الدكتور طه أبو كريشة يكتب عن "الرحمة المهداة فى الذكرى العطرة"
بمناسبة ذكرى مولد رسولنا الكريم نستعيد كتابات شيوخنا الأجلاء حول هذه الذكرى العطرة، ففي مقال كتبه الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر السابق وعضو هيئة كبار العلماء ـــ رحل عام 2018 ــ قال فيه:
فى الذكرى العطرة لمولد النبى صلى الله عليه وسلم نعود فى إجلال وتوقير عظيمين إلى القرآن الكريم..
ونقف فى رحابه خاشعين، نقرأ فيه آيات الله تعالى البينات التى تتصل بالحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم، حيث نتأمل بعضا من جوانب شخصية من اختاره سبحانه وتعالى رحمة للعالمين وخاتما للانبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم.
فمن الجوانب التى نقف عندها فى رحاب القرآن الكريم جانب يعود بذاكرتنا إلى الماضى البعيد.. إلى زمن أبى الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، حين وقف إلى ربه خاشعا وداعيا: (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.. إنك أنت العزيز الحكيم).
واستجاب الله عزوجل لدعاء نبيه، وقد سجل القرآن الكريم هذه الاستجابة فى مجموعة من آياته، منها قوله عز وجل: (لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين) آل عمران 164.
وينقل لنا مشهد الوحي الأمين وهو ينزل على النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يتعبد لربه عز وجل فى غار حراء، إنه المشهد الذي حمل معه مشهد التكليف بالرسالة، حيث ترى فيه أمرا بالقراءة باسم الله؛ مما يؤكد أن هذه الأمة لابد أن تكون أمة قارئة على النحو الذى سجلته الآية من سورة العلق: (اقرأ بسم ربك الذى خلق، خلق الانسان من علق.. اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم، علَّم الإنسان مالم يعلم).
"النبي القدوة.. معلما ومربيا".. موضوع خطبة الجمعة القادمة
وفى حديث القرآن الكريم عن النبى، صلى الله عليه وسلم، ما ينقل لنا طبيعة العلاقة التى كانت بينه وبين أصحابه الذين استجابوا إلى الدعوة وآمنوا به وصدقوه، إن البعض منهم صورة وضاءة يشيع فيها خلق المودة والرحمة، وقد سجل القرآن الكريم ذلك فى قوله تعالى: (محمد رسول الله والذين آمنوا معه، أشداء على الكفار رحماء بينهم.. تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا، سيماههم فى وجوههم من أثر السجود.. إلى آخر الاية 29 من سورة الفتح.
أما حب النبي، صلى الله عليه وسلم، لأصحابه ومودته لهم وحرصه على أن يقدم لهم كل ما ينفعهم فى دينهم ودنياهم، فذلك واضح فى قول الله تعالى مخاطبا المؤمنين فى سورة آل عمران: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر).
ومن حديث القرآن عن النبى صلى الله عليه وسلم حديثه عن الرسول القدوة الذى يجب ان يقتدى به المؤمنون فى كل زمان ومكان لأنه صلى الله عليه وسلم كان مترجما لأخلاق الإسلام التى جاءت فى القرآن ترجمة سلوكية فكأنه كان يفسر القرآن تفسيرا عمليا اخلاقيا، وهو المعنى الذي أشارت إليه السيدة عائشة حين قالت: (كان خلقه القرآن)، أي أنه كان قرآنا يمشي على الارض.
وفى ذكرى ميلاده نذكر انفسنا لعلنا من خلال الذكر والتذكر نعيد صياغة حياتنا على النهج الذى هدانا اليه نبينا صلى الله عليه وسلم فى كل اقوالنا وافعالنا، حتى نكون جديرين بأن نكون خير أمة أخرجت للناس.