رئيس التحرير
عصام كامل

"فيتو" في رحلة مع الشقيانين.. أحجار "الكولة" لقمة عيش الغلابة في الصعيد الجواني | صور

مغارات الجبل الغربي
مغارات الجبل الغربي
في الساعات الأولى من الصباح بدأت رحلتنا التي استقللنا فيها سيارة من مدينة قنا متجهين إلى قرية المحروسة، وبعد مضي ما يقرب من ساعة، نظرا لصعوبة الطريق الزراعي ووجود الكثير من العثرات وصلنا إلى القرية، وما أن وطأت أقدمنا أرض المحروسة حتى وجدنا السيارة التي تنتظرنا لتتجه بنا ناحية الجبل الغربي الذي يبعد تقريبا مسافة 3 كيلومترات عن العمران.



نقطة الانطلاق

كانت أصوات الحياة تدب في الطريق ما بين سيارات وأهالي، وعلى جانبي الطريق الزراعات المختلفة، وضجيج السيارات المفعم بالحياة، مر وقت طويل مع ارتفاع درجة الحرارة، بدأت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، وما زلنا في الطريق.


موكب الجبل
وعند مدخل طريق الجبل كان هناك أشخاص آخرون ينتظرون لتأمين تلك الرحلة التي يصفها البعض بالمخاطرة والجنون بسبب انتشار قطاع الطرق والحيوانات المفترسة والزواحف السامة بسحب تأكيدات أهالي الجبل الغربي.

وماهي إلا لحظات انخفضت أصوات الرياح التي كانت تلاطم السيارة وتبتعد عن العمران شيئا فشيئا، وترتفع درجة الحرارة بشكل تدريجي حتى وصلنا، ودخلنا إلى أحد المدقات الجبلية وسلكنا حوالي 3 كيلو مترات بالسيارة وكان المرافقون يراقبون عن بعد وجود أي حيوانات أو زواحف سامة.


ساعة العمل

وعلى بعد كيلومترات بدأت الرؤي تتضح وصخور أحجار الكولة تطل ببروزها من المغارات التي يحتضنها الجبل، يبدأ عدد من العاملين في هذا المجال.

اقتربت "فيتو" لتتعرف أكثر علي طبيعة العمل والفائدة من إحضار تلك المادة "الطفلة" من قبل صخور أحجار الكولة.

يقول منصور محمد أحمد، أحد العاملين في هذه المهنة، إن قرى غرب النيل أغلبها يعمل في صناعة جراير المياه كما يطلق عليها في الصعيد الجواني "البلاص والزير والقلة" ومادة الطفلة تدخل في صناعتها، فقديما كان الذهاب إلى منطقة الجبل على دواب ولا يزال البعض يستخدمها، ولكننا اليوم نذهب بدراجات بخارية وفي البعض بسيارات نقل.


وأضاف شعبان صابر، عامل تكسير أحجار، أن المهنة من أصعب المهن وبطيعة الحال مخاطرة حيث تبدأ منذ صلاة الفجر، وتنتهي قرب المغرب، عمل متواصل يصل أكثر من 14 ساعة.


زمن الكورونا
كان العمل في هذا الوقت من أصعب الأوقات، خاصة أن أوقات الحظر كانت هي وقت عمال أحجار "الكولة".

استطرد عابدين علي، أحد العاملين، أن هذه الفترة كانت بالنسبة لنا من أصعب الأوقات وكانت تمثل حياة لكثير منا خاصة أن أوقات الحظر كانت للعمال كارثة قائلا "احنا بنطلع عشان قوتنا يوم بيوم ومش مسجلين في العمالة المؤقتة عشان ناخد منحة الرئيس، يعني كان الموت ورانا في المغارات وفي البيوت".

وبصوت يسكنه الحزن سرد عباس صبري، أحد العاملين مأساته قائلا: "العمل لنا حياة، والجلوس في المنزل موت هذا باختصار، يعني ما نقدرش ما نشتغلش، وطبعا وجدنا صعوبة في الحصول على قوت يومنا، لكن ربنا كبير وكنا نحط الشال كمامة ونشتغل ووقت الحر ما يشتد نحط الشال على الرأس وننجز عملنا".

عقبات العمل
وعن أصعب ما يواجه هؤلاء العمال هو الزواحف السامة وارتفاع درجة الحرارة العالية بالإضافة إلى قطاع الطرق الذين يسكنون الجبال، بتلك الكلمات سرد جابر علي، أحد عمال التكسير بأحجار الكولة، قائلا "الحياة الجبلية بطبيعتها وعرة وصعبة جدا وخاصة في العمل بتلك المناطق الجبلية التي تقع في باطن الجبل تقريبا، ولدينا هنا مشكلة كبري في العمل نواجهها بشكل دائم وهي العاملين الغير مدربين وخاصة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 11 إلى 20 سنة تقريبا، لقلة الخبرة وعدم المعرفة بطرق التكسير الصحيحة.

وأشار يحيى العيادي، أحد العاملين، إلى أن العمل في ظروف مناخية صعبة كارتفاع درجة الحرارة في وقت الظهيرة حتى مغيبها والرياح ولكن مع التعود تجد الأمر أيسر ولكن هنا الذي يأتي لأول مرة يسقط مع الحارة والعطش خاصة أنه يصعب الشرب أثناء العمل والجسد مرتفع الحرارة فقد يتسبب ذلك في هبوط حاد في الدورة الدموية والموت المفاجئ، ولهذا الذين يعملون في الجبال علي دراية كاملة بهذا الأمر، والصبية الصغار للأسف أغلبهم لعدم الخبرة عندما يقومون بعملية التكسير في المنتصف وهو ما يتسبب في كثير من الأحيان في انهيار المغارة.


