رئيس التحرير
عصام كامل

حصار «الديكتاتور».. فوز «بايدن» ضربة قاضية لطموحات «أردوغان».. وفاتورة تمويل «المرتزقة» ترهق «الليرة التركية»

أردوغان
أردوغان
ما بين «تصفية معارضيه بطرق غير مقبولة» و«تورط غالبية رموزه في قضايا فساد كبري».. يعيش نظام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حالة من التخبط والارتباك الواضحة، وزادت من حدتها المشكلات الخارجية التي كانت «أنقرة» طرفًا أصيلًا فيها، وتسببت في أن يتكبد الاقتصاد التركي خسائر فادحة وتدخل جميع قطاعاته بلا استثناء في أزمة اقتصادية طاحنة.


حصار داخلي

وبالنظر إلى الوضع الداخلى في تركيا، يتضح أن «أردوغان» أصبح محاصرا داخليًا بالعديد من المشكلات التي تهدد موقفه خلال الانتخابات المقبلة، وهو ما دفعه مؤخرًا إلى اللجوء إلى أطراف خارجية مثل قطر وحكومة السراج الليبية، لمساعدته من أجل الخروج من الوحل الغارق به، لا سيما وأن جميع الاستطلاعات الشعبية التي أجريت في أوساط الأتراك كشفت عن تراجع شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية، الحزب الحاكم في تركيا. 

وخارجيًا كان لتصرفات «أردوغان» بالغ الأثر على الوضع التركي الراهن، وبشكل خاص الأموال التي أهدرها نتيجة التدخل التركي في كل من سوريا والعراق وحاليا في ليبيا على المسلحين وتلبية ما يطلبون منه، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في وصول الظروف إلى ما آلت إليه من سوء.

وفى هذا السياق قال الدكتور محمد حامد، مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية، الباحث في الشأن التركي: السياسات الأردوغانية الأخيرة والتي شملت إقالته لصهره من وزارة المالية، ورئيس البنك المركزي، لا تتعدى كونها استكمالا لسياسات الرئيس التركي الخاطئة خلال الفترة الماضية.

ومن بين قرارات أردوغان الخاطئة أيضًا التي جعلت الوضع حرجًا في تركيا، إصراره على عدم رفع سعر الفائدة في البنوك، وهو ما أدى إلى تدهور سعر الليرة أمام الدولار، ورغم التمويلات التي تم الحصول عليها من قطر والبنك المركزي الليبي، إلا أن ذلك لم يسعف الليرة ووصلت لأرقام قياسية في الانهيار.

الليرة التركية

وبعد استقالة بيرات البيرق سعر العملة اعتدل بعض الشئ في تركيا وهذا أكبر دليل على أن السياسات المتهورة التي اتبعها أردوغان وإصراره عليها وتدخله المباشر دائمًا في ملف الاقتصاد والبنك المركزي والأوراق المالية أثر سلبا على الاقتصاد التركي.

وأضاف: أما فيما يخص البنك المركزي التركي، فهذه هي الإقالة الثانية لمدير البنك المركزي، وهذا ضد الدستور لأنه من المفترض أن منصب محافظ البنك المركزي مستقل وغير قابل للإقالة وله مدة محددة بـ4 سنوات، وهذا أكبر دليل على أن التدخلات الأردوغانية تعبر عن نظام سلطوي غير ديموقراطي، ويخالف الدستور الذي تم تعديله في 2017 والذي منح صلاحيات واسعة للرئيس، لكنه لا يلتزم بها.

وبالتأكيد كل هذه الأمور تؤثر سلبًا على الاقتصاد التركي الذي يعاني منذ عامين على الأقل معاناة مباشرة ومستمرة، منها انخفاض سعر الليرة أمام الدولار وزيادة البطالة، إفلاس الشركات، غياب رؤية اقتصادية واضحة لإدارة الأمور وانشقاقات حزبية بسبب الفشل الاقتصادي، ودخول أطراف على الخط مزايدين على سياسات أردوغان الفاشلة وانشقاق رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو، وعلى باباجان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم (ديفا) وهو مهندس الاقتصاد التركي ومن بنى تركيا الحديثة اقتصاديا.

فوز بايدن

وعن موقفه مما يثار حول احتمالية لجوء «أردوغان» إلى سيناريو «الرحيل عن الحكم»، قال «حامد»: الرئيس التركي الحالى لا يفكر في هذا السيناريو على الإطلاق وهذا غير وارد، لأنه متمسك بالسلطة حتى انتخابات 2023 وقد يستمر حتى 2028، لكن ما يستعد له أردوغان هو مواجهة الإدارة الأمريكية الجديدة التي لم تأت متوافقة مع رغباته لا سيما وأنه كان يرغب في استمرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في ولاية ثانية.

