رئيس التحرير
عصام كامل

انتفاضة الحكومة بعد تدمير 400 ألف فدان من الأراضي.. الرقعة الزراعية زادت في عهد "ناصر" 15%.. والسادات صالح الإقطاعيين

أرشيفية
أرشيفية
لا صوت يعلو في الأيام الأخيرة على صوت التصالح في مخالفات البناء، لا سيما ما تم منها على الأراضى الزراعية.

لا أحد يجارى المصريين في تدمير الأراضى الزراعية. الكتل الخرسانية غطت آلاف الأفدنة من المساحات الصالحة للزراعة. رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولى قالت في تصريحات متعاقبة إن مصر خسرت أكثر من 400 ألف فدان خلال الأربعين عامًا الماضية، من بينها 90 ألف فدان خلال السنوات العشرة الأخيرة.


مصدر غذاء المصريين

ولا يختلف اثنان على أن فقدان كل تلك الأراضي يُعد كارثة حقيقية بلا أدنى مبالغة؛ لأنه نتج عن ذلك فقدان مصدر من مصادر الغذاء للمصريين، إلى جانب فقدان العديد من فرص العمل التي كانت مرتبطة بالنشاط الزراعي، ما ألقى عبئًا كبيرًا على الدولة المصرية تمثل في الاضطرار إلى استصلاح مساحات مماثلة في الصحراء لتعويض هذه المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية، وتعويض إنتاج الغذاء باستيراده بالعملة الصعبة، ومن ثم لم تعد مصر دولة زراعية، ولن تكون في القريب العاجل.

مصر تستوردها معظم غذائها من الخارج. في المقابل..فإن تعويض الأرض المفقودة ليس بالأمر اليسير بالنسبة لدولة تقل كاهلها الديون المليارية. وبحسبة بسيطة فإن التسعين فدانًا التي تم فقدها في السنوات العشرة الأخيرة يتطلب تعويضها ما لا يقل عن 18 مليار جنيه؛ إذ إن استصلاح الفدان الواحد يتطلب 200 ألف جنيه، وهذا لن يتم خلال فترة زمنية قصيرة؛ لأن الأمر يتطلب مد شبكات ري، وخطوط كهرباء، وأماكن للسكن للمواطنين الذين سيستقرون بها.

لذا.. فإن انتفاضة الحكومة ضد مخالفات البناء على الأرض الزرعية أمر محمود، وإن أغضب مافيا المنتفعين. ولا شك في أن هذه الأزمة لها جانب آخر يتمثل في قطاع المزارعين الذين يعانون إهمالًا متراكمًا، حتى أن أحدًا لم يتذكر يوم الفلاح الذي يحل في التاسع من سبتمبر كل عام. "فيتو" تناقش هذه الأزمة من جميع جوانبها في هذا الملف..


عبد الناصر

في 9 سبتمبر 1952 صدر قانون الإصلاح الزراعى الأول، ويتكون القانون من 6 أبواب تشمل 40 مادة، حددت المادة الأولى الحد الأقصى للملكية الزراعية بـ 200 فدان للفرد، وبلغ مجموع الأراضي التي يطبق عليها القانون 653،736 ألف فدان، يمتلكها 1789 من كبار الملاك، ولكن الأرض التي طبق عليها القانون في واقع الأمر بلغت 372،305 ألف فدان.

وبعد مرور 9 سنوات وفي عام 1961 صدر قانون الإصلاح الزراعى الثانى، جعل الحد الأقصى لملكية الفرد 100 فدان، يضاف إليها 50 فدانا لبقية الأسرة للانتفاع فقط، وتحريم أي مبيعات للأرض من المالك لأبنائه، وألغى القانون استثناءات الأراضي قليلة الخصوبة وتقدر الأراضي التي آلت للإصلاح الزراعي بمساحة 214،132 ألف فدان.

الإصلاح الزراعي

أما قانون الإصلاح الزراعى الثالث فصدر عام 1969، وجعل الحد الأقصى لملكية الفرد 50 فدانًا، وتم توزيع 989،184 ألف فدان على المزارعين، ووزعت الأراضي على 325،670 ألف أسرة، تبعًا للإحصاءات الرسمية ومن أهم المشروعات التي ساعدت في الزراعة عام 1969 مشروع "السد العالى" الذي وفر المياه اللازمة لتحويل رى الحياض إلى رى دائم، حيث استصلح نحو 2 مليون فدان.

وتمكنت مصر في عهد عبد الناصر من تحقق الاكتفاء الذاتى من كل محاصيلها الزراعية ماعدا القمح الذي حققت منه 80% من احتياجاتها ووصل إنتاج مصر من القطن عام 1969 إلى 10 ملايين و800 ألف قنطار، أعلى معدل لإنتاج محصول القطن في تاريخ مصر الزراعية. أما المزروع من الأرز في مصر فناهز مليون فدان، أكبر مساحة زرعت في تاريخ مصر الزراعية. وعرفت مصر تجربة زراعة جديدة من الأقماح القمح المكسيكى وقمح جيزة 155.

زادت مساحة الأرض الزراعية في عهد عبد الناصر بأكثر من 15%. وزادت مساحة الأراضى المملوكة لصغار الفلاحين من 2،1 مليون فدان إلى نحو 4 ملايين فدان.

السادات

كانت سياسة الإصلاح الزراعي في عهد الرئيس السادات مغايرة، فقد أصدر في عامي 1974 حتى 1981 قانونين بمقتضاهما أُعيد 147 ألف فدان يستأجرها صغار الفلاحين لملاكهم الأصليين، وفي عام 1981 صدر قانون يسمح للأفراد بتملك 300 فدان من الأراضي الصحراوية، و10 آلاف فدان للشركات.

وجاء دور تدعيم الإصلاح الليبرالي للقطاع الزراعي، بالتحرير الكامل لأسعار المنتجات الزراعية ليخضع لقواعد السوق الحرة، والترويج لزراعات التصدير (الزهور والخضر) على حساب المحاصيل الرئيسية، ما أدي لتراجع الاكتفاء الذاتي، ونتيجة لذلك وفي إطار الخصخصة فقدت مصر السيطرة على مجال إنتاج التقاوي لصالح الشركات الكبرى، الأمر الذي هدد الأصناف المحلية وتدهور التمويل لمراكز البحوث. وهبط الدخل القومي 10% بين عامي 1986 و1991 (من 670 دولارا إلى 610 دولارات)
خلال عهد الرئيس السادات انخفض نصيب الزراعة في الناتج المجلي الإجمالي من 25% في بدايه عهده، إلى 1% في نهايته.

تدخلات خارجية
 
في عام 1975، بدأت التدخّلات الخارجيّة في أمور الزراعة بمصرر، عندما وصلت بعثة رئاسيّة أمريكيّة لمصر، بإشراف وتمويل من منظمة التنمية الأمريكية، وقدّمت تقريرًا أكدت فيه أنّ النظام التعاوني الزراعي في مصر مُصاب بالخلل، وبناءً على هذه التوصية صدر قرار بحل الاتحاد التعاوني المركزي عام 1976، لتصفية الحركة التعاونية الزراعية التي ضمت 3 مليون مزارع.

ومع نهاية حقبة الرئيس السادات، وتحديدًا في عام 1981، أُقر قانون رفع الحدّ الأقصى لملكية الفرد إلى 2000 فدان، وللأسرة 3 آلاف فدان، والشركات إلى 10 آلاف فدان، وجاء هذا القرار تلبية لمصالح شركات القطاع الخاص ذات النفوذ المتنامي آنذاك، وتركزت الأراضي في أيدي قلّة من المنتفعين بحقبة الانفتاح الاقتصادي.

مبارك

كانت السياسات الزراعية في عهد الرئيس مبارك امتدادًا لنفس السياسات في عهد الرئيس السادات، ووفقًا لبيانات التعداد الزراعي عام 1981/1982، بلغ عدد المستأجرين لمساحات الأرض التي يحوزونها 443503 مستأجرًا، يستأجرون 788629 فدانًا.

أما في عام 1989/1990 انخفض عدد المستاجرين لمساحة حيازتهم إلى 387160 حائزًا بنقص بلغ 12.7%، وانخفضت مساحة الأرض التي يستأجرونها إلى 677069 فدنًا، بانخفاض مقداره 14.2%.

بعد صدور قانون 96 لسنة 1992 ارتفعت إيجارات الأراضي الزراعية، وبلغ عدد المزارعيم المستأجرين للأراضي 904 ألف، يزرعون 1.488 مليون فدان، وفي عام 1997 فقد أكثر من 800 ألف مزارع صفتهم كشاغلين للأراضي الزراعية.

وشهدت أروقة المحاكم دعاوي طرد جماعية لسكان العزب والنجوع، أبرزها دعوى 302 لسنة 1996، المرفوعة من أحد المواطنين أمام محكمة منية النصر دقهلية لإجلاء 26 أسرة من المنازل الملحقة بالأراضي الزراعية أدت زيادة الفقر في الريف إلى فقدان 700 ألف وظيفة بالقطاع الزراعي في الفترة من 1990 حتى 1995، طبقًا لتقرير مجلس الشورى في ديسمبر 1996.

وتدهورت الأوضاع الزراعية في مصر بشكل متزايد مع انضمام مصر لاتفاقية التجارة الدولّة "الجات" عام 1995، حيث أزيلت الحواجز الجمركية على المنتجات المستوردة ومنها المنتجات الزراعية، فتدهور الإنتاج المحلي الزراعي، وانهارت زراعة القطن، وفتح الباب على مصراعيه لاستيراد القطن الأمريكي، ونقصت المساحة المزروعة بالقطن إلى نحو نصف مليون فدان عام 2000، بعد أن كانت مليون ونصف فدان في الثمانينات.

القطن أبرز المتضررين

في دراسة "تحرير الزراعة المصرية، الأبعاد.. المحاور.. الآثار" يقول عريان نصيف إن ما عانت منه زراعة القطن في تلك المرحلة حدث لزراعة وصناعة السكر بعد إغراق السوق المصريّ بالسكر المستورد، الأرخص والأقل جودة، ما تسبب في كساد كميات كبيرة من السكر المصري.

وتقلصت مساحات زراعة قصب السكر وتذكر منظمة الفاو أن مصر تبرز ضمن دول المنطقة التي واجهت تحديات الغذاء مع ارتفاع من يعانون نقص الأمن الغذائي من 14% من السكان عام 2009، إلى 17% عام 2011 بسبب الاعتماد على السوق العالمية في استيراد السلع الإستراتيجية

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية