رئيس التحرير
عصام كامل

النقيب البطل سامح فرج: الروس انبهروا بطريقتي الجديدة فى فك وتركيب محطات الرادار طوال حرب الاستنزاف حتى نصر أكتوبر | حوار

النقيب البطل سامح
النقيب البطل سامح فرج
لم تكن حرب أكتوبر حربا عادية ولكنها كانت اختبارا لعبقرية المصريين في استرداد أرضهم التي عاشوا آلاف السنين يحافظون على كل شبر فيها، وجاءت إسرائيل تطمع في جزء غال منها.


ففي حرب أكتوبر علم المصريون العالم كله حب الوطن والحفاظ على أراضيه المقدسة وغيروا الاستراتيجيات العسكرية سواء بالتخطيط أو بالعمليات على الأرض، ومازالت بعض البطولات العسكرية المصرية تدرس حتى الآن، مثل تفجير المدمرة إيلات أو معركة المنصورة الجوية. بالإضافة إلى معركة الأسلحة المعاونة الجندي المجهول في حرب أكتوبر.

وبمناسبة الذكري الـ 47 لانتصارات أكتوبر حاورت «فيتو» النقيب سامح ميشيل فرج أحد أبطال الدفاع الجوي بالكتيبة 652 لواء 98 صواريخ بتشورا سام 3 أثناء الحرب وصاحب مذكرات "نوتة الرادارجي" وإلي نص الحوار:

*متي التحقت بالقوات المسلحة؟

بعد نكسة 67 بدأت القوات المسلحة إعادة صفوفها وتحديث أجهزتها لضخ دماء جديدة في شرايين الجيش المصري، واستعانت بالمؤهلات العليا من الخريجين لسهولة تدريبهم وتأهيلهم في هذا المجال، وأنا خريج هندسة عين شمس عام 70 الدفعة تخرجت في الدفعة 28 ضباط احتياط، وكانت أكبر دفعة حتى تاريخه في القوات المسلحة ، شباب من مختلف محافظات مصر وجامعات وكليات هندسة وتجارة وآداب وحقوق وتربية رياضية وعلى اختلافنا كان يجمعنا هدف واحد هو حب مصر والاستعداد لتحرير أرضنا المغتصبة.

وتعادلنا مع دفعة 78 دفاع جوي، وكنا نواة أول جيل دفاع جوي بتشورا سام 3 ضد الطيران المنخفض، وكان السبب في إنشاء هذا السلاح العبث الإسرائيلي المتكرر ودخوله المجال الجوي المصري وضرب الأهداف المدنية مثل مدرسة بحر البقر ومصانع أبو زعبل للحديد والصلب، فقررت القوات المسلحة تشكيل مهندسي إلكترونيات من الدفعة 28 وأضافوا لهم ضباط مدفعية من دفعات سابقة لأنهم  كانوا محتاجين إلى قواذف كما أضافوا لهم ضباط سام.

وتم عمل كتائب صواريخ سام 3، سافر نصف هذه الكتائب إلى روسيا للدراسة والتدريب، بينما أنا بدأت في التدريب بكتائب الصواريخ الموجودة في مصر، وكان بها خبراء رووس يقومون بتدريبنا ومحطة الردار بـ15 العاملة ضمن كتائب البتشورا توضع داخل دشمة من الخرسانة المسلحة تشبه النفق، والغرض من الساتر هو الحماية من القصف الجوي وترتبط المحطة مع كابينة القيادة وإطلاق وتوجيه الصواريخ.

*ارو لنا ملامح حرب الاستنزاف التي شاركتم فيها؟

بعد إنشاء حائط الصواريخ والملاحم التي قدمها رجال الدفاع الجوي بالتعاون مع القوات الجوية منذ أواخر عام 69 قطعت مصر اليد الطولي لإسرائيل وأصبحت لا تجرؤ على الاقتراب من الضفة الغربية لأن حائط الصواريخ أصبح مصيدة لطيرانها، وفي بداية عام 72 انتقلت كتيبتي صواريخ دفاع جوي إلى بورتوفيق ضمن حائط الصواريخ على الجبهة، وبدأنا نقترب خطوة خطوة من شط القناة على امتداد الجبهة بالكامل.

