رئيس التحرير
عصام كامل

تمرد..النموذج الملهم


لا أحد يستطيع أن ينكر أن قطاعا كبيرا من الشعب المصري خلال الفترة الأخيرة، وتحديدا منذ نهاية أحداث الذكري الثانية من الثورة، وحتي قبل ظهور حملة تمرد بقليل، قد أصابه حالة من الإنهاك والملل الثوري، دفعته إلي رفض فكرة التظاهر والنزول للشوارع للمطالبة بالتغيير، وخاصة في ظل افتقاد المعارضة التقليدية لآلية واضحة لإحداث هذا التغيير، كما سيطر علي هذا القطاع أيضا حالة كبيرة من اليأس، كادت أن تنتهي به إلي الاستسلام، والقبول بالأمر الواقع، نتيجة لعدم وجود أو طرح رؤية مستقبلية قوية، من جانب المعارضة، تتم في ضوئها عملية التغيير.


وظلت هذه الحالة هي المخيمة على الشارع المصري، إلي أن ظهر مجموعة من الشباب الثوري، حاملا معه آلية سلمية، ورؤية واستراتيجية ديمقراطية واضحة المعالم لإحداث التغيير، وهو ما أدي إلي إحياء فكرة النزول إلي الشوارع مرة أخري، وإبعاث الأمل من جديد في تحقيق أهداف الثورة، وإمكانية إحداث التغيير المنشود منها.

فبغض النظر عن مشروعية التوقيعات التي تقوم حملة تمرد بتجميعها، ومدي تأثيرها علي شرعية النظام الحالي، إلا أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أن الحملة، خلال الفترة القصيرة التي عملت خلالها، تمكنت من إعادة الزخم الثوري مرة أخري إلي الشارع المصري، بعد أن كان علي وشك التبدد، واستطاعت أن تجذب إليها قطاعات عريضة ومختلفة من الشعب المصري، لم يكن يتوقع أحد أنها ستشارك في أي فعالية سياسية، كما أوصلت رسالة هامة للنظام الحالي، الذي كان متوهما أن شعبيته تزداد كل يوم، وهي أن هناك ما يزيد عن 15 مليون مواطن غير راضين عن سياسته التي يمارسها.

وبالتالي فإن كل هذا يطرح سؤال في غاية الأهمية، وهو: "ما الذي مكّن تمرد خلال أقل من شهرين فقط من أن تنجح في تحقيق ما فشلت فيه أحزاب المعارضة خلال عام كامل؟".

والحقيقة أن إجابة هذا السؤال تتعلق باتخاذ تمرد خطوتين أساسيتين، لم تستطع أحزاب المعارضة أن تقدم علي اتخاذ أي منها طوال عام كامل، وتتمثل أولي هاتين الخطوتين، في نزول أعضاء وشباب حملة تمرد إلي الشارع، وتقربهم من المواطن المصري البسيط، وهو ما امتنعت أحزاب المعارضة عن القيام به، من خلال  اقتصار ظهورها علي برامج "التوك شو"، ومواقع التواصل الاجتماعي فقط.

أما ثاني هذه الخطوات فتتمثل في تبني حملة تمرد لبديل ديمقراطي، أعلنت عنه منذ اللحظة الأولي لوجودها، وهو الانتخابات المبكرة، وهو ما رآه الشعب حلا معقولا لا يؤثر علي تجربة التحول الديمقراطي، وأفضل من البدائل التي طرحتها أحزاب المعارضة والتي كانت معظمها تمثل انقلابا علي الديمقراطية، إما من خلال دعواتها لنزول الجيش مرة أخري، أو تشكيل مجلس رئاسي مدني.

وبالتالي فإن إدراك حملة تمرد للأزمة الحقيقية، وسعيها لعلاجها من خلال آليات وبدائل لم تتداركها المعارضة التقليدية، يجعلها بمثابة نموذج ملهم يجب أن تحتذي به الأحزاب والكيانات المعارضة فيما بعد.
nour_rashwan@hotmail.com
الجريدة الرسمية