ما حكم استعمال الماء المتغير بالكلور وصدأ الحديد في الطهارة؟.. الإفتاء تجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم استعمال الماء المتغير بالكلور وصدأ الحديد في الطهارة؟، وجاء جواب الدار عن هذه الفتوى كالتالي:
الكلور: عنصر كيميائي مكون من ملح الطعام ومركبات أخرى، ويستخدم كمطهر لقتل البكتيريا وغيرها من الجراثيم العالقة بالماء.
وأما صدأ الحديد فهو: عبارة عن مادة حمراء ضاربة إلى اللون البني، تتشكل على سطح العديد من المعادن عندما يتعرض لاختلاف في تركيز الرطوبة على سطح المعدن، كأعمدة الإنارة، فتجد الصدأ في الجزء المدفون في الأرض أكثر منه في الجزء العلوي.
فأما الماء المتغير بالكلور فهو ماء طهور يستخدم في الطهارة من الحدث والخبث؛ لأنه تغير بالطاهر الذي لم يغلب الماء المطلق على أوصافه، والدليل على ذلك: قول الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48].
ووجه الدلالة أن كلمة ﴿مَاءً﴾ نكرة في سياق الامتنان فتعم.
أحكام الطهارة
كذلك ورد في "الصحيحين" عن ابن عباس رضي الله عنهما في المُحرِم الذي وقصته ناقته، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»، ووجه الدلالة: أن السدر يغير بعض أوصاف الماء، والمطلوب في الماء الذي يغسل به الميت أن يكون طهورًا؛ فدل على عدم تأثير ذلك فيه، خاصة أنه يستعمل في النظافة والتطهير.
وأخرج النسائي عن أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "اغتسل ... فِي قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ"، ووجه الدلالة يؤخذ من سابقه.
وبنحو ما قلنا ذهب بعض أهل العلم؛ قال العلامة ابن مودود الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 14، ط. الحلبي): [(ويجوز بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه) ولم يزل رقته، (كالزعفران والأشنان وماء المد) وفي اللبن روايتان.
أحكام الوضوء
(ولا تجوز بماء غلب عليه غيره فأزال عنه طبع الماء، كالأشربة والخل وماء الورد) وطبع الماء: كونه سيالًا مرطبًا مسكنًا للعطش. (وتعتبر الغلبة بالأجزاء) والأصل فيه أن الماء الذي خالطه شيء من الطين يجوز الوضوء به إجماعًا؛ لبقاء اسم الماء المطلق، ولا يجوز بالخل إجماعًا لزوال الاسم عنه، فكل ما غلب على الماء وأخرجه عن طبعه ألحقناه بالخل، وما غلب عليه الماء وطبعه باق ألحقناه بالأول؛ لأنه على حكم الإطلاق، وإضافته إليه كإضافته إلى العين والبئر، وإن تغير بالطبخ لا يجوز، كالمرق، إلا ما يقصد به التنظيف، كالسدر والحرض والصابون ما لم يثخن، فإنه يجوز؛ لورود السنة بغسل الميت بذلك] اهـ.
وقد دافع الشيخ تقي الدين ابن تيمية عن هذا الرأي، فقال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (21/ 25، ط. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية): [القول الثاني: أنه لا فرق بين المتغير بأصل الخلقة وغيره ولا بما يشق الاحتراز عنه؛ ولا بما لا يشق الاحتراز عنه فما دام يسمى ماء ولم يغلب عليه أجزاء غيره كان طهورًا كما هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه وهي التي نص عليها في أكثر أجوبته. وهذا القول هو الصواب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ وقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ نكرة في سياق النفي فيعم كل ما هو ماء لا فرق في ذلك بين نوع ونوع. فإن قيل: إن المتغير لا يدخل في اسم الماء؟
أنواع المياه المستعملة للطهارة
قيل: تناول الاسم لمسماه لا فرق فيه بين التغير الأصلي والطارئ ولا بين التغير الذي يمكن الاحتراز منه والذي لا يمكن الاحتراز منه؛ فإن الفرق بين هذا وهذا إنما هو من جهة القياس؛ لحاجة الناس إلى استعمال هذا المتغير دون هذا، فأما من جهة اللغة -وعموم الاسم وخصوصه- فلا فرق بين هذا وهذا؟ ولهذا لو وكله في شراء ماء أو حلف لا يشرب ماء أو غير ذلك: لم يفرق بين هذا وهذا، بل إن دخل هذا دخل هذا، وإن خرج هذا خرج هذا، فلما حصل الاتفاق على دخول المتغير -تغيرًا أصليًا أو حادثًا- بما يشق صونه عنه: علم أن هذا النوع داخل في عموم الآية. وقد ثبت بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في البحر: «هو الطَّهورُ ماؤُهُ، الحلُّ مَيتَتُه»، والبحر متغير الطعم تغيرًا شديدًا؛ لشدة ملوحته.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر أن ماءه طهور -مع هذا التغير- كان ما هو أخف ملوحة منه أولى أن يكون طهورًا وإن كان الملح وضع فيه قصدًا؛ إذ لا فرق بينهما في الاسم من جهة اللغة.
أحكام الغسل
وبهذا يظهر ضعف حجة المانعين؛ فإنه لو استقى ماءً أو وكله في شراء ماء لم يتناول ذلك ماء البحر ومع هذا فهو داخل في عموم الآية، فكذلك ما كان مثله في الصفة.
وأيضا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بغسل المحرم بماء وسدر، وأمر بغسل ابنته بماء وسدر، وأمر الذي أسلم أن يغتسل بماء وسدر.
ومن المعلوم: أن السدر لا بد أن يغير الماء، فلو كان التغير يفسد الماء لم يأمر به] اهـ.
وأما الماء المتغير بصدأ الحديد: فإما أن يكون تغيره بالمواسير التي تكونت فيها هذه المادة لأجل الرطوبة، وإما أن يلقى فيها بفعل فاعل، فإن كان تغيره بهذه المواسير -وهو الأغلب في هذا النوع من التغير- فهو كالمتغير بالمقر، والتغير بمقر الماء وممره لا يضر، فحكمه أنه طهور يستعمل في الطهارة من الحدث أو الخبث؛ فلقد روى أبو داود عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: "جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ، فَتَوَضَّأَ"، والتور هو: الإناء، والصفر هو: النحاس الأصفر، ومعلوم أنه يغير طعم الماء، وتوضؤ النبي صلى الله عليه وآله وسلم به دليل على طهوريته.
قال العلامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1 /56، ط. دار الفكر): [الماء إذا تغير بقرار الأرض التي هو بها، أو يمر عليها، فإن ذلك لا يسلبه الطهورية، كما قال في "الرسالة": إلا ما غيرت لونه الأرض التي هو بها؛ من سبخة أو حمأة أو نحوها ... (تنبيه) قال اللخمي: وسواء تغير بذلك الماء وهو في قراره، أو صنع منه إناء فتغير الماء منه، ولم يكره أحد الوضوء من إناء الحديد على سرعة تغير الماء فيه، وقد ثبت: أنه صلى الله عليه وآله وسلم توضأ من إناء صفر. ومعلوم أنه يغير طعم الماء، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسخن له الماء في إناء من صفر. انتهى.
كيفية التطهر من الحدث
وفي "الطراز": ما تغير الماء من نفس الآنية فلا يضر، وذكر نحو ما تقدم، وزاد: ولم تزل الأمة تستعمل المسخن على النار وماء الحمامات وإن ظهر فيه من طعم القدور ما غير طعمه، ونقله القرافي وابن هارون والبرزلي وابن فرحون والبساطي في "مغنيه" والزهري في "قواعده"، ... ويلحق بالمتغير بما لا ينفك عنه: البئر المتغيرة من الخشب والعشب الذي تطوى به الآبار في الصحاري؛ للضرورة لذلك الماء] اهـ.
وقال العلامة الخرشي: لا يضر تغير الماء -لونًا أو طعمًا أو ريحًا- بما لا يفارقه أصلًا؛ كالسمك الحي، وبما يفارقه قليلًا؛ كمقره. انظر: "شرح الخرشي على مختصر خليل" (1/ 69، ط. دار الفكر).
حكم استعمال الماء المتغير بالكلور في الطهارة
وقال العلامة الدسوقي: أي في أكثر الأزمنة، احترز بقوله (كثيرًا) عن الماء المتغير بما لا يفارقه أصلًا، وبما يفارقه قليلًا، فلا يضر التغير به، فالأول: كالتغير بالسمك الحي، وكالتغير بالسمن بالنسبة لأهل البادية التي لا تنفك أوانيهم عنه غالبًا، فيغتفر ذلك لهم دون غيرهم، والثاني: كالتغير بالمقر. انظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 38، ط. دار إحياء الكتب العربية).
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي: ولا يضر تغير كثير بمُكث (ولا بما لا يستغني) الماء عنه في ممره ومقره -كطُحلَب- لتعذر صون الماء عن ذلك. انظر: "أسنى المطالب شرح روض الطالب بحاشية الرملي الكبير" (1/ 7، ط. دار الكتاب الإسلامي).
