تسريبات أمنية تشعل الساحة الكويتية
حاول أحد الزملاء الإيحاء بأن المستشارة المتهمة بالاعتداء على الضابط المحترم، صاحبة حق، لأنها تتمتع بنفوذ وسلطة مطلقين بحكم مهنتها وفق عرف "الدولة العميقة" وأن القضية ستغلق لا محالة، قلت له إن مفهوم "الدولة العميقة" أو المتجذرة تأسس للحفاظ على الدولة ومصالحها كنظام حكم ومنع انهيارها، لكن الفاسدين جعلوها نظاما مؤامراتيا لتحقيق منافع شخصية ومنحوا النفوذ والسلطة لمن يوفرون لهم الحماية..
وفي حالة المستشارة المعتدية ينبغي إثبات أننا في
دولة مؤسسات وتطبيق القانون عليها حتى تكون عبرة لمن يظن مثلها أن "الدولة داخل
الدولة" ما زالت قائمة، وبمقدور رموزها التطاول وإهانة الشرفاء والملتزمين بأداء
عملهم بأمانة وأخلاق، والحمد لله صدق حدسي وأحيلت للمعاش، وتحولت بجريمتها إلى المحكمة
الجنائية.
ابتزاز واستغلال بين العراق والكويت
قضية المستشارة المعتدية،
تعد بمثابة جزء يسير مما تشهده الساحة الكويتية في الأشهر الأخيرة من فضائح "الدولة
العميقة"، التي زادت وتيرتها مع سفر سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، للعلاج في
الولايات المتحدة منذ نحو شهر ونصف.
كنت أشرت في مقال
سابق إلى قضايا الفساد التي كشفها نجل الأمير الشيخ ناصر صباح الأحمد، مطلع العام الجاري
حين كان نائبا أول لرئيس الوزراء وزيرا للدفاع، وأبرزها اختلاس مئات ملايين الدنانير
من صندوق الجيش، فساد صفقة طائرات "يوروفايتر"، لتنضم إلى القضية الشهيرة
"ضيافة الداخلية" التي صدر فيها أحكام تزيد على 230 سنة سجنا وإعادة مئات
ملايين الدنانير المختلسة وأدين فيها أسماء وشخصيات نافذة.
لكن لأن الشيخ ناصر تبادل البيانات الإعلامية علنا مع وزير الداخلية وزير الدفاع السابق وهو شيخ أيضا، اضطر الأمير لإعفائهما من منصبيهما وتشكيل حكومة جديدة، ومع هذا ظل الشعب على محبته للشيخ ناصر واعتبره المحارب الأول للفساد، ودعا إلى توليه منصبا أكبر لا إعفائه من منصبه، خصوصا أن التحقيقات التي أمر بها الأمير أثبتت صدق بلاغات الشيخ ناصر، وأمرت النيابة بتوقيف الشيوخ والوزراء الذين أشار بلاغ الشيخ ناصر صباح الأحمد إلى تورطهم في القضايا التي كشفها ووصل صداها إلى مستوى دولي.
ورغم عدم توليه منصبا
رسميا ظل الشيخ ناصر يكشف المزيد من قضايا الفساد، المتورط فيها قياديون في الدولة
وأبناء الأسرة الحاكمة من ذوي المناصب العليا. لكنه توقف قليلا مع مرض والده وسفره
للعلاج، وما رافق ذلك من لغط وشائعات عدة، خصوصا ما يتعلق منها بترتيبات الحكم وصراع
أبناء أسرة آل الصباح لا سيما أن الأمير الشيخ صباح الأحمد بلغ 91 عاما، وولي العهد
الشيخ نواف الأحمد عمره 83 عاما، وهناك فئات من أبناء أسرة آل الصباح يطالبون بأن يكون
لهم نصيب في الحكم، المحصور في أبناء الجابر والسالم منذ أمد طويل، وفي السنوات الأخيرة
اقتصر على أبناء الجابر فقط، وهذه الأجواء أعادت صراعات الحكم إلى الواجهة.
"الميليشيا والمافيا" تهددان وجود لبنان
في الوقت ذاته، انتهز
نواب البرلمان فرصة قرب انتهاء الدورة النيابية، وبدأوا الإعداد لحملات انتخابية ساخنة
بتقديم استجوابات عدة للوزراء، زادت من توتير الأجواء إلى جانب أزمة "كورونا"
والإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة الكويتية للحد من تفشي الجائحة، وتعد الأكثر
تشددا في العالم، إذ أغلقت البلد طيلة 6 أشهر ما أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة للدولة
والجميع، وطالت تداعياتها مظاهر الحياة كلها.
وسط الأزمات التي
تتوالد في الكويت، انشغل الرأي العام بقضية تسريب تسجيلات، عرفت إعلاميا بـ "تسريبات
جنوب السرة"، لقيادي في أمن الدولة مع أحد الشيوخ البارزين يتهمان في مقطع فيديو
السلطات الأمنية بالتنصت على مسؤولين ومواطنين، تزامنا مع التصويت في البرلمان على
طرح الثقة بنائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، أنس الصالح، وقالت الداخلية إن ”التسجيلات
المسربة خاصة بجهاز أمن الدولة وتعود الى العام ٢٠١٨، وانها أوقفت 8 ضباط أمن دولة
عن العمل، من بينهم مدير عام الجهاز، للتحقيق معهم في تسريب التسجيلات".
وأمام غليان الرأي
العام ورفضه مبدأ التنصت إن كان على المسؤولين أو على الشعب، واعتباره تسريب التسجيلات
جزءا من تصفية حسابات وصراع أبناء الأسرة الحاكمة على السلطة والمناصب، داعيا إلى إقالة
الحكومة، اضطر نائب الأمير ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، إلى إلقاء كلمة تعهد فيها
بمتابعة القضية بنفسه، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يثبت تورطه فيها، واعتبر
التسريبات "بدعة وممارسات مرفوضة، تهدف إلى شق الصف وإثارة الفتن".
كشفت التحقيقات عن تورط ضابطين كبار أحدهما شيخ من أبناء أسرة الحكم،
في مؤامرة تستهدف الأمن القومي، ووجهت لهما تهمة خيانة الوطن والأمانة الوظيفية، لأنهما
سَرِقا مستندات وتسجيلات سرّية، تتعلّق بالأمن القومي للكويت العام الماضي، وسرّبا
مستندات خطيرة خارج البلد، وتأكد تواصلهما مع أطراف أخرى وشبكة تضم عسكريين وشيوخاً
ونواباً ومتنفّذين.
حاكم المطيري خادم أردوغان و"الإخوان"
وتواصل النيابة تحقيقاتها
في قضية تمسّ الأمن الوطني وتشكّل خيانة للوطن، معتبرة ما حدث استغلالاً للوظيفة الحساسة
وتحويلها من سلطة لحفظ الأمن إلى ابتزاز وخيانة، بعد تسريب المستندات والتسجيلات السرّية،
بهدف الإضرار بالأمن القومي.
وأكدت أن جميع الأسماء التي سيذكرها المتهمون، سيتم استدعاؤها فوراً وحجزها في حال التأكد من مشاركتها فيما حدث، خصوصا ان أحد المتهمين اعترف بأن ما حدث كان بهدف الانتقام وتصفية حسابات بين أسماء كبيرة بينهم مسؤولين ومتنفذين، ولأن القضية تعتبر من أخطر قضايا العام الجاري فهي تحظى باهتمام ومتابعة القيادة السياسية العليا.
في مصر انتصرت دولة
المؤسسات وطبقت القانون على واحدة من المتنفذين، وفي الكويت تواجه دولة المؤسسات مثيري
الفوضى والفتن من رموز الدولة العميقة.