جلال أمين يشرح تطور ملابس المصريين فى 50 سنة
فى كتابه (وصف مصر فى نهاية القرن العشرين ) كتب الكاتب المفكر الدكتور جلال أمين فصلا عن ملابس المصريين قال فيه :
من الطريف أن نتذكر ما طرأ من تطورات على ملابس المصريين خلال الخمسين أو الستين عاماً الماضية. في حوالي 1950 كان من الممكن بسهولة تحديد الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشخص بمجرد النظر إلى ملابسه، أكثر بكثير مما نستطيع الآن..
ففيما يتعلق بالرجل كان الانتماء إلى الطبقة الدنيا يتحدد أساساً بارتداء الجلباب، بل وكان من الممكن تحديد مرتبته داخل هذه الطبقة من نوع القماش المصنوع منه الجلباب، بل وأحياناً أيضاً من لونه والانتماء إلى الطبقة الوسطى بارتداء البدلة الأفرنجية (أي الجاكتة والبنطلون) والطربوش والانتماء إلى الطبقة العليا بأشياء صغيرة ولكنها واضحة، مثل طريقة تفصيل البدلة، والياقة المنشاة ونوع رابطة العنق وطريقة ربطها.
أما فيما يتعلق بالمرأة، فكان الانتماء إلى الطبقة الدنيا يتحدد بقماش الفستان ولونه، وباستخدام المنديل الذي يغطي الرأس (المنديل أبو أوية) أو عدم استخدامه والانتماء للطبقة الواسطى، إذا كانت المرأة شابة، بإمكانية إطلاق شعرها دون غطاء.
وإذا كانت أكبر سنا، بارتداء الأساور الذهبية. أما انتماء المرأة للطبقة العليا فكان يتحدد بالسماح بكشف جزء من الذراعين، فضلاً عن الشعر، وبتصفيف الشعر وبما ترتديه من مجوهرات.
لقد أصبح الأمر الآن أصعب بكثير. كنت حتى بضع سنوات مضت كثيراً ما أركب مترو الأنفاق من ثكنات المعادي إلى ميدان التحرير، وأنظر حولي فلا أستطيع أن أحدد بمجرد النظر (كما كان ممكنا في حوالي 1950)، هل الرجل حرفي أو موظف أو مقاول؟ ولا أستطيع أن أحدد ما إذا كانت المرأة موظفة ذاهبة إلى عملها في مصلحة حكومية، أم خادمة منزلية .
جلال أمين يكتب عن الثقافة في مصر بين عهدين
أو فلننظر إلى الحجاب الآن..إنك لا يمكن أن تخمن الآن الطبقة التي تنتمي إليها المرأة من ارتدائها أو عدم ارتداء الحجاب، بينما كان هذا ممكنا في الماضي. الحجاب الآن منتشر في الطبقات الثلاث: يمكن أن ترتديه البائعة كما ترتديه موظفة بالحكومة، كما ترتديه زوجة المليونير أو زوجة رئيس الوزراء.
إني لا أقصد بالطبع أن ظاهرة انقسام المصريين إلى طبقات قد زالت أو قل حدثها، وإنما أقصد أن الطبقية في حوالي سنة 1950 كان أساسها ليس فقط حجم الدخل بل وأيضا مصدره ، هل هو الملكية الزراعية، أم مهنة من المهن أم العمل اليدوي. أما الآن فمصدر الدخل لم تعد له الدرجة نفسها من الأهمية التي أصبحت لحجم الدخل. ويظهر أن التحايل في الملابس لإخفاء حجم الدخل أسهل من التحايل لإخفاء مصدره.
خطر لي أيضا فيما يتعلق بتطور ملابس المصريين أننا لا نتمتع بحرية اختيار ما نرتديه من ملابس بالدرجة التي تتصورها. ان المثل الشعبي “كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس “، صحيح بدرجة أكبر مما نظن.
ففي ظل الانقسام الحديدي الذي كان قائما في مصر قبل ثورة 1952، لم يكن التمايز بين ملابس الطبقات المختلفة يرجع إلى مجرد اختلاف القدرة على شراء هذه الملابس أو تلك، بل كان يرجع إلى حد كبير إلى مجرد الاستجابة أو الرضوخ لما يتوقعه المجتمع منك أو لما يفرضه عليك. فعلى سبيل المثال كان ارتداء الفتاة أو المرأة للبنطلون، في الطبقتين الدنيا والوسطى، أقل شيوعا وقبولا منه بين نساء الطبقة العليا.
أما الآن فقد أصبح البنطلون شائعا بين النساء من مختلف الطبقات، كذلك تغيرت الحال فيما يتعلق بالجبة والقفطان فلم يكن يتصور من أصحاب مهن معينة أن يخلعوا الجبة والقفطان ويرتدوا البدلة الأوروبية بدلا منها. لم يكن هذا متصورا مثلا من المأذون الذي يعقد الزواج أو من أستاذ الشريعة أو من المؤذن للصلاة في الجامع.
إن الملابس التي نلبسها لكي تعجب الناس، تتغير بالطبع من زمن لآخر. فالذي كان يعجب الناس في 1950 قد لا يعجبهم الآن. ولكن يبدو أن الناس سيظلون يفرضون أشياء معينة فيما يرتديه الشخص من ملابس.