رئيس التحرير
عصام كامل

حصاد 2020.. رحيل مثير لترامب وترقب حذر لولاية بايدن

ترامب وبايدن
ترامب وبايدن
تعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر بلد متضرر من تفشي جائحة فيروس كورونا، التي أودت حتى الآن بحياة أكثر من تسعين ألف شخص وهو ما يمثل أكثر من ربع حالات الوفيات الناجمة عن هذا الفيروس التاجي في العالم. علما بأن الأمريكيين يمثلون 5% من إجمالي عدد سكان العالم.


وسارعت الولايات المتحدة بقيادة ترامب إلى الانطواء على نفسها في تعاملها مع هذه الجائحة التي قد لا تنتهي في مستقبل قريب ما لم ينجح العالم في اكتشاف اللقاح اللازم الذي ينقذ بني الإنسان ويعيد إليهم أبسط تفاصيل حياتهم اليومية العادية.

مع نهاية شهر يناير الماضي أغلقت الولايات المتحدة الأمريكية حدودها البرية، وأوقفت رحلاتها الجوية مع الصين كما اتخذت نفس الإجراءات مع الدول الأوروبية الحليفة بحلول منتصف شهر مارس الماضي من دون أن تكلف نفسها التنسيق مع هذه البلدان المعنية. عمدت الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك إلى إغلاق حدودها البرية مع كندا والمكسيك المجاورتين في أول إجراء تتخذه الإدارة الأمريكية على الصعيد الدولي.


اتخذت إدارة دونالد ترامب بعد ذلك قرارا بتعليق التمويل الذي كانت تقدمه إلى منظمة الصحة العالمية، التي تعتبرها سلطات واشنطن «مجرد دمية بين أيدي الصين». جاءت هذه الإجراءات المتعاقبة لتسرع نزعة انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الساحة السياسية الدولية التي ظلت تهيمن عليها بلا منازع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945.

يعد هذا التحول في مزاج القوة الأولى في العالم مدهشا، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعتبر إلى وقت قريب من أهم الدول المنسقة للجهود الدولية في مجال الأمور الصحية كما أنها كانت من أول وأكبر المساهمين في الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة عدة أمراض وجوائح وأوبئة أخرى مثل الملاريا وإيبولا، معتمدة في ذلك على ما تمتلكه من شبكات علمية وتقنية ولوجستية أعطت واشنطن قدرة كبيرة على تنسيق الجهود الدولية لمواجهة الكوارث ومكافحة الأوبئة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين.

ففي سنة 2003 أطلقت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن البرنامج الرئاسي العاجل لمكافحة متلازمة نقص المناعة المكتسبة - الإيدز وهو ما أسهم في تراجع نسبة الإصابة بهذا المرض في العالم، وخاصة في الدول الإفريقية التي حصلت على المساعدات المالية والأدوية والدعم الصحي والطبي اللازم. لعبت الولايات المتحدة الأمريكية أيضا دورا رئيسيا في جهود الإغاثة في خضم الإعصار التسونامي الذي ضرب بعض الدول الآسيوية سنة 2004 كما أسهمت بشكل كبير في مكافحة جائحة أنفلونزا الخنازير والتصدي لتفشي فيروس إيبولا القاتل.

جاء انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة ليحدث منذ سنة 2017 منعرجا راديكاليا في المقاربة والرؤية الأمريكية للسياسة الخارجية والعلاقات الدولية. فقد تعامل الرئيس الجديد الذي دخل البيت الأبيض واستقر في البيت البيضاوي بكثير من الازدراء مع الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة منهم الأوروبيين كما استبدل الرئيس دونالد ترامب الاستراتيجية المتعددة الأطراف بنظرية «أمريكا أولا»، مستهدفا في الوقت ذاته المؤسسات الدولية، وخاصة منها منظمة الأمم المتحدة، والتي يعتبرها كيانات معادية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية علما وأن أسلافه من الرؤساء الأمريكيين كانوا أيضا يعبرون عن شكوكهم وتحفظاتهم بشأن أدوار المؤسسات الدولية.

والعالم وفق منظور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يختصر في عبارة "أمريكا أولا" أي مصلحة الولايات المتحدة تأتي في المقام الأول والأخير ولم يتردد في التخلي أو الانسحاب من الاتفاقيات الدولية التي يعتقد أنها لم تكن في مصلحة بلاده، وكانت مواقفه وسياساته تشبه الصفقات التجارية وأحادية ومعرقلة. ومقارباته للعديد من الملفات والقضايا شخصية وغير منتظمة وتعتمد على مشاعره الغريزية وعلاقاته مع القادة الأجانب وما يعلنه من مواقف عبر تويتر.

أما منافسه الفائز في الانتخابات جو بايدن فيرى أن العالم لا يزال يسير إلى حد بعيد كما كان ويرتكز دور أمريكا ومصالحها على المؤسسات الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وتستند إلى القيم الديمقراطية الغربية المشتركة، والعالم هو عبارة عن تحالف عالمي تقود فيه أمريكا العالم الحر في مكافحة التهديدات العابرة للحدود.

ستعود إدارة بايدن أيضاً إلى منظمة الصحة العالمية وستسعى لقيادة الجهود الدولية لمواجهة فيروس كورونا.

واوضحت حملة بايدن أن هذا الأمر يعتبر مهمة ملحة لإنقاذ مكانة أمريكا المتضررة على المستوى العالمي وحشد القوى الديمقراطية ضد ما تعتبره موجة متنامية لقوى الاستبداد.

لكن ذلك قد يكون مجرد تغيير في الاسلوب أكثر من كونه تغيرا في المضمون حسب رأي دانييل بليتكا من معهد أمريكان إنتربرايز المحافظ، وتجادل بأن إدارة ترامب حققت الكثير على المسرح العالمي عبر اتباع أساليب خشنة، وتقول: "هل فقدنا أصدقاء للذهاب معنا إلى حفلات؟ "لا أحد يريد أن يرافق دونالد ترامب لكه هل فقدنا القوة والتأثير حسب المقاييس التي كانت مهمة بالفعل على مدار السبعين عاماً الماضية؟ الجواب لا".
الجريدة الرسمية