وكنا نعمل ليل نهار لا راحة ولا إجازات حتى وصلنا إلى أننا لا نعرف الأيام من بعضها، وكانت محطة الرادار الخاصة بنا ترتفع حرارتها وتسخن لدرجة فظيعة، لأن هذه المعدات روسية صممت في الأجواء الباردة والجليد، وحدث في أحد الأيام احتراق أحد محولات القدرة (ترانسفورمر الباور) وليس له قطع غيار، ولا يمكن استبداله، وكان لابد من إرساله للمحطة المركزية في القاهرة لتغييره، وهذا يتطلب أياما وبدلا من الدفاع عن نقطة معينة تقوم أقرب كتيبة بالدفاع عن المكان، وقد أدخلت عددا من الطرق الجديدة لفك وتركيب المحطات في لف وتركيب مجموعة الكوابل الخاصة بها سهلت التركيب ووفرت كثيرا في الوقت.

الأمر الذي جعل قائد الكتبية يأمر بتدريب طاقم الكتيبة والطاقم الروسي الموجود معنا على هذه الإصلاحات، وقد أثني الكولونيل شليب قائد الكتيبة السوفيتية يده اليمني إلى أعلي قائلا "دي معجزة وشيء جميل" وتم اعتماد طريقتي الجديدة ككتالوج جديد لفك وتركيب محطات الرادار طوال فترة حرب الاستنزاف حتى نصر أكتوبر المجيد.

*حائط الصواريخ الاختراع العبقري الذي حمي سماء مصر المحروسة نريد أن نعرف أكثر عنه؟

حائط الصواريخ هو عبارة عن كتائب متداخلة تبعد كل واحدة عن الأخري مسافات محسوبة تشبه في شكلها عنقود العنب وهي عبارة عن دوائر متقاربة يؤازر بعضها البعض كالبنيان المرصوص، وكانت خطة نقل هذه الكتائب إلى الجبهة عام 70 خطة عبقرية قام بها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما قبل مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار في حرب الاستنزاف ولم تعرف إسرائيل وقتها لماذا وافق عبد الناصر على هذا الطلب، وعرفته مؤخرا عندما نقلنا كتائب الصواريخ للنسق الأمامي.

وشكلنا حائط الصواريخ الذي كان ينقصه قبل المبادرة ربط قطاعي بورسعيد وبورتوفيق لمنظومة الدفاع الجوي، كي لا يستطيع العدو اختراقهم إلى الضفة الغربية ففي الخريطة تجد بورسعيد وبورفؤاد مثل الجزيرة المنعزلة وكان لابد من تغطيتها بكتائب الصواريخ وتم التغطية استعدادا لحرب أكتوبر المجيدة.

*ارو لنا ذكرياتك عن حرب أكتوبر؟

بصراحة لا أنسي أبدا يوم 6 أكتوبر عندما سمعت أزيز الطيران المصري المنخفض فوق قناة السويس يتجه إلى سيناء ولحظات من الصمت كانت تجتاح الجبهة من هول هذا الطوفان، وفجاة تعالت هتافات الجنود والضباط الله أكبر الله أكبر لتلامس عنان السماء وكانت بمثابة الدفعة لرجال القوات الجوية والدعاء لهم بالتوفيق لإكمال المهمة، لحظات ورأينا الجسد الإسرائيلي الذي حاول الاستيلاء على أرضنا المقدسة في سيناء يتمزق ويتطاير، والانفجارات التي ضربتها طائراتنا تخلع دفاعات وحصون العدو من جذورها.

وقتها كان هناك شعور غريب لا يمكن وصفه الفرحة والنصر وكسر حاجز الخوف من العدو الخسيس الذي كان يستعرض قوته من خلال وسائل الإعلام الأجنبية التي تساعدة بأنه يمتلك الأسلحة الخارقة وبأنه القوة التي لا تقهر تلاشي في دقائق أمام المارد المصري الذي خرج من قمقمه، بعد أن استعد بكل ما أوتي من قوة للدفاع عن أرضه الطاهرة.

يوم 6-7-8 لم تتعرض كتيبتي لأي نوع من هجوم العدو، ولكن يوم 9 بدأ العدو في ضربات نسميها في العسكرية ضربات إجهاد وهي ضربات غير محسوبة لحفظ ماء الوجه وسط الانتصارات التي حققتها القوات المصرية على الأرض في سيناء، وفي صباح يوم 9 أكتوبر ألقوا على أماكن تمركزنا قنابل عنقودية تشبه أنابيب البوتجاز عندما ترتطم بالأرض تفتح ويخرج منها قنابل صغيرة مثل البرتقالة.

وتسببت هذه القنابل في عطل الهوائي الخاص بمحطتي 26 رادار وتم إخلائي من المنطقة ليحل مكاني كتيبة من النسق الثاني وانتقلت للإسكندرية لصرف محطة جديدة والعودة إلى ضفة القناة مكان محطة أخرى تعطلت أثناء مباحثات الكيلو 101 حتى تسجلنا بعثة الأمم المتحدة في مكانها للدفاع عن غرب القناة وظللت فيها.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية