رئيس التحرير
عصام كامل

أبناء الأكابر!.. "ابن مين في مصر".. الاستثناءات في العمل والمصالح الحكومية تعكس استمرار الظاهرة الأسوأ

جمال فرويز
جمال فرويز
ربما قادك حظك العثر إلى مصلحة حكومية لإنجاز بعض الأوراق، ولم تنجز المهمة التي أتيت من أجلها إلا بعدما ذُقتَ الأمرَّين، وربما لاحظتَ وأنت في ساعات الانتظار الطويلة والمريرة أن شخصًا ما تسلل بين الصفوف في هدوء وأنجز في دقائق ما لا تنجزه أنت في يومين؛ لأنه يملك حصانة أو نفوذًا أو مدعومًا ممن يتمتع بهما.


وربما يكون من بين أقاربك ومعارفك خريج جامعى نابه ولم يجد عملًا أو وظيفة، واضطر أن يعمل بائعًا متجولاً أو عاملاً باليومية، في الوقت الذي لم يجد فيه زميله ذو التقديرات الأدنى صعوبة في القفز ببراشوت الواسطة وسلاح التوريث على منصب رفيع ذى مرتب كبير ومكانة اجتماعية رفيعة. وربما تجاور في مسكنك واحدًا من أصحاب الوظائف المرموقة، فتكتشف آسفًا أنه لا يتحمل ما تتحمله أنت من أعباء مالية شهرية تسددها للحكومة من فواتير الكهرباء والمياه ودع القوس مفتوحًا.

وربما صادفت أحدهم وهو يتنمر على موظف بسيط أو شرطى بالشارع متفاخرًا: "إنت مش عارف بتكلم مين"؟ مواقف كثيرة متعددة ومركبة ومؤلمة تعكس حالة المجتمع وتركيبته النفسية والاجتماعية، وتؤكد أن ما حلم به عموم المصريين من القضاء على جميع مظاهر التمييز والعنصرية والفئوية لم يكن أكثر من وهم ومحض خيال.

العدالة الاجتماعية

لا ينكر منصف أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يوجه باستمرار بتطبيق العدالة بجميع صورها بين الجميع، ولكن المجتمع نفسه لم يتطهر بعد من أمراض الماضى وأدرانه التي سكنت أوصاله وتوطنت جيناته؛ حتى صار استئصالها أحد المستحيلات الأربعة. واقعة "طفل المرور" بكل ما أثارته من وجع وألم واستفزاز تؤكد بقاء هذا الميراث وتفاقمه على نحو يستحيل معه القضاء عليه تمامًا.

"فيتو" ترصد في هذا الملف ظاهرة أولاد الأكابر وأبناء الذوات بما لها وما عليها..

استعلاء

نعرة الاستعلاء زادت في المجتمع بشكل كبير، وخصوصا بعد ثورة 25 يناير، رافعين شعار «أنت مش عارف بتكلم مين»، ضاربين بالقوانين عرض الحائط، وخصوصا الأطفال الذين يرون أبناءهم في مناصب هامة في الدولة، ويعتقدون أنهم فوق القانون ويفعلون ما يريدون دون النظر إلى ما يفعلونه صح أم خطأ.

ظاهرة الخروج عن القانون أصبحت متواجدة بكثرة وخصوصا مع انعدام التنشئة الأسرية السليمة، وغياب الدور الرقابي للأسرة على أولادهم، ولم تكن واقعة ابن المستشار هي الأولى ولكن سبقها منذ شهور واقعة قتل الطفل محمود البنا على يد طفل آخر صورت له عقليته أنه فوق القانون وهناك من يسانده ويدافع عنه عندما يخطئ.

الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي يوضح أن ظاهرة الاستعلاء لا توجد إلا في دول العالم الثالث عندما يكون بعض الأشخاص فوق القانون ومادامت الدولة بها استثناءات لأي جهة في المحاسبة أو في المعاملة في أي اتجاه خارج طائلة القانون، وأيضا هناك أشخاص يعطون لأنفسهم بعض الاستثناءات على غير القانون، وتستخدمها وبالتالي مع الوقت هؤلاء الأشخاص يشعرون أن هذا هو القانون وأن لهم الحق في ذلك.

أبناء العاملين

وأشار "فرويز" إلى أن تعيين أبناء العاملين في نفس المؤسسة أو المهنة سبب رئيسي في تلك الظاهرة، على الرغم من أن مبدأ التعيين ألغى تقريبا في كل الوزارات، إلا أن بعض الجهات أعطت الحق لنفسها في ذلك، مما يتسبب في أن بعض الأشخاص يرتكبون بعض الجرائم وهم يعلمون ولديهم معتقد راسخ أنه ليس هناك من يحاسبهم، وهذه الامتيازات في كل المجالات حتى في الطب.

فإذا جاء مريض له صلة قرابة بالطبيب يتعامل معه أفضل معاملة ويقوم بعمل الفحوصات والتحاليل له والكشف مجانا، وهناك الكثير من الأمثلة التي توضح أن المحسوبية والشعور بأن هناك أشخاصا أكبر من قانون الدولة هم الذين يسمحون بتفشي تلك الظاهرة في المجتمع مع غياب دور محاسبة هؤلاء.

وأي مجتمع عندما تكون ثقافته عالية يكون متعاطو الخدمة ومتلقوها لديهم مسئولية وعلم أنهم سواسية أمام القانون، ولكن عندما يحدث انهيار ثقافي يحدث بالتعبية انهيار قيمي، وهذا يجعل الأشخاص تشعر أنها فوق القانون طالما أنها لا يُحاسب، وعندما ينفذ القانون على الجميع سيكون هناك انضباط أكتر من هذا وستنتهي هذه الظاهرة كما اتنهت تقريبا في المجتمعات الغربية.

فوق القانون

وعن واقعة ابن المستشار.. أكد الدكتور جمال فرويز، أن هذا الطفل شعر بنبرة الاستعلاء وأنه فوق القانون لأنه فعل العديد من الأخطاء ولم يحاسبه أحد ووجد من يساعده، كما اتضح أنه يتعاطى المخدرات ويدخل محطات البنزين ولا يحاسب وآخرها يتعامل مع الشرطة بصورة غير لائقة.. كل هذه الأفعال توضح أنه شعر أنه لا يستطيع أحد محاسبته.

ولذلك تمادى في الخطأ، وهذه عينة يوجد مثله الكثير الذين إذا أخطأوا وجدوا من يدافع عنهم ويحجب عنهم الحساب، ولكن على الأب أن يعلم ابنه بشكل صحيح، فالطفل ضحية أبيه وضحية التربية وضحية أصدقاء السوء ، فلا يوجد متابعة من الأهل ليعلموا من هم أصدقائه، وما هو سلوكهم، واتضح انهم يتعاطون المخدرات، ولا أحد من أهلهم يعلم أو يحاسبهم فهو ضحية، ولديه حرمان عاطفي شديد ،ويعوض هذا الحرمان بما يفعله، ويجب خضوع هذا الطفل للعلاج النفسي، كما يجب على الأب أن يعلمه سبل التريبة السلمية.

تطبيق القانون

ومن جانبها أكدت الدكتورة هالة منصور أستاذة علم الاجتماع، أن هذه الظاهرة وانتشارها تعبر عن عدم احترام القانون، فأي قانون في أي دولة يوضح أن الجميع سواسية أمامه، وأن القرار يصاغ ليطبق على الجميع، والمصطلح الأساسي للقانون أن العدالة عمياء لا تنظر إلى مراكز أو عرق أو لون أو دين ويطبق على الجميع لكي تتكون العدالة وتكون راسخة في ثقافة المجتمع وبالتالي يعطي لفظ "قدسية القانون" تغيرات كثيرة في المجتمع تجعل الناس ليس لديها ثقة كاملة أو مصداقية في هذه المبادئ.

وما حدث في المجتمع من ٢٠١١ هو انهيار العديد من الثوابت في أعقاب ٢٥ يناير ومحاكمة شخصيات كانت في أعلى المراكز بالدولة، كانت متهمة بقضايا فساد على الرغم من أن الفكر الراسخ لدى المجتمع أن الفساد كان يكمن أكثر ومرتبط برجال الأعمال ،ولكن الفساد تخلل إلى هذه المناصب، فأصبح المجتمع ليس على يقين أن الأشخاص الذين كان من المفترض أن يحكموا ويطبقوا القانون اخترقهم الفساد أيضا.

وأضافت "منصور" أنه مع الكثير من الممارسات وكثير من الحوادث والمواقف التي حدثت في المجتمع فإن كل موقف يمر على الأشخاص يهز ثوابتهم، فمنتجو الأفلام يروجون لهذه الظواهر والشخصيات البلطجية وتجسيدها في الأفلام والمسلسلات رسخت عند الأطفال هذه السلوكيات دون وجود رقابة على المشاهد ما يجعل المجتمع ينهار ولا أحد ينتبه أو يعلق على مثل هذه الأفلام بل اعتبروا من يجسدها قدوة في المجتمع ولا أحد يحاسبهم.

واليوم نأتي ونحاسب طفل على اختراق قيم محددة، ولكن لماذا لا نحاكم ونحاسب الفنانين وكل القائمين على العمل الفني وهم يضيعون قيم ومبادئ المجتمع وأشارت إلى افتقادنا للمحاكمة الاجتماعية حيث كان هناك ما يسمى بالقضايا المجتمعية كالاحتكار وعدم الاحترام، كل هذا كانت عقوبات يمارسها المجتمع ضد المتهم أو المذنب، لأن المجتمع كان لديه ثوابت، ولابد من إعادة التشريع وتغليظ العقوبات وعمل عقوبات للسلوكيات كانت سابقا تحاسب اجتماعيا.

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية