رئيس التحرير
عصام كامل

«مشروع زينب».. خطة التنظيم الدولي لإنقاذ «إخوان تركيا».. اتفاقية «إسطنبول» تهدد طموح الجماعة.. و«غضب أوروبي» من «أردوغان»

أردوغان رئيس تركيا
أردوغان رئيس تركيا

«محاولات فاشلة وسقطات مروعة ورغبة في البقاء بأى طريقة ممكنة».. من هنا يمكن المُضى قدمًا للحديث عن تحركات قيادات جماعة الإخوان الإرهابية المتواجدة في تركيا، لا سيما وأن فرصها للبقاء على قيد الحياة السياسية صارت قاب قوسين أو أدنى من النفاد.

 

مشروع زينب

 

ولهذا بدأت الجماعة التنقيب في دفاترها القديمة عن «طوق نجاة» لتجد ضالتها فيما يعرف بـ«مشروع زينب الغزالى»، حيث تسعى الجماعة لإعادة نشاط المرأة في الحشد للمشروع الإسلامي، وتمكينه في عاصمة الخلافة الحالية، بالضبط كما كانت تفعل «الغزالي» ‏في مصر خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى، والتي استطاعت من خلاله بناء تنظيم نسوي إسلامي قوى يساند تجربة الإخوان والإسلاميين.


المثير في الأمر هنا أن الجماعة وفى إطار اتخاذها خطوات جادة لإحياء «مشروع زينب» بدأت في هدم آخر حائط صد لإبقاء مشروع الحداثة التركي، حيث بدأت في تحريض الدولة التركية على الانسحاب من «اتفاقية ‏إسطنبول» التي تؤسس للمساواة بين الرجل والمرأة وتخق بذلك تعريفات موحدة في كل الدول الأوروبية.

 

اتفاقية إسطنبول

 

وبحسب مصادر تحدثت إليها «فيتو» فإن رجال التنظيم الدولي وخاصة مكتب تركيا، كانوا يعيشون حالة من القلق بسبب بنود الاتفاقية التي بدأ ‏الحديث حولها عام 2011 والتي تضمن آليات علمانية واضحة حول أفكار محددة، بنيت أساساتها على المنهجية الغربية ونظرة ‏أوروبا للمرأة، التي تختلف تمامًا عن نظرة الإخوان.‏
الاتفاقية التي عمل عليها بالفعل المجلس الأوروبي. ودخلت حيز التنفيذ عام 2014 كافة بنودها ضد منهج الإخوان ‏تمامًا ‏ونظرته للمرأة، لا سيما أن الهدف الأساسي منها تغيير ضمير وأفكار الأفراد في المجتمع، وخاصة الرجال والشباب، ‏ودفعهم لتغيير مواقفهم الوصائية من أجل زيادة منسوب المساواة بين الرجل والمرأة.

 

وما يقلق الإخوان في القضية، إلزام تركيا بالتدابير التشريعية والإجراءات اللازمة ليس فقط للمساواة، ولكن تخطى الأمر ذلك ‏وتنص التشريعات على تقديم تعويضات عن العنف ضد المرأة بجميع أنواعه سواء القائم على النوع الاجتماعي، أو الذي يمكن أن ‏يقود إلى معاناة جسدية وجنسية ونفسية واقتصادية، سواء حدث ذلك في الأماكن العامة أو الخاصة.

 

وهو أمر يدخل الإخوان في ‏صدامات حضارية، ولا سيما بعدما أصبحت تركيا تشير علانية دون خوف إلى مشروعها الإسلامي، وتوجه اللكمات الواحدة تلو ‏الأخرى إلى الغرب المسيحي، وآخرها تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، ما أثار ردود فعل دولية ساخطة على هذا القرار.‏

 

ثغرة دولة


الثغرة التي نفذ منها التنظيم الدولي، ومعه جحافل اللجان الشرعية والقانونية في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، تمثلت في عدم ‏تصديق نحو 13 دولة من أصل 47 دولة عضو في مجلس أوروبا على الاتفاقية، انتظارًا لموافقة البرلمانات والجهات ‏المسئولة عن المرأة.

 

وطالبت الجماعة فور اكتشافها هذه الثغرة، بالتحجج بهذا التأخر كل هذه السنوات، للتأكيد على أنها مشكلة أكبر من تركيا، ‏وتتعلق بتباين الثقافات في البلاد الأوروبية للانسحاب السريع من المعاهدة، التي ستعرض الأسر المحافظة لخطر شديد، وقد تعتبر ‏واحدة من أخطر معاول هدم المشروعات الإسلامية كافة.

 

تظاهرات


تحركات الجماعة الإرهابية لم تتوقف عند هذا الحد، لكنها دفعت الآلاف من أنصارها إلى الشوارع للتظاهر ضد القانون، حتى تمنح الحكومة التركية الموالية للإسلاميين شرعية في ‏مواجهة الرفض العلماني للانسحاب، وعدم استخدامه ورقة ضغط جديدة على حكم أردوغان وكشف عدائه للحريات، كما أوعزت ‏للصحافة والإعلام وخاصة الموالين لها، بتحريض الأحزاب القومية على انتقاد الاتفاقية، باعتبارها محاولة للهيمنة الغربية ‏على الثقافة التركية، وهو ما حدث بالفعل. ‏


في المقابل.. هذا الحراك السريع في تركيا بناء على تحريض الإخوان، رصدته المنظمات الأوروبية التي حشدت بالأساس للقضية قبل عقد من ‏الزمان، وسارع «أردوغان» إلى مغازلتها عندما كان يسابق الزمن للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وشنوا حملة شرسة على ‏النظام الحاكم، الذي اعتبروه يلاحق الماضي ويتخذ خطوات سريعة للعودة إلى الخلف.

 

ومنهم منظمة العفو الدولية، التي أكدت أن «ضغط المحافظين، في إشارة إلى الإخوان، من أجل الانسحاب من اتفاقية إسطنبول، هو جزء من ازدراء عميق لحقوق ‏النساء والفتيات من جانب الحزب الحاكم وأنصاره».

 

غضب أمريكي

 

ولم تقف حالة الغضب على المنظمات المستقلة فقط، بل خرج المتحدث باسم الكونجرس الأمريكي، ليؤكد هو الآخر أن الاتجاهات التراجعية في ‏تركيا للإفلات من اتفاقية المساواة بين الجنسين مثيرة للقلق وانتكاسة خطيرة لحقوق المرأة، وأشار على استحياء إلى مسئولية ‏حزب العدالة والتنمية عن انسحاب بلاده من اتفاقية إسطنبول.‏

 

العنف المنزلي


المثير أن هذا التحريض الإخواني للانسحاب من هذه الاتفاقية، تنكر لظاهرة تزايد ضحايا العنف المنزلي ضد المرأة، التي أصبحت ‏من أخطر الظواهر في تركيا منذ 5 سنوات، فضلا عن الزيادة الكبيرة في جرائم النساء منذ إعلان المشروع الديني ‏لـ«أردوغان» عن نفسه والضغط في المجال العام لتغليب مفاهيم الإسلاميين على المجتمع.

 

وهو ما أجبر منظمات المجتمع المدني على تنظيم احتجاجات حاشدة لمواجهة المخطط الإخواني للانسحاب من اتفاقية إسطنبول، ‏والتحذير من هذا التراجع الغريب في مستوى الحريات، وتجاهل تزايد جرائم العنف ضد المرأة، والتي يبدو أن السلطة تشجعها ‏وتتصالح معها بالتنكر لكل الاتفاقيات التي أبرمتها تركيا العلمانية، لوقف زحف الأسلمة، ولزيادة مناعة البلاد في جهود المساواة ‏بين الجنسين. ‏


وفى هذا السياق تكشف زهرة العلا، الناشطة الإسلامية المستقلة، عن وضع المرأة في المشروع الإسلامي، الذي يغلب عليه الانتماء العاطفي للأهل ‏والمسجد، وتوضح أنه ليس اختيارا قائمة على الحقوق أو المساواة، وتشير الناشطة إلى خلل خطير في هذا المشروع، وهو عدم ‏اتساعه إلا للملتزمات دينيا والمحافظات اجتماعيا، كما أنه يطرح السؤال نفسه: وماذا عن الأخريات؟!

 

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية