مصطفى محمود يكتب: عندما ينتهي العمر
فى كتابه (السؤال الحائر ) كتب المفكر الدكتور مصطفى محمود ـــ رحل عام 2009 ــــ مقالا يقول فيه :
عن مرحلة الكبر ونهاية العمر يقول: سألت نفسى عن اسعد لحظة نعمت بها وعشتها ، ومر بخاطرى شريط طويل من المشاهد بدءا من مرحلة الصبا ،
رأيت أول ما رأيت أول قصة نشرت لى ، ولحظة تخرجي في كلية الطب ، ولحظة حصولي على جائزة الدولة فى الأدب، ونشوة الحب الأول والنجاح الأول والسفر الأول والخروج إلى العالم الكبير متجولا بين ربوع غابات افريقيا العذراء ، وطائرا الى المانيا وفرنسا والنمسا وايطاليا وانجلترا وامريكا شمالها وجنوبها .
مر بخاطرى لحظة قبض أول الف جنيه ، ولحظة وضعت أول لبنة فى المركز الإسلامى بالدقى .
استعرضت كل تلك اللحظات وقلت فى نفسى لآ ..ليست هذه اللحظات بل هناك لحظة اخرى ذات مساء لحظة اختلط فيها الفرح بالدمع ، بالشكر ، بالبهجة بالحبور حين سجدت لله فشعرت ان كل شئ فى بدنى يسجد ..قلبى يسجد ، عظامى تسجد ، أحشائى تسجد عقلى يسجد ، روحى تسجد .
حينما سكت داخلى القلق وكف الاحتجاج ورأيت الحكمة فى العدل فارتضيته ، ورايت كل فعل الله خيرا ، وكل تصريفه عدلا وكل قضائه رحمة ..لحظتها أحسست وانا أسجد انى أعود الى وطنى الحقيقى الذى جئت منه وأدركت هويتى وانتسابى وعرفت من أنا وأنه لا أنا ولا غيره .
انتهى الكبر وتبخر العناد وسكن التمرد وانجلت غشاوات الظلمة ، وكأنما كنت أختنق تحت الماء ثم أخرجت رأسى فجأة لأرى النور وأشاهد الدنيا ، آخذ شهيقا عميقا واتنفس بحرية وانطلاق ، واى حرية وأى انطلاق يا إلهى ، لكأنما كنت مبعدا منفيا مطرودا أو سجينا مكبلا معتقلا فى الأصفاد ثم فك سجنى وكأنما كنت أدور كالدابة على عينيها حجاب ثم رفع الحجاب .
11 عاما على رحيل مصطفى محمود .. عازف الناى الذى أصبح فيلسوفا
نعم لحظتها فقط تحررت ، نعم تلك كانت الحرية الحقة ، حينما بلغت غاية العبودية لله وفككت عن يدى القيود التى تقيدنى بالدنيا وآلهتها المزيفة ..المال والمجد والشهرة والجاه والسلطة واللذة والغلبة .
شعرت انى لم اعد محتاجا لأحد ولا لشيء لأنى أصبحت فى كنف ملك الملوك الذى يملك كل شيء ، كانت لحظة ولكن بطول الابد ، نعم تأبدت فى الشعور وفى الوجدان والقت بظلها على ما بقى من عمر ولكنها لم تتكرر .
فما اكثر ما سجدت بعد ذلك دون ان ابلغ هذا التجرد والخلوص ، وما اكثر ما حاولت دون جدوى ، فما تأتى هذه اللحظات بجهد العبد ورغبته بل بفضل الرب .
لقد عرفت فى تلك اللحظة ان تلك هى السعادة الحقة وتلك هى جنة الارض التى لا يساويها اى كسب مادى او معنوى .
عن مرحلة الكبر ونهاية العمر يقول: سألت نفسى عن اسعد لحظة نعمت بها وعشتها ، ومر بخاطرى شريط طويل من المشاهد بدءا من مرحلة الصبا ،
رأيت أول ما رأيت أول قصة نشرت لى ، ولحظة تخرجي في كلية الطب ، ولحظة حصولي على جائزة الدولة فى الأدب، ونشوة الحب الأول والنجاح الأول والسفر الأول والخروج إلى العالم الكبير متجولا بين ربوع غابات افريقيا العذراء ، وطائرا الى المانيا وفرنسا والنمسا وايطاليا وانجلترا وامريكا شمالها وجنوبها .
مر بخاطرى لحظة قبض أول الف جنيه ، ولحظة وضعت أول لبنة فى المركز الإسلامى بالدقى .
استعرضت كل تلك اللحظات وقلت فى نفسى لآ ..ليست هذه اللحظات بل هناك لحظة اخرى ذات مساء لحظة اختلط فيها الفرح بالدمع ، بالشكر ، بالبهجة بالحبور حين سجدت لله فشعرت ان كل شئ فى بدنى يسجد ..قلبى يسجد ، عظامى تسجد ، أحشائى تسجد عقلى يسجد ، روحى تسجد .
حينما سكت داخلى القلق وكف الاحتجاج ورأيت الحكمة فى العدل فارتضيته ، ورايت كل فعل الله خيرا ، وكل تصريفه عدلا وكل قضائه رحمة ..لحظتها أحسست وانا أسجد انى أعود الى وطنى الحقيقى الذى جئت منه وأدركت هويتى وانتسابى وعرفت من أنا وأنه لا أنا ولا غيره .
انتهى الكبر وتبخر العناد وسكن التمرد وانجلت غشاوات الظلمة ، وكأنما كنت أختنق تحت الماء ثم أخرجت رأسى فجأة لأرى النور وأشاهد الدنيا ، آخذ شهيقا عميقا واتنفس بحرية وانطلاق ، واى حرية وأى انطلاق يا إلهى ، لكأنما كنت مبعدا منفيا مطرودا أو سجينا مكبلا معتقلا فى الأصفاد ثم فك سجنى وكأنما كنت أدور كالدابة على عينيها حجاب ثم رفع الحجاب .
11 عاما على رحيل مصطفى محمود .. عازف الناى الذى أصبح فيلسوفا
نعم لحظتها فقط تحررت ، نعم تلك كانت الحرية الحقة ، حينما بلغت غاية العبودية لله وفككت عن يدى القيود التى تقيدنى بالدنيا وآلهتها المزيفة ..المال والمجد والشهرة والجاه والسلطة واللذة والغلبة .
شعرت انى لم اعد محتاجا لأحد ولا لشيء لأنى أصبحت فى كنف ملك الملوك الذى يملك كل شيء ، كانت لحظة ولكن بطول الابد ، نعم تأبدت فى الشعور وفى الوجدان والقت بظلها على ما بقى من عمر ولكنها لم تتكرر .
فما اكثر ما سجدت بعد ذلك دون ان ابلغ هذا التجرد والخلوص ، وما اكثر ما حاولت دون جدوى ، فما تأتى هذه اللحظات بجهد العبد ورغبته بل بفضل الرب .
لقد عرفت فى تلك اللحظة ان تلك هى السعادة الحقة وتلك هى جنة الارض التى لا يساويها اى كسب مادى او معنوى .