رئيس التحرير
عصام كامل

الحريات في زمن بايدن.. أوراق ضغط القاهرة على واشنطن.. ثقل مصر الإقليمي الأبرز.. والاستثمارات بين البلدين ضمن القائمة

جو بايدن
جو بايدن
كلما اقتربت لحظة تنصيب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية رسميًا لمدة 4 سنوات مقبلة، يضاعف المراقبون السياسيون والحقوقيون طموحاتهم بشأن أن يُصحح الساكن الجديد للبيت الأبيض ما أفسده سلفه "دونالد ترامب" بشأن ملف الحريات على مستوى العالم بصفة عامة، وبعض دول منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة، والتي تنوعت بين: قتل وتصفيات جسدية واعتقالات وإعدامات جماعية وإخفاء قسرى وتعذيب في السجون ومراكز الاحتجاز وقمع الحريات وإغلاق الصحف والفضائيات وحجب المواقع الإخبارية ووأد الصحافة واعتقال الصحفيين.


المراقبون يرون أن الرئيس المنتهية ولايته وصلاحيته أسهم في تغذية وتحصين انتهاكات حقوقية على نطاق واسع، لا سيما في بعض الدول الخليجية، وهو ما يتصادم مع السياسات المحتمل تطبيقها من جانب الحاكم الجديد للولايات المتحدة، بحسب ما تبنته حملته الدعائية إبَّان العملية الانتخابية. ورغم أن الواقع أثبت أن "المتغطى بأمريكا عريان"، إلا إن كثيرين لا يزالون يعوِّلون على "بايدن" ونابته السمراء "كاميلا هاريس" وفريقه في فرض واقع جديد في بعض دول الشرق الأوسط من خلال سياسات حاكمة وضوابط صارمة تسمح بهوامش متوسطة من حرية الرأى والتعبير.

وفى هذا الملف.. تستشرف "فيتو" من خلال عدد من الخبراء السياسيين والأكاديميين مستقبل الحريات وخريطتها وتفاصيلها في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة خلال السنوات الأربعة المقبلة.

فور تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، تزايدت التساؤلات حول مستقبل ملف الحريات في الشرق الأوسط، وما الملفات التي من الممكن أن يثيرها ويستخدمها كأوراق ضغط.

الدكتورة نهى بكر المتخصص في الِشأن الأمريكى قالت إن فكرة ربط ملف الحريات بالرئيس الأمريكى بايدن أمر ليس في محله، فمن المعروف أن ملف الحريات مهم جدا بالنسبة للحزب الديمقراطى، وعلى الرغم من كونهم يمثلون أغلبية مجلس النواب بالولايات المتحدة الأمريكية، لم نلحظ أي تغير في سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب، فأمريكا دولة مؤسسات، وتسير وفقا لخطط وإستراتيجيات لا يمكن خرقها.

المشكلات الداخلية

وتابعت: الرئيس الأمريكى بايدن سيقابل العديد من المشكلات الداخلية ما يجعله غير متفرغ كثيرا للأمور الخارجية، خاصة أنه سيكون أكثر انشغالا بالملف الاقتصادي وقضية فيروس كورونا وغيرها من ملفات الشأن الداخلى.

وأضافت نهى: ليس من الضرورة أن تشهد السياسات الأمريكية الخارجية تغييرات فعلى سبيل المثال يرى كثير من السوريين أن الأوضاع في سوريا ستعود إلى الشكل الذي كانت عليه قبل عام 2016، بعد فوز جو بايدن وفقا لما كان أوباما يسير عليه، لكون الرئيس الجديد بايدن كان نائبًا لأوباما خلال فترة حكمه، ولكن وإن كان بايدن يرفض التدخل العسكري في سوريا إلا أنه قد يغير موقفه خاصة أن حقول النفط تشكل حجر عثرة أمام انسحاب القوات، فالتدخل الأمريكي في سوريا أمر معقد وله العديد من الحسابات المختلفة.

وسائل الضغط

أما عن وسائل الضغط التي يمكن أن تمارسها الولايات المتحدة على بعض الدول العربية من أجل تحقيق مصالحها الشخصية أو أهدافها في المنطقة فتتمثل في منع المساعدات المادية والاقتصادية لبعض الدول أو المساعدات العسكرية أو قروض النقد الدولى لأن أمريكا لها دور كبير فى هذا الشأن، فضلا عن تحكمها في تمويل منظمات المجتمع المدنى لبعض البلدان.

واختتمت نهى: كل دولة في العالم حاليا لها سياساتها الخاصة في ظل الانشغال بالتحديات التي تمر بها جميع البلدان سواء الطبية أو الاقتصادية أو غيرها.

وفى نفس السياق يقول طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: من المتوقع أن تختلف السياسة الخارجية في ظل ولاية الرئيس الأمريكي "بايدن" وخاصة وأنه سيكون هناك مراجعة لعديد من الملفات والقضايا التي لها دور كبير في المنطقة العربية، مشيرا إلى أن القاهرة غير متخوفة ولكن لديها تحسباتها من فتح بعض الملفات المتوقعة.

وتابع قائلا: ستقام العلاقات الأمريكية العربية على أسس من المنافع المشتركة والمصالح المتبادلة، فالرئيس بايدن ينتمي في الأصل لنخبة واشنطن، وهي نخبة لها قناعاتها السياسية والاقتصادية، وتملك منظورا سياسيا مغايرا اتجاه العالم بأكمله وليس الدول العربية فقط، وبالتالي سيعمل "بايدن" على تقسيم الدول العربية إلى قسمين مع وضد، من لم يكن معنا فهو ضدنا كما فعل بوش.

وستتسبب تلك المعادلة في خلل واضح، فعلينا بلورة وجهة النظر العربية المقابلة.

الشراكة المصرية الأمريكية

أيضا من أهم الملفات والأزمات المتوقع فتحها: الاتفاقيات الثنائية مثل برنامج المساعدات، الشراكة المصرية الأمريكية، مناورات النجم الساطع ودور مصر في الإستراتيجية الأمريكية، كما أنه من المتوقع فتح ملف الحريات مع كل دول العالم وليس الشرق الأوسط فقط، وغير واضح اتجاهات "بايدن" نحو اتفاقية السلام .

أوراق القاهرة

وأشار "فهمى" إلى أن القاهرة تتوقع حدوث عدة أزمات مع الإدارة الأمريكية ولكن الدولة المصرية قادرة على مواجهة أي قرارات، خاصة وأنها تمتلك أوراق ضغط على الجانب الأمريكى تستطيع أن تتعامل معها وتواجهها بكل سهولة، مؤكدا أن مصر اختلفت كثيرا عن السابق، وأصبح لها ثقل دولى كبير فمصر في عام 2013 غير مصر في 2016 غير مصر 2020، وبالتالى ملف الحريات سيكون له إطار بما يتماشى مع السياسة المصرية، كما أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن القاهرة، لأن مصر تؤدي دورا بارزا في المنطقة.

وأشار فهمى إلى أنه من الطبيعى أن تشهد العلاقة بين بعض الدول "شد وجذب" في بعض الأحيان، وهذا لا يقتصر على مصر فقط أو الشرق الأوسط بل كل بلدان العالم ستشهد تطورات في علاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة المقبلة.

وتابع فهمى قد يتجه جو بايدن إلى معالجة جديدة في العلاقات الأمريكية وجماعات الإسلام السياسي في الإقليم، وعلى رأسها "الإخوان المسلمين"، متابعا: قد تشهد جماعات الإسلام السياسي في الإقليم في عهد الرئيس الأمريكى جو بايدن مزيدا من العملية السياسية والانتشار مع عدم الصدام مع الدول العربية.

وأكد فهمى على أنه لا يوجد لدى بايدن وحزبه الديمقراطي ما يمكن تقديمه "للإخوان المسلمين"، عدا بعث روح الحراك الشعبي مرة أخرى، بالتزامن مع الجهود لتحقيق اتفاقات سياسية لتقاسم السلطة.

في نفس السياق، يقول حسن أبو طالب المستشار بمركز الأهرام للدرسات السياسية والإستراتيجية: قبل التحدث عن أشكال الضغط التي من الممكن أن تفرضها الولايات المتحدة على مصر والشرق الأوسط لابد من التعرف على واقع العلاقات بين الطرفين، مشيرا إلى أن هناك استثمارات أمريكية في مصر في مجال الغاز والبترول.

كما أن الولايات المتحدة عضو منتدي البحر المتوسط للغاز ومقره مصر، بما يدل على أن هناك مصالح لأمريكا في مصر، فضلا عن أن علاقة مصر قوية جدا مع البنتاجون، وهي مؤسسة تشارك بقوة في صناعة السياسة الأمريكية، بالإضافة إلى أن مصر لها دور كبير في القضايا الإقليمية، وأيضا ملف حقوق الإنسان في مصر في تطور مستمر.

كما أن ملف حقوق الإنسان في مصر يعد أكثر شمولية عن الأمريكان، مستكملا: الكثيرون يتحدثون عن إمكانية ضغط الولايات المتحدة الأمريكية على مصر بالمعونة، ولكنها لا تشكل أي ضغط وخاصة أن قيمتها غير كبيرة لا تتخطى 48 مليون دولار وتعتبر شبه متوقفة.

المصالح المشتركة

وتابع "أبو طالب" توقع البعض أن تفرض الولايات الأمريكية ضغوطا على مصر والشرق الأوسط كلام مبالغ فيه، في ظل المصالح المشتركة والأدوار الإقليمية الموزعة والأزمات التي تمر بها الولايات المتحدة.

مضيفا بايدن لن يعيد الكرة ولن يفعل ما فعله الرئيس الأسبق باراك أوباما، لأنه يعى تماما أن إدارة أوباما فشلت فشلا ذريعا في هذه المسألة ولن تنجح في فرض أي ضغوط على الشرق الأوسط.

وتساءل حسن أبو طالب لماذا لدى البعض إحساس بالضعف أمام الإدارة الأمريكية،بايدن لا يملك أي أوراق ضغط على دول الشرق الأوسط، فكما أن للولايات المتحدة تصورا لحقوق الإنسان، فإن لدى مصر أيضا تصورا، ونستطيع الرد عليهم بلغتنا ولغتهم، فأوراق ضغط أمريكا على الشرق الأوسط ليست أكثر من أوراق ضغط الشرق الأوسط على أمريكا.

وأضاف: حقوق الإنسان لا تعرف بالمظاهرات والاحتجاجات وإنما تعرف بالمشاركة في الحياة السياسية والانتخابات، وتوفير احتياجات المواطنين وبيئة ملائمة وصالحة للمعيشة، الولايات المتحدة نفسها تعانى من العنصرية تجاه أصحاب البشرة السمراء.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية