يونيو.. سياسة حافة الهاوية
قيل إن أول من استخدم تعبير "سياسة حافة الهاوية"، هو جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكى إبان منتصف الخمسينيات من القرن الماضى.. وتعنى هذه السياسة سلوكا في العلاقات الدولية يجرى خلاله دفع الأمور بدرجة خطيرة نحو كارثة - تبدو وكأنها حقيقية - بهدف إجبار الطرف الآخر على الجلوس إلى مائدة التفاوض وتقديم أكبر قدر من التنازلات.. وتتطلب لعبة الصعود إلى حافة الهاوية مجموعة من الأمور: ١) امتلاك عناصر قوة حقيقية، ٢) وعى دقيق بقيمة هذه العناصر، ٣) امتلاك مهارة استخدامها وتوظيفها، ٤) حسابات دقيقة للمخاطرة، من حيث الفرص والتهديدات، و٥) استعداد حقيقى لخوض الحرب..
إن التلويح باستعمال القوة والتهديد بالحرب، دون استعداد كاف لها، قد يعرض لكارثة.. فقد اعتقد عبد الناصر قبل هزيمة ٦٧ أن التلويح باستخدام القوة ضد الصهاينة قد يكون كافيا لمنع الحرب وتحقيق نصر سياسي.. وقد سأل الرجل المشير عامر عن مدى جهوزية القوات المسلحة، فرد الأخير بإجابة غريبة وعجيبة "برقبتى يا ريس"، إلا أن السؤال والإجابة يعبران بصدق عن مدى العبثية التي كانت تعيشها مصر في تلك الفترة..هذا في الوقت الذي كان فيه الصهاينة يسعون - بتنسيق وتعاون أمريكى - لاستدراجه لحرب حقيقية جرى الإعداد والتخطيط لها على مدى سنوات للإجهاز عليه في عملية سريعة وخاطفة.. وقد كان الاسم الكودى لها "عملية اصطياد الديك الرومى".
وكما أن سياسة حافة الهاوية تستخدم على مستوى الدول، فهى تستخدم أيضا على مستوى الجماعات والأفراد.. وأحسب أن هذه السياسة بدأ تطبيقها من قبل مؤيدى مرسى في مواجهة معارضيه، على اعتبار أن الصدام بين الطرفين يوم ٣٠ يونيو الجارى من المتوقع أن يكون كارثيا، ولن يكون فيه منتصر ومهزوم، بل الكل سيكون مهزوما.. فالحشد الكبير الذي تجمع يوم الجمعة الماضى في ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر تحت لافتة "لا للعنف"، كان استعراضا للقوة، وكانت الخطب فيه نارية، والتهديدات بالسحق ظاهرة وبارزة..
كان الهدف من وراء ذلك إلقاء الرعب والخوف في قلوب أصحاب الطرف المعارض، على الأقل حتى يقبلوا بالتفاوض، وبالتالى التنازل عن بعض مطالبهم والالتقاء عند نقط وسط.. وكان الهدف أيضا رسالة للإدارة الأمريكية، وللخارج بشكل عام بأن الطرف الأقوى هو المؤيد للدكتور مرسى.. من ناحية أخرى، دل هذا الاحتشاد على خوف وقلق وتوتر من قوة المعارضين الذين يطالبون بسحب الثقة من الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. فقد بلغ عدد من وقع على استمارة "تمرد" أكثر من ١٥ مليونا، وهو رقم يتجاوز عدد ما حصل عليه الدكتور مرسى في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة..
أحسب أن احتشاد المؤيدين للدكتور مرسى لم يحقق هدفه المرجو، بل إنه حفز المعارضين للاحتشاد أمام قصر الاتحادية في ٣٠ يونيو.. ومع أن المعارضين أكدوا سلمية الاحتشاد، إلا أن ذلك ربما لا يمنع من وجود عنف على هامش الاحتشاد.. ولاشك أن خروج الجماهير في ذلك اليوم بالملايين هو الضمانة الأكيدة لعدم حدوث أي عنف..المشكلة في أن المعارضين لا يثقون في المؤيدين، وأصبح لديهم يقين أن تجربة الإسلاميين في الحكم طوال العام المنصرم لم تحرز أي تقدم سواء فيما يتعلق بالعدالة الانتقالة أو العدالة الاجتماعية أو هيكلة وزارة الداخلية، أو تحقيق الاستقرار السياسي..إلخ، بل إن ما تعهد به الدكتور مرسى لم يلتزم بشيء منه، وظهر الارتباك والتخبط واضحا في طريقة الإدارة، وفى أسلوب التعامل مع المشكلات الكبرى (مشكلة سد النهضة الإثيوبى على سبيل المثال)، وبالتالى فلا مناص من انتخابات رئاسية مبكرة.