رئيس التحرير
عصام كامل

تعرف على الشهيد الحى

فيتو

كثيرا ما قلنا.. إن لكل شخص نصيبا من اسمه، واليوم نتعرف على شخصية صحابى جليل، كان بقوته وشجاعته وإيمانه كشجرة يستظل بها المسلمون.. إنه طلحة بن عبيد الله، ليحمل كل فرع من فروع شجرته الإيمانية لقباً، أطلقه عليه رسول الرحمة ، صلى الله عليه وسلم.


ويكفى أن نعلم أن الصحابى الجليل طلحة بن عبيد الله، يلتقى نسبه بالنبى، صلى الله عليه وسلم، فى مرة بن كعب، ومع أبى بكر الصديق، فى كعب بن سعد، لنعرف من أى أصل نبت الفرع الطيب، فكان من السابقين للإسلام والمنفقين فى سبيل الله، والمدافعين عن رسوله، صلى الله عليه وسلم، الذى لقبه يوم أحد بطلحة الخير، وفى غزوة القشيرة بطلحة الفياض، وفى يوم حنين بطلحة الجواد، لتكتمل فروع الشهيد الحى.

كان طلحة رابع من آمنوا على يد أبو بكر الصديق ، رضى الله عنهما، ولأنه من سادة قريش حاول قومه إثناءه عن إيمانه باللين، فلما لم يستجب قاموا بتعذيبه، حَدثَ مسعودُ بنُ خراشٍ قال: بينما كنت أسعى بينَ الصفا والمروةِ، إذا أناسٌ كثيرٌون يَتبعُونَ فتىً أوثِقت يداه (كتفت يداه وربطتا) إلى عُنقهِ، وهم يُهرولون وراءه، ويدفعونه فى ظهرِه، ويضربونه على رأسه، وخلفه امرأةٌ عجوز تسُبه وتصيحُ به، فقلت: ما شأنُ هذا الفتى؟!، فقالوا: هذا طلحَة بنُ عبيد الله ، صَبأ (رَجعَ) عن دينه، وتبع غلامَ بنى هاشم، فقلت: ومن هذه العجوز التى وراءه؟ فقالوا: هى الصَّعبة بنتُ الحضرمى أمُّ الفتى.

ثم إنَّ نوفلَ بن خويلدٍ المُلقبَ بأسدِ قريشٍ، قام إلى طلحة بن عبيد الله فأوثقه فى حبلٍ، وأوثق معهُ أبا بكرٍ الصدّيق، وقرَنهما معاً وأسلمهُما إلى سُفهاءِ مكة، ليذيقوهما أشدّ العذابِ، لذلك دُعى طلحَة بنُ عبيد الله وأبو بكرٍ الصديقُ بالقرينيْن.

ويعود السبب فى تلقيب"طلحة" بالشهيدِ الحيِّ ليوم أحد، حينما لم يبق مع الرسول ،صلى الله عليه وسلم، غيرُ أحدَ عشرَ رجُلا من الأنصارِ وطلحة بن عبيد الله من المهاجرين، وكان النبى عليه الصلاة والسلام يصعدُ هو ومنْ معه الجبلِ، فلحقتْ به عُصبة من المشركين تريدُ قتله، فقال عليه الصلاة والسلام: من يرُدُّ عنا هؤلاءِ وهو رفيقى فى الجنَّةِ؟ فقال طلحة: أنا يا رسول الله، فقال الرسول: لا، مكانَك فقال رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: (نعم، أنتَ).

فقاتَلَ الأنصارى حتى قتلَ، ثم صعدَ الرسولُ عليه الصلاة والسلامُ بمنْ معه فلحقه المشركون، فقال: ألا رَجلٌ لهؤلاءِ؟! فقال طلحة: أنا يا رسول الله، فقال الرسول: لا، مكانكَ، فقال رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: (نعم، أنتَ)، ثم قاتل الأنصارى حتى قتل أيضاً.

وتابع الرسولُ صعودهُ، فلحقَ به المشركون، فلم يزل يقولُ مثل قوله، ويقولُ طلحة: أنا يا رسول الله، فيمنعُه النبى، ويأذنُ لرجلٍ من الأنصارِ حتى استشهدوا جميعاً، ولم يبقَ معه إلا طلحة فلحق به المشركون، فقال لطلحة: الآن، نعم.

وكان الرسولُ عليه الصلاة والسلام قد كسِرت رباعيَّته (سنه التى بين الناب والثنية) وشجَّ جبينُه، وجُرحتْ شفته، وسال الدمُ من وجههِ، وأصابه الإعياءُ (التعب) فجَعلَ طلحة يكرُّ (يهجم) على المُشركين حتى يدفعهم عن سول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينقلبُ إلى النبى فيرقى به قليلاً فى الجبل، ثم يسندُه إلى الأرضِ، ويكرُّ على المشركين من جديدٍ.

ومازال كذلك حتى صَدَّهم عنه، قال أبو بكر: وكنتُ آنئذٍ أنا وأبو عبيدة بنُ الجراحِ بعيدين عن رسول الله، فلما أقبلنا عليه نريدُ إسعافه قال: (أترُكانى وانصرِفا إلى صاحِبكما)، يُريدَ طلحَة.

فإذا طلحة تنزفُ دماؤه، وفيه بضعٌ وسبعون ضربةً بسيف أو طعنة برمحٍ أو رمية بِسهم، وإذا هو قد قطِعت كفّه، وسقط فى حُفرةٍ مغشيا عليه، فكان الرسولِ عليه الصلاةُ والسلام يقول بعد ذلك: (من سَره أن يَنظرَ إلى رجُلٍ يمشى على الأرض، قد قضَى نحبه فليَنظرْ إلى طلحة بنِ عُبيد الله)، وكان الصدِّيقُ رضوانُ الله عليه إذا ذكر يوم أحد يقول: ذلكَ يومٌ كله لطلحة.

أما تلقيبُه بطلحةِ الخير وطلحةِ الجودِ فله مئات القصص، فقد كان تاجراً واسع التجارةِ عظيمَ الثراءِ، فجاءَه ذات يومٍ مالٌ من حَضرمَوْتَ مقدارُه سبعمائةِ ألفِ درهمٍ، فبَاتَ ليلته وَجلاً (خائفاً) جزعاً محزوناً، فدخلتْ عليه زوجته أم كلثوم بنتُ أبى بكرٍ الصديق وقالت: ما بك يا أبا محمد؟!! لعَله رابَكَ (أصابك وساءك) منا شىءٌ!!

فقال: لا، ولنِعمَ حَليلة (الزوجة) الرجُل المُسلم أنتِ، ولكن تفكرتُ منذ الليلةِ وقلتُ: ما ظنُّ رجلٍ بِربّه إذا كان ينامُ وهذا المال فى بيته؟! قالت: وما يُغمُّك (يهمك ويدخل عليك الغم) منه؟! أينَ أنتَ من المحتاجين من قومك وأخلائِك؟! فإذا أصبحتَ فقسِّمه بينهم.

فقال: رَحِمَك الله، إنك مُوفقة بنتُ موفقٍ، فلما أصبحَ جعلَ المالَ فى صُررٍ وجِفانٍ (جمع جفنة وهى القصعة الكبيرة) وقسمَه بين فقراءِ المهاجرين والأنصارِ.

ورُوى أيضاً أنّ رجُلاً جاء إلى طلحة بن عُبيد الله يطلبُ رفدَه (معونته وعطاءه) وذكرَ له رحماً تربُطه به، فقال طلحة: هذا رحِمٌ ما ذكرها لى أحدٌ من قبلُ، وإنَّ لى أرضاً دفعَ لى فيها عثمانُ بن عفانَ ثلاثمائةِ ألفٍ، فإن شئتَ خُذها وإن شئت بِعتها لك مِنه بثلاثمائةِ ألفٍ، وأعطيتك الثمنَ، فقال الرجلُ: بَلْ آخذ ثمنَهَا، فأعطاه إيَّاه.
الجريدة الرسمية