عقرب الجبل

ونوه رجب علي سليم، أحد العالمين بالتكسير، أن الجبل بطبعه مليء بالزواحف السامة كالعقرب والطريشة "ثعبان الكبرى" فضلاً عن الذئاب ولكن نحن نعرف وقت انتشاره والذي يبدأ فترات كسر القصب عندما يهربون منها بعد التكسير فليس لهم ملجأ إلا الجبل في لك الوقت، وهذا الأمر قد يتسبب في سقوط ضحايا لا يجيدون التعامل مع تلك الزواحف السامة والحيوانات الشرسة التي قد تنهش العاملين البسطاء .

وأشار رجب إلى أن أصعبهم هو عقرب الجبل السوداء التي قد تقتل الشخص في وقتها أن لم يتم إسعافه مباشرة لكمية السم التي تحقنها في الجسم .
ضحايا لقمة العيش.


وفي إحصائية غير رسمية حصلت "فيتو" على عدد الضحايا الذين تساقطوا جراء العمل بتلك المهنة.

أستطرد يحيى علي، أحد أهالي قري غرب النيل، أن عدد الذين تساقطوا في تلك المهنة قد يصلوا إلى أكثر من 500 شخص ضحايا للقمة العيش ما بين قتلى ومصابين بعاهات أقعدت البعض منهم على كراسي متحركة وآخرون فقدوا بعض من أجزاء أجسادهم، والكثير منهم فقد حياته وذلك بحسب ما نعرفه في تلك القرى التي يعمل بها أغلب صناع جراير المياه .


وأضاف دسوقي علي، أحد أهالي قري غرب النيل، أن أغلب الوقائع التي تم ذكرها في السنوات الخمس الاخيرة بسبب هبوط المغارات علي الحفارين أو كسارين الاحجار، وأخر تلك الحوادث كان في شهر سبتمبر الماضي عندما انهارت مغارة علي رجل ونجله أثناء عملية التكسير وظل ايام لا يعرف عنهم أحد شئ إلى أن مر أحد الأشخاص ناحية المغارة في الجبل ووجد دوابهم امام المغارة وابلغ الاهإلى وحضروا جميعا لاستخراج الجثث التي ظلت ايام تحت صخور أحجار "الكولة".


توابيت الفراعين
وبالقرب من لك المغارات يوجد حفريات في مغارات يتم حفرها اعتقادا من البعض أنه تحوي آثار وهذا يتسبب في أزمة للبسطاء فالكثير من تجار توابيت الفراعين يرفضون وجودهم بالقرب منهم، ولذا يقضون عليهم والبعض منهم عند الاقتراب يطلقون عليهم الرصاص كنوع من الترهيب .

أكد "س.ع"، أحد القاطنين بتلك المنطقة الجبلية الوعرة، أن تجار التوابيت كما يطلق عليهم هنا ونباشي التاريخ هم أكثر من يتعرضون للبسطاء الذين يبحثون عن لقمة العيش وسط تلك المخاطر الصعبة التي قد تقتل شخص كل لحظة، بسبب الانهيار المفاجئ للمغارات التي تحوي أحجار "الكولة" .

ونوه ياسر حلمي، أحد أهالي قرية غرب النيل، إلى أن تجار التوابيت ينبشون المغارات المجاورة لأحجار "الكولة" بحثا عن الآثار .

وقد رصدت "فيتو"  أثناء رحلتها وجود مغارات منبوشة ومرسوم عليها خطوط، ومحفورة لعمق قد يصل من 10 إلى 20 متر، وبداخلها مياه راكدة تجمعت من الأمطار وخارج هذه المغارات آثار أقدام لجرارات وحفرات كبيرة، بالإضافة إلى كميات الرمال الموجودة خارج هذه المغارات وبقايا المأكولات وزجاجات المياه والعصائر الفارغة .


تبة الغلابة
وبالسير والتعمق داخل المنطقة الجبلية وبعد مضي ما يقرب من ساعة سيرا علي الأقدام وجدنا تبه عالية يطلق عليه استراحة أو تبة الغلابة وهي المنطقة الوحيدة التي يستر بها أغلب العاملين في أحجار "الكولة".

هذه التبة الموجودة أعلي الجبل يستغرق الصعود لها دقائق، ويعتبرها الكثير من البسطاء "كافيه الجبل للبسطاء" .


يوضح صابر سليمان محمود، أحد العاملين بتكسير أحجار "الكولة"، طبيعة هذا المكان الذي يسترح فيه البسطاء ويستظلون فيها بعيدا عن أشعة الشمس الحارقة خاصة في وقت ارتفاع درجات الحرارة ليتنأول البعض منهم الطعام أو الشراب، فعندما يخرج العاملين يملون في أجولتهم والأكياس ما سوف يتنأوله ليساعدهم في الاستمرار بعد ساعات العمل الطويلة إلىت تستغرق ما يقرب من 6 ساعات يستلقون علي الأرض للراحة وبعدها يبدأ الجميع في العمل قائلا "يعني زي ما بيقولوا عليها كافية أو تبه الغلابة " .


وأفاد مصدر أمني، بمديرية أمن قنا، بأن هذه الجبال واسعة، ولا يوجد ما يجرم هذا العمل وبالطبع حال وجود أي بلاغات نخرج للبحث ولكن هذا الأمر يستغرق وقت طويل نظرا للمساحات الشاسعة للجبال ووجود العديد من المغارات .















الجريدة الرسمية