رئيس التحرير
عصام كامل

أم «غالية».. ملاك الــ«طبطبة» ياسمينا الحبال.. «آنسة» قررت تحقيق حلم «الأمومة» بـ«الكفالة» | فيديو وصور

فيتو
«الأم.. كالعمر لا تتكرر مرتين».. وصف أطلقه الروائي اللاتيني الأشهر جابريل جارسيا ماركيز، محاولًا الوصول إلى جزء من الحقيقة الكاملة لـ«الأمومة»، وطارحًا فى الوقت ذاته ما يمكن وصفه بـ«فلسفة الأم»، ويقولون في المأثور الشعبي «الأم اللي ربت مش اللي ولدت»، ولهذا لا يمكن – بأي شكل من الأشكال- اختصار وصف الأم على السيدة التي تتزوج وتحمل وتلد، وإن كانت هي الأخرى تستحق التكريم، لكن مصطلح «الأمومة» أعم وأشمل، والحنان لا يشترط أن يكون لـ«ابن بطنك»، فهناك أمهات عظيمات لم يلدن، لكن هذا لم يقف حائلًا أمامهن لمنح أطفال غيرهم «عظيم المحبة» و«كامل الود».



ياسمينا الحبال.. نموذج نادر التكرار في زمننا هذا، لا سيما وأن كانت – ولا تزال – صاحبة حلم من نوع خاص، حلم قال عنه الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) في حديث شريف «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما»، فـ«ياسمينا» أرادت أن تتحمل مسئولية طفلة صغيرة لا يتعدى عمرها الأربعة الأشهر تكون لها الأب والأم بعد أن وُلدت فاقدة لهم فألقى بها القدر في إحدى دور الأيتام، «أنا اتخلقت عشان أكون أم لغالية وهي كمان اتخلقت عشان تكون بنتي».
سؤال عادي طرحه مدرس على «ياسمينا» وزملائها في المرحلة الابتدائية، «عايزين تطلعوا إيه لما تكبروا؟!»، لتفاجئه إجابة التلميذة «ياسمينا» التي لم تكن تمكنت بعد من عبور عتبة عامها السادس، «أنا عايزة أبقى أم!»، تعجب المدرس من الإجابة فجميع البنات مصيرهن الأمومة فهو مقدر لهن.
«عايزة أبقى أم».. ربما كانت الإجابة هذه الخيط الذي أمسكت به «ياسمينا» لتبدأ مسيرتها المدهشة مع الأطفال، لا سيما وأن رغبتها فى كفالة طفل يتيم وتربيته والاعتناء به بدأت تشق طريقها فى أحلامها، وتروي «ياسمينا» تفاصيل ما حدث بعد إجابتها المفاجئة، «وأنا في 3 إعدادي مدرسة الحساب عملت لنا لجنة تقوم ببعض الأعمال الخيرية مثل زيارات دور الرعاية المختلفة ودور الأيتام، أكتر حاجة لفتت انتباهي إزاي كل الأطفال دول كلهم عندهم حد واحد بس بيرعاهم، إزاي عايشين كدة من غير أم وأب وبدون حنان إزاي هما عايشين كدة بدون عائلة، مهما كان المكان نظيف وجميل فالطفل لا يريد أن يأكل ويلعب ويتعلم فقط».

بدأت الأسئلة تتسارع في رأس «ياسمينا» محاولة أن تكون هي الإجابة، «بعد تخرجي من الجامعة بدأت أسأل وعرفت إنه فيه كفالة، كُنا وقتها في عام 2001 كانت الشروط غير دلوقتي زمان كان لازم أسرة زوج وزوجة ما ينفعش حد سينجل يكفل مش زي دلوقتي أصبح من الممكن لأي سيدة حتى لو غير متزوجة ولكن بعد بلوغها الثلاثينات أن تكفل طفل وتتولى رعايته إذا كانت ستتحمل ذلك وتتحمل رعاية هذا الطفل».

عرضت الفكرة حينها على الأهل الذين باغتهم القرار واعتبروه ضربا من الجنون، «قالوا لي أنت صغيرة وما حدش هيتجوز واحدة معاها طفلة مش هيصدقوا إنك كفلتيها هيقولوا إنها بنتك وتدخلي في مشكلات».

امتثلت «ياسمينا» لقرار الأهل، لكن إلحاح الحلم الذي كان ينمو بداخلها منذ الطفولة دفعها إلى أن تفكر في كفالة طفلة وهي في مكانها بدار أيتام تقع في مدينة السادس من أكتوبر، كانت هذه الطفلة حينذاك لم تكمل التسعة أشهر، تربت في كنف «ياسمينا» التي كانت حينها قد أنهت المرحلة الجامعية وتسلمت عملها في أحد مكاتب الأمم المتحدة في مصر، «قررت أكفل بنت وهي في مكانها لأنه ما كانش ينفع آخدها أربيها، كنت دائما بروح وأخذ لعب للبنت دي وكمان لكل صاحباتها في الدار وكان عمرها 9 أشهر، لما كبروا اتعلقوا بيا وكانوا بيقولوا لي يا ماما فلقيت إنها ما بقتش لوحدها بنتي بقوا كلهم بناتي. حاجة المدرسة بجيبها وكسوة المدرسة كنت عايزة يكونوا مختلفين لكن رغم كل ده وهم مش معايا التأثير عليهم من تربيتهم في الدار».

خلال هذه الفترة أيقنت «ياسمينا» أنه لا مفر من تواجد طفلة بين ذراعيها تشرف إشرافا مباشرًا على رعايتها تتشرب من طباعها وتصبح ياسمينا جديدة، تبدو كأنها قطعة من ذاتها روح أخرى مطابقة لروحها تسير بجانبها وتراقبها وهي تكبر يومًا تلو الآخر «شفت إنه علشان يكون ليا تأثير في حياة طفل لازم آخذه معايا البيت حتى اتجوزت وخلفت كنت ناوية أتكفل بطفل وأربيه في بيتي لكن ربنا مأذنش بالزواج».

بعد مرور أكثر من 25 عامًا، لم تعد هناك قدرة عند «ياسمينا» على الاحتمال، لا بد من وجود طفل في هذه الشقة الواقعة في الطابق الثاني بإحدى عقارات منطقة «الدقي»، «مشي الزمن والسنة دي لقيت عمري أربعين سنة وما نفذتش القرار لقيت إنه العمر بيجري وما حققتش حلمي ربنا ما أذنش أتجوز وأكون أم لكن عرفت بتغييرات اللائحة الجديدة في أول العام، وعرفت إنه الآنسة اللي ما اتجوزتش تقدر تكفل طفل»، رغم الخوف الذي بدأ الأهل يزرعونه في قلبها حيال تلك الخطوة، إلا أن الترقب على مدار خمسة وعشرين عامًا بقوانين الكفالة والتبني كان أقوى من كلماتهم «حياتي اللي أنا عايشاها تساوي إيه قدام مستقبل طفل ممكن يضيع في دار وهو عايش حياة جافة ما فيهاش مشاعر».

اختارت «ياسمينا» أن تحمل الفتاة التي ستتربى في كنفها اسم «غالية»، لا سيما وأنها وجدت أن «غالية» قد خُلقت في الحياة من أجلها هي ثمة رابط خفي يربط بينهما، وبالرغم من بعد المسافة بين محل إقامتها والدار التي ترعى الوليدة غالية إلا أنها صممت على السفر إلى هناك وإحضارها «بحس وأنا حاضنة طفل صغير خاصة وهو عنده شهور، بحب حضنهم جدا خاصة لو شلتها ومسكت في صباعي أو ياقة القميص أجمل إحساس في الدنيا خاصةً مع غالية، كل تعب الدنيا يروح!».
الجريدة الرسمية