رئيس التحرير
عصام كامل

قفزات اقتصادية متسارعة أنجزتها قطر بعهد حمد بن خليفة.. استطاع تحويل بلاده من مجرد إمارة محدودة الموارد إلى الدولة الأغنى في المنطقة.. واحتلت الدوحة في عهده المركز الأول عالميًا في إنتاج الغاز الطبيعي

الشيخ حمد بن خليفة
الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر

لا يكاد أحد يستوعب ملامح قطر الاقتصادية قبل ثمانية عشر عاما من اليوم، إذا ما رصد قفزاتها التي دفعت بها إلى مصاف الدول الأكبر عالميا بصناعات إستراتيجية مثل الغاز المسال.


وخطت قطر خطوات واسعة في جميع المجالات في عهد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر السابق، وذلك في أعقاب توليه الإمارة في 27 يونيو/ حزيران 1995 أثر ما عرف بأنه انقلاب أبيض.

وأعلن حمد بن خليفة اليوم الثلاثاء، أنه تنازل عن الحكم لولي عهده الشيخ تميم بن حمد بن خليفة، في خطوة وصفها الأول بترك الساحة لجيل جديد من الشباب.

وحققت قطر طفرة اقتصادية في عهد الشيخ حمد بن خليفة، إذ استطاع في غضون 18 عاما هي مدة حكمه تحويل بلاده من مجرد إمارة خليجية محدودة الموارد إلى الدولة الأغنى في المنطقة من حيث مستوى دخل الفرد.

وقفز الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر من 29.6 مليار ريال (8 مليار دولار) في 1995 إلى نحو 700 مليار ريال (192.3 مليار دولار) بحسب جهاز الإحصاء القطري.

أما معدل دخل الفرد فقد بلغ 88 ألف دولار في 2012، مقارنة بـ 16.4 ألف دولار في 1995.

وقفزة صادرات قطر، التي باتت واحدة من أغنى دول العالم من حيث احتياطيات الغاز، إلى نحو 485 مليار ريال بنهاية العام الماضي 2102، مقابل 13.9 مليار ريال فقط بالعام 1996.

فيما ارتفعت الواردات إلى 96 مليار ريال بالعام الماضي، مقابل 9.4 مليار ريال بالعام 1996.

واضطرت قطر للتوسع في استدانتها لتمويل مشروعات نفطية، فسجل الدين العام نحو 111% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 1998، ومع تحصيل قطر لثمار مشروعاتها النفطية تراجع الدين المحلي لها إلى 23% بنهاية العام الماضي 2012.

ولعل الدافع الأكبر وراء تحقيق قطر لقفزات اقتصادية كبيرة خلال فترة تولي الشيخ حمد بن خليفة، هو تمكن الدولة الخليجية من استغلال ما لديها من احتياطيات غاز طبيعي ضخمة في حقل الشمال، إذ تمتلك ثالث أكبر احتياطي في العالم بعد كل من روسيا وإيران.

وخلال فترة حكم حمد بن خليفة آل ثاني احتلت قطر المركز الأول عالميا في إنتاج الغاز الطبيعي المسال بطاقة إنتاجية 77 مليون طن متري سنويا.

وبعد نحو 14 عاما من مغادرة أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال من ميناء رأس لفان في عام 1996، استطاعت قطر عام 2010 وعبر 14 خط إنتاج بينها 6 خطوط هي الأكبر في العالم بسعة إنتاجية قدرها 7.8 مليون طن سنويا، تحقيق الـ 77 مليون طن، والذي قدره البعض بأنه إنتاج مكافئ لنحو 5 ملايين برميل نفط يوميا وهو ما وفر الدخل الأكبر للدولة التي لا يتعدى سكانها 2 مليون نسمة.

وأصبحت إيرادات قطر من الغاز تفوق إيراداتها من النفط منذ عام 2010.

ولم يكن الغاز المسال الوسيلة الوحيدة لاستغلال قطر لاحتياطاتها من الغاز، بل استطاعت أيضا أن تتحول لعاصمة تحويل الغاز لسوائل عبر مشروعي اللؤلؤة جي تي ال (الذي يعد الأكبر من نوعه في العالم وبلغت استثماراته نحو 19 مليار دولار) واوريكس جي تي ال، حيث ينتج الأول نحو 140 ألف برميل يوميا من منتجات تحويل الغاز لسوائل، بالإضافة إلى 120 ألف برميل يوميا من غاز البترول المسال والمكثفات والإيثان، أما اوريكس فينتج 34 ألف برميل يوميا من منتجات الديزل والنافتا وسوائل الغاز.

وشهد إنتاج النفط هو الآخر طفرة في قطر منذ عام 1995، وإن كان بوتيرة أقل من إنتاج الغاز، حيث ارتفع الإنتاج من نحو 400 ألف برميل يوميا إلى 850 ألف برميل يوميا خلال عام 2012.

وكان للطفرة في إنتاج النفط والغاز أثر إيجابي كبير على إنتاج البتروكيماويات بالدولة الخليجية، حيث بلغ إنتاج قطر من البتروكيماويات 10 ملايين طن في العام الماضي.

واستفادت الإمارة الخليجية، من قفزاتها الكبيرة بقطاع النفط والغاز، في دعم القطاعات الاقتصادية الأخرى لا سيما الصناعة، وهو القطاع الذي تعول عليه قطر في إنجاز معدلات نمو قوية خلال الأعوام المقبلة.

وفي عهد خليفة بن حمد، تمكنت قطر من بناء صروح صناعية احتضنتها مدينتا رأس لفان والميسعيد الصناعيتين والتي تحوي استثمارات تقدر بأكثر من 100 مليار دولار.

ودخلت منتجات جديدة تصنع للمرة الأولى في قطر، فعلي سبيل المثال بدأ تشغيل مصنع قطر للألمنيوم في عام 2009 بطاقة إنتاجية 570 ألف طنّ سنويا، وبتكلفة وصلت إلى 5.7 مليار دولار، هذا إلى جانب إنشاء العديد من مصانع الايثلين والبولي ايثلين وإنشاء حوض لبناء وصيانة السفن في مدينة رأس لفان.

وبرز القطاع المالي خلال سنوات حكم الشيخ حمد بن خليفة، حيث عمدت قطر إلى تعديل الكثير من القوانين المرتبطة بهذا القطاع من أجل تشجيع الاستثمار به ودعمه، كما قامت بتأسيس مركز قطر للمال في عام 2005 للسماح للشركات والمصارف الأجنبية للعمل بقطر من خلاله.

وعمدت قطر لدعم مصرف قطر الوطني (كيو أن بي) الذي تمتلك الدولة فيه الحصة الغالبة، ليصبح واحدا من أكبر البنوك في منطقة الشرق الأوسط سواء عبر دعم أنشطة البنك داخل قطر أو خارجه عبر الاستحواذ على العديد من البنوك في دول المنطقة.

وتمكنت قطر أيضا من تطوير سوق الأوراق المالية بها والذي أنشئ تحت اسم سوق الدوحة للأوراق المالية في مايو/ أيار 1997، حيث قامت بتحويل سوق الدوحة للأوراق المالية إلى شركة مساهمة تحت مسمى ( بورصة قطر) عام 2009، بدخول شركة نايسي يورونكست شريكا إستراتيجيا بنسبة 20% لتصبح بورصة قطر حاليا ثاني أكبر سوق بمنطقة الخليج وتمكنت على مدى عامين متتاليين (2010، 2011) من أن تكون أفضل البورصات أداءً في المنطقة.

وتضم بورصة قطر حاليًا 42 شركة مدرجة وحجم رسملتها السوقية نحو 457 مليار ريال قطري (125.5 مليار دولار).

ولم تكتف قطر بدعم بيئة الاستثمار بداخلها، فمع تعاظم الفوائض المالية لديها سعت للاستثمار بالخارج عبر جهاز قطر للاستثمار (الصندوق السيادي لدولة قطر) في إطار سعيها لتنويع اقتصادها، حيث قامت بشراء حصص في العديد من الشركات عبر أنحاء العالم، لعل أبرزها شراء حصة من شركة فولكس فاجن وشراء متاجر هارودز البريطانية وشراء 5% من شركة جلينكور السويسرية رابع أكبر شركة تعدين في العالم، وشراء حصة 3% تدرس زيادتها بعملاق الطاقة الفرنسي "توتال"، وغيرها من الصفقات عبر أنحاء العالم.

وأسست قطر، شركات متعددة يعتمد نشاطها الأساسي على الاستثمار خارج قطر في قطاعات مختلفة مثل شركة قطر البترول الدولية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز، وشركة الدوحة للاستثمار العالمي، وهي شركة تم الإعلان عنها مؤخرا، وشركة حصاد الغذائية للاستثمار في القطاع الزراعي.

وخلال عهد الأمير السابق، تمكنت قطر من الفوز بشرف استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، ورغم كونه حدثا رياضيا بالأساس إلا أنها ربطته بخطة تنموية ضخمة للبنية التحتية، رصدت لها عشرات مليارات الدولارات، أبرزها مشروع مترو الدوحة والذي تم رصد نحو 30 مليار ريال لإنشائه وطرح المناقصات الخاصة بتنفيذ هذا المشروع، إلى جانب شبكة الطرق وعددا من الملاعب الضخمة والفنادق تعتزم قطر إنشائها خلال السنوات المقبلة في إطار استعداتها لكأس العالم.

وعلى الصعيد المحلي أنجز قطر العديد من مشاريع البنية التحتية الأساسية، بعضها شارف على الانتهاء والبعض الآخر تم وضع اللبنات الأولى له، مثل مشروع مطار الدوحة الجديد والذي أطلق عليه اسم الأمير السابق، ومن المقرر افتتاحه بداية العام المقبل، وميناء الدوحة الجديد الذي تبلغ التكلفة الإنشائية له 14 مليار ريال قطري وتنتهي جميع الأعمال الإنشائية به بحلول عام 2014.

ومن المشاريع الرئيسية الأخرى مدينة الوسيل، وهي أضخم مشاريع شركة الديار (المملوكة للدولة)، وتعد أضخم مجمع مستقل يجري بناؤه في دولة قطر، ومن المقرر أن تستوعب المدينة أكثر من 200 ألف نسمه، هذا إلى جانب جسر قٌطر- البحرين الذي لا يزال في مرحلة التصاميم وغيرها من المشاريع التي من شأنها دعم البنية التحتية لقطر.

1 دولار أمريكي = 3.64 ريال قطري
الجريدة الرسمية