استعادة العلاقات وبناء دولة فاعلة.. سر زيارات ماكرون المتكررة للبنان
بعد زيارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
المتكررة للبنان وكذلك تصريحاته التي لم تتوقف نهائيًا بشأن تشكيل حكومة لبنانية
جديدة تعود التساؤلات للواجهة عن ماذا تريد فرنسا من لبنان؟ أو بمعنى أدق ما سر زيارات ماكرون
المتكررة للبنان في فترة قصيرة؟، وهل يسعى ماكرون لاستغلال انفجار مرفأ بيروت
لبسط سيطرته وعودة الانتداب الفرنسي؟ .. هل يسعى ماكرون لتحقيق طموحاته عبر القوي
الفنية الناعمة بعد زيارته لـ"جارة القمر" المطربة اللبنانية فيروز بمنزلها،
ومن ثم اللقاء بالأيقونة ماجدة الرومي؟ وهل فرنسا تسعى لاستعادة علاقاتها وتكون
دولة فاعلة بلبنان؟.
يزيد اهتمام
فرنسا بلبنان تبعًا لأجندة الرئيس، لكن ماكرون قبل توليه الحكم يسعي للتقرب من
لبنان بشكل كبير فقد زار بيروت قبل
انتخابه والتقى بممثلين عن المجتمع المدني، وأبدى إعجابه بالطعام اللبناني.
وبعد انتخابه لم
يهدأ له بال من جهة "بلاد الأرز" ففي عام 2017، بعد أزمة زيارة سعد
الحريري للسعودية حيث كان للوساطة الفرنسية دور فيها.
"مصائب قوم عند قوم فوائده".. بعد تفجير مرفأ بيروت سارع ماكرون لأن يكون علي رأس قائمة الدول التي بادرت بتقديم الدعم للبنان، ليس ذلك فحسب بل زارها وزار منطقة الانفجار مستغلًا تلك الأزمة للتقرب من لبنان بشكل أكبر.. تلك الخطوة التي جعلت أغلب الشعب اللبناني الغاضب من الحكومة والانفجار يطالب بعودة " الانتداب الفرنسي" .
وهناك جزء من الشعب اللبناني يشعر بارتباط ثقافي وهوياتي مع فرنسا، ويعد ذلك من أوجه الخلاف التي أخذت مناحٍ دامية بين اللبنانيين، وعلى غرار ذلك المطلب الذي لم يتفق عليه أغلب اللبنانيين بات ماكرون يكثف زياراته وتصريحاته تجاه لبنان حتى أنه في أقل من شهر زارها للمرة الثانية، لكنه كان حريص على أن يكون تأثير تلك الزيارة الثانية أقوي بكثير من المرة الأولى فعمل علي أن تكون أولي محطاته في لبنان بعيدًا عن السياسية المتناحرة علي كل شيء، وكرر تناول القهوة بمنزل رمز وطني يلتقي على اسمه اللبنانيون ولا يتفرقون.. ألا وهي " فيروز".
صحيح أن فيروز على مدى تاريخها الحافل، نالت إعجاب رؤساء فرنسيين
آخرين، حيث حصلت على أوسمة من الرئيسين السابقين فرانسوا ميتران وجاك شيراك، لكن
أن يزورها رئيس فرنسا في منزلها، فتلك خطوة لها دلالات أقوى من البروتوكول وأعمق
من المجاملة.
أما عن تحليلات الصحف والمجلات الفرنسية ، تري مجلة
"اكسبريس " الفرنسية أن السؤال الأهم هنا هو هل فرنسا هي المحرك الذي لا يمكن
الاستغناء عنه بالنسبة إلى لبنان؟.. اللبنانيون بسبب لا مبالاة السياسيين
مدفوعين إلى الانتفاضة ولم يحتاجوا إلى زيارة ايمانويل ماكرون للتعبير عن غضبهم من الكارثة.
ومن الوارد أن
تكون زيارة الرئيس الفرنسي قد دعمت الحركة الاحتجاجية معنويا، فأدى احتجاجها إلى
استقالة الحكومة.
ماكرون أنصت إلى الناس وتحدث عن "الفساد الممنهج"
إضافة إلى انعدام الثقة، وبهذا يكون قد ساند قضية المتظاهرينوقد تقتصر الأمور
على كلمات، كما يعبر عن هذا القلق المؤرخ يان بويرات في مجلة
"نوفيلأوبسيرفاتور".
الدكتور توفيق
إكليمندوس، أستاذ العلاقات الدولية اللبنانية والفرنسية ومدير وحدة الدراسات الأوربية بالمركز المصري
للفكر والدراسات الاستراتيجية ، يري من جانبه أن العلاقات اللبنانية الفرنسية وثيقة بين الدولتين في النواحي الثقافية
والعاطفية أكثر منها استراتيجية، كما أنها تتصف بالجيدة لذلك لا يحتاج ماكرون
لتبرير عمق العلاقة بين الطرفين نظرًا لأنها ممتدة ومتصلة منذ قرون.
وأشار
اكليمندوس إلي أن النخبة السياسية
الفرنسية كانت تعمل بلبنان من قبل، فعلي سبيل المثال رئيس المخابرات الفرنسية كان
سفيرا بلبنان وكذلك مستشارة الدبلوماسي كان سفيرا بلبنان، إضافة إلي أن فرنسا بها
أكثر من 200 ألف لبناني واحدي أهم الجامعات في بيروت جامعة ناطقة بالفرنسية وهي
"الصديق يوسف".. لذلك فرنسا تعتبر نفسها للبنان بمثابة الأم التي يجب عليها رعاية
أبنائها والتدخل في شؤونهم لحمايتهم من طمع الآخرين.
وتابع أستاذ
العلاقات الدولية الفرنسية، أن ما يعاني منه لبنان من فساد يرجع الي فساد النخبة
السياسية والاقتصادية التي من صالحها أن
يبقي الحال كما هو عليه لتظل مصالحهم الشخصية علي ما يرام، وبالتالي تحاول تلك
الفئات جاهدة إحباط مساعي من يرغب في
إصلاح أحوال، الأمر الذي دفع فرنسا للتدخل مجددًا ومحاولة السيطرة علي تلك الأزمة
لاستعادة أمجاد البلاد، خاصة بعد دخول لبنان في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي
نظرا لمركزية القطاع المالي والبنكي، إضافة الي ما لحق بالبلاد جراء انفجار مرفأ
بيروت.
واشار الي أنه إذا نجح ماكرون في حل تلك الأزمات سيكون له تأثير كبير علي
لبنان، نظرًا لأنه بذلك سيكون ممثلًا لفئات كثيرة من لبنان منها المسيحية والفئات
الغاضبة من الأزمة المالية والاقتصادية والسياسية والكهرباء، لكن ذلك غير مؤكد
بشكل كبير بسبب الانقسامات الداخلية في البلاد.
وعن مدي تأثير
تدخلات فرنسا وزيارات ماكرون المتكررة في الفترة الأخيرة علي حزب الله ، قال أستاذ
العلاقات الدولية الفرنسية أن حزب الله غير مختلط بشكل مباشر في فساد لبنان لكن
حلفائه بالداخل، وأن أي شخص يحاول التدخل في لبنان لابد وأن يصطدم بحزب الله ، حتي
أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتبر أول رئيس جمهورية يلتقي بأحد اعضاء حزب الله
، وذلك بعد لقاء قصير جمعه برئيس المجموعة البرلمانية لحزب الله والذي استمر قرابة
عشر دقائق.. الأمر الذي اعتبره الحزب بمثابة احتراف دولي ودفع زعيم مليشيا حزب
الله الشيعية المدعومة من إيران، القوة الأكبر عسكريا وسياسيا في لبنان، الي إبداء
إعجابه بلبنان قائلًا:" استوعبنا نداء الرئيس الفرنسي كميثاق سياسي
جديد".
كما قال حسن نصر الله الذي أوضح أن منظمته منفتحة على كل نقاش بناء حول الموضوع ـ "لكن بشرط أن يتعلق الأمر بحوار لبناني يتناسب مع إرادة جميع الأحزاب اللبنانية".