رئيس التحرير
عصام كامل

وفاة فى موكب الزفاف!


ما زلت أتذكر وجهه الشاحب، وصوته المتحشرج، ونظراته الزائغة، ونحن نغادر مقر عملنا فى "الجريدة" التى كنا نعمل بها.. كنت أحتضنه وأحمله بين ذراعَى كطفل وليد تركته أمه وسط الصحراء.. أحاول جاهدًا القفز من الدور السابع، لأتجاوز درجات السلم..


وصلنا إلى باب العمارة.. وأسندته على كرسى متهالك، ونزلت إلى نهر الطريق.. الشوارع خاوية على عروشها إلا من بعض المارة المترجلين.. فالليل فى شتاء "طوبة" يزيدك انكماشًا وتقوقعًا على نفسك للبحث عن الدفء.. والظلام يشعرك بـ"ظلمة القبر" عندما تكون وحدك بين يدى الملكين.. لكننى لم أشعر بأى شيء.. فقط.. أحاول استيقاف "ميكروباص" أو "تاكسى" للوصول إلى أقرب مستشفى، علنى أستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
مرت دقائق كأنها دهر كامل.. كنت أقطع خلالها عدة أمتار ذهابًا للبحث عن وسيلة انتقال وعودة للاطمئنان على صديقى الجالس على كرسى "النهاية".. مُصرا على الرحيل، ناظرًا نظرة اشتياق إلى ملك الموت..
من بعيد لاحت لعينى أضواء كثيرة مبهرة، وأصوات "أبواق" السيارات والدراجات البخارية، كفيلة ببعث الموتى فى القبور.. كان المشهد لفرح شعبى.. وكأنها رسالة تحمل الفرح والاطمئنان.
بعد مرور الموكب وافق سائق تاكسى على توصيلنا إلى أحد المستشفيات الذى يستقبل الحالات الطارئة.. ونزل من سيارته وحمل معى صديقى.. واخترق الطريق بأقصى بسرعة، مدركًا خطورة الحالة.. وشاء قدرنا أن نأتى خلف موكب "العرس".. السيارات تتهادى.. والدراجات البخارية تتداخل فيما بينها، ولا تسمح لك بتجاوز الموكب..
حاول السائق المرور من بين أرتال السيارات.. كان يضغط بكل ما أوتى من قوة على "سارينة" سيارته، لإفساح الطريق.. لكنهم كانوا يظنون أنه يشاركهم الفرح.. مصرين على دخوله معهم فى الموكب ليشاركهم الفرح وألعابهم البهلوانية..
مرت الدقائق بطيئة ثقيلة.. ازداد حنقى وغضبى.. وحاولت النزول من التاكسى لأجبرهم على فتح الطريق، لكن بوهنٍ شديد وبأيدٍ مرتعشة، أمسك صديقى بيدى دون أن ينطق ببنت شفة.. نظرت إلى وجهه فوجدته مبتسمًا.. فداعبته قائلًا: "عقبال زفافك أن شاء الله".. فلم يرد.. واكتفى بنظرة شاردة، فظننته يفكر فى اللحظة التى تجمعه مع زوجة المستقبل.. لكننى فوجئت بأنه صمت إلى الأبد.. مات! مات صديقى "شبل" فى مثل هذا اليوم، فى موكب زفاف!!

 

 

الجريدة الرسمية