وبناء على ما سبق: فالماء المتغير بالكلور وصدأ الحديد يجوز استعماله في الطهارة من الحدث والخبث.
الكلور: عنصر كيميائي مكون من ملح الطعام ومركبات أخرى، ويستخدم كمطهر لقتل البكتيريا وغيرها من الجراثيم العالقة بالماء.
وأما صدأ الحديد فهو: عبارة عن مادة حمراء ضاربة إلى اللون البني، تتشكل على سطح العديد من المعادن عندما يتعرض لاختلاف في تركيز الرطوبة على سطح المعدن، كأعمدة الإنارة، فتجد الصدأ في الجزء المدفون في الأرض أكثر منه في الجزء العلوي.
فأما الماء المتغير بالكلور فهو ماء طهور يستخدم في الطهارة من الحدث والخبث؛ لأنه تغير بالطاهر الذي لم يغلب الماء المطلق على أوصافه، والدليل على ذلك: قول الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48].
ووجه الدلالة أن كلمة ﴿مَاءً﴾ نكرة في سياق الامتنان فتعم.
أحكام الطهارة
كذلك ورد في "الصحيحين" عن ابن عباس رضي الله عنهما في المُحرِم الذي وقصته ناقته، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»، ووجه الدلالة: أن السدر يغير بعض أوصاف الماء، والمطلوب في الماء الذي يغسل به الميت أن يكون طهورًا؛ فدل على عدم تأثير ذلك فيه، خاصة أنه يستعمل في النظافة والتطهير.
وأخرج النسائي عن أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "اغتسل ... فِي قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ"، ووجه الدلالة يؤخذ من سابقه.
وبنحو ما قلنا ذهب بعض أهل العلم؛ قال العلامة ابن مودود الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 14، ط. الحلبي): [(ويجوز بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه) ولم يزل رقته، (كالزعفران والأشنان وماء المد) وفي اللبن روايتان.
أحكام الوضوء
(ولا تجوز بماء غلب عليه غيره فأزال عنه طبع الماء، كالأشربة والخل وماء الورد) وطبع الماء: كونه سيالًا مرطبًا مسكنًا للعطش. (وتعتبر الغلبة بالأجزاء) والأصل فيه أن الماء الذي خالطه شيء من الطين يجوز الوضوء به إجماعًا؛ لبقاء اسم الماء المطلق، ولا يجوز بالخل إجماعًا لزوال الاسم عنه، فكل ما غلب على الماء وأخرجه عن طبعه ألحقناه بالخل، وما غلب عليه الماء وطبعه باق ألحقناه بالأول؛ لأنه على حكم الإطلاق، وإضافته إليه كإضافته إلى العين والبئر، وإن تغير بالطبخ لا يجوز، كالمرق، إلا ما يقصد به التنظيف، كالسدر والحرض والصابون ما لم يثخن، فإنه يجوز؛ لورود السنة بغسل الميت بذلك] اهـ.
وقد دافع الشيخ تقي الدين ابن تيمية عن هذا الرأي، فقال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (21/ 25، ط. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية): [القول الثاني: أنه لا فرق بين المتغير بأصل الخلقة وغيره ولا بما يشق الاحتراز عنه؛ ولا بما لا يشق الاحتراز عنه فما دام يسمى ماء ولم يغلب عليه أجزاء غيره كان طهورًا كما هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه وهي التي نص عليها في أكثر أجوبته. وهذا القول هو الصواب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ وقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ نكرة في سياق النفي فيعم كل ما هو ماء لا فرق في ذلك بين نوع ونوع. فإن قيل: إن المتغير لا يدخل في اسم الماء؟
أنواع المياه المستعملة للطهارة
قيل: تناول الاسم لمسماه لا فرق فيه بين التغير الأصلي والطارئ ولا بين التغير الذي يمكن الاحتراز منه والذي لا يمكن الاحتراز منه؛ فإن الفرق بين هذا وهذا إنما هو من جهة القياس؛ لحاجة الناس إلى استعمال هذا المتغير دون هذا، فأما من جهة اللغة -وعموم الاسم وخصوصه- فلا فرق بين هذا وهذا؟ ولهذا لو وكله في شراء ماء أو حلف لا يشرب ماء أو غير ذلك: لم يفرق بين هذا وهذا، بل إن دخل هذا دخل هذا، وإن خرج هذا خرج هذا، فلما حصل الاتفاق على دخول المتغير -تغيرًا أصليًا أو حادثًا- بما يشق صونه عنه: علم أن هذا النوع داخل في عموم الآية. وقد ثبت بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في البحر: «هو الطَّهورُ ماؤُهُ، الحلُّ مَيتَتُه»، والبحر متغير الطعم تغيرًا شديدًا؛ لشدة ملوحته.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر أن ماءه طهور -مع هذا التغير- كان ما هو أخف ملوحة منه أولى أن يكون طهورًا وإن كان الملح وضع فيه قصدًا؛ إذ لا فرق بينهما في الاسم من جهة اللغة.
أحكام الغسل
وبهذا يظهر ضعف حجة المانعين؛ فإنه لو استقى ماءً أو وكله في شراء ماء لم يتناول ذلك ماء البحر ومع هذا فهو داخل في عموم الآية، فكذلك ما كان مثله في الصفة.
وأيضا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بغسل المحرم بماء وسدر، وأمر بغسل ابنته بماء وسدر، وأمر الذي أسلم أن يغتسل بماء وسدر.
ومن المعلوم: أن السدر لا بد أن يغير الماء، فلو كان التغير يفسد الماء لم يأمر به] اهـ.
وأما الماء المتغير بصدأ الحديد: فإما أن يكون تغيره بالمواسير التي تكونت فيها هذه المادة لأجل الرطوبة، وإما أن يلقى فيها بفعل فاعل، فإن كان تغيره بهذه المواسير -وهو الأغلب في هذا النوع من التغير- فهو كالمتغير بالمقر، والتغير بمقر الماء وممره لا يضر، فحكمه أنه طهور يستعمل في الطهارة من الحدث أو الخبث؛ فلقد روى أبو داود عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: "جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ، فَتَوَضَّأَ"، والتور هو: الإناء، والصفر هو: النحاس الأصفر، ومعلوم أنه يغير طعم الماء، وتوضؤ النبي صلى الله عليه وآله وسلم به دليل على طهوريته.
قال العلامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1 /56، ط. دار الفكر): [الماء إذا تغير بقرار الأرض التي هو بها، أو يمر عليها، فإن ذلك لا يسلبه الطهورية، كما قال في "الرسالة": إلا ما غيرت لونه الأرض التي هو بها؛ من سبخة أو حمأة أو نحوها ... (تنبيه) قال اللخمي: وسواء تغير بذلك الماء وهو في قراره، أو صنع منه إناء فتغير الماء منه، ولم يكره أحد الوضوء من إناء الحديد على سرعة تغير الماء فيه، وقد ثبت: أنه صلى الله عليه وآله وسلم توضأ من إناء صفر. ومعلوم أنه يغير طعم الماء، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسخن له الماء في إناء من صفر. انتهى.
كيفية التطهر من الحدث
وفي "الطراز": ما تغير الماء من نفس الآنية فلا يضر، وذكر نحو ما تقدم، وزاد: ولم تزل الأمة تستعمل المسخن على النار وماء الحمامات وإن ظهر فيه من طعم القدور ما غير طعمه، ونقله القرافي وابن هارون والبرزلي وابن فرحون والبساطي في "مغنيه" والزهري في "قواعده"، ... ويلحق بالمتغير بما لا ينفك عنه: البئر المتغيرة من الخشب والعشب الذي تطوى به الآبار في الصحاري؛ للضرورة لذلك الماء] اهـ.
وقال العلامة الخرشي: لا يضر تغير الماء -لونًا أو طعمًا أو ريحًا- بما لا يفارقه أصلًا؛ كالسمك الحي، وبما يفارقه قليلًا؛ كمقره. انظر: "شرح الخرشي على مختصر خليل" (1/ 69، ط. دار الفكر).
حكم استعمال الماء المتغير بالكلور في الطهارة
وقال العلامة الدسوقي: أي في أكثر الأزمنة، احترز بقوله (كثيرًا) عن الماء المتغير بما لا يفارقه أصلًا، وبما يفارقه قليلًا، فلا يضر التغير به، فالأول: كالتغير بالسمك الحي، وكالتغير بالسمن بالنسبة لأهل البادية التي لا تنفك أوانيهم عنه غالبًا، فيغتفر ذلك لهم دون غيرهم، والثاني: كالتغير بالمقر. انظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 38، ط. دار إحياء الكتب العربية).
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي: ولا يضر تغير كثير بمُكث (ولا بما لا يستغني) الماء عنه في ممره ومقره -كطُحلَب- لتعذر صون الماء عن ذلك. انظر: "أسنى المطالب شرح روض الطالب بحاشية الرملي الكبير" (1/ 7، ط. دار الكتاب الإسلامي).
وبناء على ما سبق: فالماء المتغير بالكلور وصدأ الحديد يجوز استعماله في الطهارة من الحدث والخبث.