رئيس التحرير
عصام كامل

ما بين "موجة زرقاء" و"ولايات حمراء".. الانتخابات الأمريكية تنهي أسطورة صناعة استطلاعات الرأي

دونالد ترامب ومنافسه
دونالد ترامب ومنافسه جو بايدن
بغض النظر عن النتائج النهائية للانتخابات الأمريكية، والتي قد يستغرق الإعلان عن نتائجها أيامًا؛ لكن حقيقة رئيسية باتت مرسخة للمرة الثانية، بأن الثقة «بصناعة» استطلاعات الرأي والإعلام عمومًا، باتت أمرًا صعبًا جدًا.


لا عقاب جماعيًا ضد الرئيس دونالد ترامب، ولا «موجة زرقاء» في مجلس الشيوخ، ولا اكتساح لمجلس النواب، بحسب توقعات غالبية الاستطلاعات، وحتى لو خسر ترامب السباق في حال قادت تعقيدات إصدار النتائج النهائية الأمور إلى المحكمة العليا، ستبقى انتخابات الثالث من نوفمبر 2020 خسارة لتلك الاستطلاعات، على الرغم من أن سيناريوهات عدة تحدثت عن احتمال تدخل المحكمة العليا، أو عن تأخر صدور النتيجة؛ لكن غالبية التوقعات كانت تتحدث عن تفوق واضح وكبير للمرشح الديمقراطي جو بايدن على المستوى الوطني أو في الولايات المتأرجحة، وبأن هزيمة ترامب ستكون واضحة ومدوية.

حتى الآن، لا يبدو أن هذا هو واقع الحال، فليلة الثلاثاء إلى الأربعاء أوضحت أنه ينبغي عدم وضع هذا القدر من الثقة باستطلاعات الرأي أو بمن يقوم بتحليلها؛ خصوصًا من قبل وسائل الإعلام التقليدية.

كل محطات التلفزيون ووسائل الإعلام الأمريكية وقعت في فخ الاستطلاعات، بما فيها تلك المحسوبة على الجمهوريين. حتى محطة «فوكس نيوز» التي «تنبأت» مبكرًا بذهاب ولاية أريزونا لبايدن، تعرضت لانتقادات ترامب وتساؤلاته عن ولائها، رغم فوز الديمقراطيين بها في نهاية المطاف، وفشل الديمقراطيون في تحقيق «انتصارات مذهلة» في الولايات الحمراء، مثل أوهايو وفلوريدا وتكساس.

حتى الصحف العريقة التي أنشأت ما يشبه «المرصد» اليومي لتتبع الاستطلاعات اليومية لاتجاهات التصويت، كصحيفة «نيويورك تايمز» وغيرها، وكذلك محطات الفضائية مثل «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي» وغيرها، هدأت تحليلاتها ونبرة مذيعيها وتوقعاتهم، وعاد تقسيم الولايات إلى اللونين الأزرق والأحمر التقليدي.

لم يكن أحد يصدق ترمب في قوله المتكرر إن جمهوره قادر على تحقيق المفاجأة، مثلما تبين أن الفشل في قراءة أسباب تمسك الناخبين اللاتينيين به مثلاً شكل مفاجأة جديدة تضاف إلى سجل الإخفاقات في قراءة آراء الناخبين.

فقد صوتوا لترامب، كما صوتت قاعدة غير قليلة من السود له، وفي ولاية جورجيا التي توقعت الاستطلاعات تحولها إلى ولاية زرقاء، ويشكل السود فيها أقلية كبيرة، منح عدد كبير منهم أصواته لترامب، لتنضم إلى لائحة الانتظار في ظهور نتيجتها النهائية، مع ولايات «السد الأزرق» التي يعوّل الديمقراطيون على عودتها إلى أحضانهم هذا العام.


وعلى الرغم من كل التأكيدات بأن استطلاعات هذا العام كانت مختلفة جدًا عن عام 2016، بدا الأمر تكرارًا لليلة إعلان النتائج في ذلك العام.

فقد كان بإمكان الديمقراطيين ووسائل الإعلام والاستطلاعات الادعاء لاحقًا بأن كلينتون كانت مرشحة غير موفقة وغير شعبية، وأنها كانت تحمل عناصر ضعفها بيدها، وحمل بريدها الإلكتروني وقنبلة جيمس كومي مدير «إف بي آي» حوله المسئولية في تراجع حظوظها والتصويت لها.

لكن ماذا عن فرص بايدن؟ فهو رجل أبيض وسطي ويلقى قبولًا على ضفتي الصراع، ولم تنفجر في وجهه أي مفاجأة في أكتوبر حتى اختياره لكمالا هاريس كان من المفترض أن يلعب دورًا كبيرًا في استقطاب أصوات النساء.

والسؤال الذي بات مطروحًا بقوة الآن هو عن مستقبل ووجهة الحزب الديمقراطي، وعن التغييرات الكبيرة التي تتعمق في انحيازات الشعب الأمريكي.

ترامب كرس نفسه ظاهرة أمريكية وعالمية، وسيترك بصماته حتمًا على طبيعة قراءة التحولات السياسية، مثلما أنه سيترك أثره الكبير على الإعلام الأمريكي، بعدما تمكن من هزيمته، على الأقل في عيون مناصريه الذين رفضوا تصديق كل الحملات ضده. إذ رغم كل الضخ الإعلامي لتحميله مسئولية الفشل في التصدي لفيروس «كورونا» والتسبب في انهيار الاقتصاد في الأشهر الأولى من انتشار الوباء، وبأنه سيدفع ثمنًا سياسيًا غاليًا بسببه، لم يؤدِّ هذا إلى أي تغيير حقيقي في مزاج قاعدته الشعبية؛ لا بل انقلب إلى تكريس الكراهية ضد هذا الإعلام الذي شجعه ترلمب على أي حال.

وحتى لو فاز بايدن في نهاية ماراثون عد واحتساب الأصوات والولايات الطويل، يبقى أن ما توقعه الجميع لم يحصل كما كان متوقعًا.
الجريدة الرسمية