعض الدول العربية ، والتركيز على القضايا العربية المشتركة ، بما يعزز من وحدة الأمة العربية .. والتي لازلنا نعتقد أن مصيرها مُشترك .
ان من لا يمتلك خطة سيصبح جزءاً من خطة الآخرين .. ولابد ان تُبنى الاستراتيجية المطلوبة على أسس علمية تمكن ما استطعنا من وسائل الإعلام على تنوعها واختلافها من تكوين رأي عام عربي موحد يدعم تحقيق التنمية المستدامة ، ويتمسك بشخصيته وهويته العربية ويحافظ عليها من الاختراق المُخل بتكوينها في ظل زيادة تحديات العولمة. ومن أراد الاستمرار في طريق التفريق والتشتيت للمجتمعات العربية ، يجب استبعاده من هذه الاستراتيجية حتى لا يفسدها .