وعدم فوز جو بايدن بالمنصب الرئاسي، لا سيما وأن إدارة بايدن تقول صراحة إنه يجب دعم المعارضة التركية وإنهاء حكم أردوغان بأى ثمن، وهذه دلالة كبرى على أنه لا يقبل هذه الإدارة، كما أن وجود إدارة مثل بايدن تتربص بــ«أردوغان» وبـ«العدالة والتنمية» ستدفع تركيا أكثر وأكثر باتجاه الحضن الروسي.

وأضاف: أما فيما يتعلق بمستقبل «العدالة والتنمية»، الحزب الحاكم في تركيا، فإنه طالما لا توجد انتخابات في تركيا فهم في حالة استقرار إلا إذا حدثت انتخابات مبكرة فهذا لن يكون في صالح أردوغان أو حزبه، وهو ما يعنى أن مستقبله ومستقبل حزبه مرهون بالانتخابات أو تبكيرها أو الاستفتاء على ذاتها من خلال انتخابات برلمانية مبكرة أو محاولة تعديل الدستور، لأنه ثبت أن النظام الرئاسي لا يصلح مع الأتراك.

وأصبحت هناك نخب تركية من الموالين ومن المعارضة تطالب بشكل واضح بالعودة إلى النظام البرلماني وتقليص صلاحيات الرئيس، لأن الأمر أفرغ من محتواه كنظام سياسي، والانتخابات المحليات التي أجريت العام الماضي أظهرت مدى هشاشة النظام السياسي، وقدرة المعارضة على اقتناص أكبر العواصم المهمة والمؤثرة وهى إسطنبول وأنقرة وهاتاى.

الأزمات الإقليمية

بدوره.. قال الدكتور كرم سعيد، الباحث المتخصص في الشئون التركية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية: الاقتصاد التركي يمر بعدة أزمات أولها كثافة الانخراط التركي العسكري في أزمات إقليمية وهذا الانخراط كلف الخزانة العامة مليارات الدولارات، وهو الأمر الذي انعكس على الوضع في تركيا.

الأمر الثاني مرتبط بتوجه الرئيس التركي نحو تعيين أهل الثقة على حساب أهل الخبرة وهو ما ظهر في إصراره على تعيين المقربين منه رغم حداثة سنهم وضعف قدراتهم وافتقادهم للخبرة في إدارة الأمور المالية.

وتابع: أما الأمر الثالث فيرتبط بضعف المصداقية في السياسات النقدية التركية بعد تدخل أردوغان في هذه السياسات والتغييرات التي شهدتها الأوضاع القانونية للسوق المالي التركي، ومن ضمنها منح الرئيس التركي حق تعيين محافظ البنك المركزي وإقالته ، والتدخل في السياسات المالية وإصراره على تبني إجراءات اقتصادية بعينها، وهو الأمر الذي ترتب عليه ضعف الاستثمارات الموجهة إلى تركيا بالإضافة إلى حالة الانقسام الداخلي الموجودة في تركيا بين القوى السياسية؛ صحيح أنه تم في الفترة الأخيرة بعض التحولات في بنية السياسة المالية التركية بتعيين أشخاص جدد.

ولكن في تقديري تعيين شخصيات جديدة لن يحل الأزمة إلا بالقيام بتغيير جذري في السياسات النقدية التركية لأن تعيين الأفراد وحده لا يكفي وبالتالي تركيا في مفترق طرق، وأكمل: هذه الأوضاع أدت إلى أن حزب العدالة والتنمية بدأ يفقد رصيده التقليدي في الشارع التركي، كما أدت إلى اهتزاز شعبية أردوغان، وهذا ظهر في العديد من استطلاعات الرأى، وإذا لم ينفذ الرئيس التركي إجراءات عاجلة وحلحلة الأوضاع الداخلية فإن ذلك سيكون له انعكاسات كبيرة على نتيجة الانتخابات القادمة.

لكن هذا لا يعني انهيار لحزب العدالة والتنمية، خاصة أن المعارضة لديها عدة إشكاليات في بنيتها السياسة، صحيح أنها حققت نجاحات في الشارع التركي خلال الفترة الماضي، ولكنها ما زالت بحاجة إلى تقوية موقفها.

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية