رئيس التحرير
عصام كامل

د. أحمد عبد الرحمن يكتب: فى ذكرى اغتيال وفاة نجيب محفوظ

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

صاحب نوبل فى الآداب الذى نشأ بين أولاد حارتنا، ودرج فى زقاق المدق، واستمع إلى ثرثرة النيل، وتنقل بين القصرين، من السكرية إلى قصر الشوق، ولم يكن بمعزل عن الحرافيش، ولم ينس شوق، ولا طيبة، وثارت ثائرة الأزهر ضد أولاد حارتنا، وهاجمها الشيخ كشك والدكتور سيد فرج بآداب المنصورة وغيرهما من الفقهاء والدعاة.


حيث أكد الشيخ عبد الظاهر محمد عبد الرازق رئيس لجنة البحوث والترجمة الخاصة بإبداء الرأى في المؤلفات والكتب بالأزهر الشريف عدم تسلم اللجنة أى طلبات رسمية من نجيب محفوظ أو غيره أو أى من الناشرين بشأن السماح بطبع رواية «أولاد حارتنا» التى رفض الأزهر من قبل السماح بطبعها.

ونفى الشيخ عبد الظاهر ما نشر فى الصحف حول إعادة نظر الأزهر فى مسألة طبع رواية "أولاد حارتنا"، ووصفه بأنه مجرد كلام نشر فى وسائل الإعلام وليس له أى أساس من الصحة.


كما استبعد الدكتور مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية، رئيس لجنة المتابعة بالمجمع بالأزهر الشريف، والعميد الأسبق لكلية الآداب جامعة عين شمس، احتمالات موافقة الأزهر على طبع رواية "أولاد حارتنا" فى يوم من الأيام.


وأرجع الشكعة رفض الأزهر الموافقة على نشر رواية "أولاد حارتنا" إلى أن الرواية تتناول برمزية تكاد تكون تصريحا الأنبياء والألوهية بصورة تعد هجوما صريحا عليهم.


وأضاف الشكعة أن نجيب محفوظ أعطى الأنبياء أسماء رمزية قريبة من نبوتهم وأعطى لشخصية الألوهية اسم "الجبالى" بصورة يهاجم فيها الأديان، وخاصة الإسلام.


ويوضح الشكعة أن الرواية كانت تنشر مسلسلة فى الخمسينيات فى جريدة "الأهرام"، وصدر قرار جمهورى من الرئيس جمال عبد الناصر بإيقاف النشر.


وفى السبعينيات أعادت جريدة "النور" فتح ملف للرواية بصورة موسعة، وصدر للرواية أكثرمن طبعة فى بيروت.
ويؤكد الشكعة أن موقف نجيب محفوظ كان موقف العقلاء حين تم منع روايته فصرح بأنه لن ينشر "أولاد حارتنا" إلا بعد موافقة الأزهر عليها، رغم مرور 47 عاما على منعها.


وكانت دار الهلال المصرية قررت طبع نسخة شعبية من الرواية لنشرها احتفاء منها بالذكرى الرابعة والتسعين لميلاد محفوظ.


إلا أن محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب، عارض نشر الرواية لأنه باع حق امتيازها لمكتبة الشروق، وفي الوقت نفسه تم الكشف أن محفوظ وضع شرطين لنشر روايته "أولاد حارتنا" في مصر، وهما كما يقول أحد أبرز المقربين منه يوسف القعيد: "أن يوافق الأزهر على نشر الرواية، وثانيا أن يكتب احد المقربين من جماعة الإخوان المسلمين مقدمة لروايته!!

 

قال يوسف القعيد إن مطالبة محفوظ بهذين الشرطين تعود الى "محاولة تبرئة ساحته من الموقف الذي أثاره علماء الازهر في شهر سبتمبر من عام 1959 عند بدء نشر الرواية في صحيفة "الأهرام" على مدار ثلاثة اشهر ومطالبتهم بوقف نشر الرواية وعدم نشرها في كتاب".


واعتبر الازهر في حينه ان الرواية التي نشرت في بيروت قبل أكثر من 46 عاما تتعرض للذات الإلهية وللأنبياء.
ما دفع أجهزة الأمن المصرية إلى تبني موقف معاد للرواية، ولكن على أساس مغاير، واتهمت فيه محفوظ بالقدح بالزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر وأعضاء قيادة مجلس الثورة آنذاك.
المهم:
1- مات نجيب محفوظ دون أن يتدخل أحد فى قتله، ولو صبر الشباب عليه لمات فى موعده المحدد دون حاجة لتدخلهم للتعجيل بحياته وموته ناسين أن مراد الله لا مغالب ولامدافع له.


2 - مات الرجل دون حاجة إلى موجة السباب والشتائم والتكفير التى نالها ودون داع لتهييج النفوس والمشاعر ضده بصورة تستفز بعض الشباب فيحاولون قتله وقد تجاوز السبعين من عمره.


3 - مات الرجل وانتشرت كتاباته في حياته وبعد مماته ولو أنصفه مخالفوه لكتبوا ردودهم العلمية عليه ولانتشرت وذاعت كما ذاعت كتاباته، ولاطلع القارئ على كتابات محفوظ وردود مخالفيه، وساعتها يقرر لنفسه ويختار دون تشويش أو تخويف أو إرهاب يتهدده، ولا شك أن جو الحوار والمناقشة أدعى للإقناع والاقتناع من جو الثورة والحنق والغضب.


4 - مات محفوظ وصارت "أولاد حارتنا" بعد منعها تباع على الأرصفة، وفى الشوارع بثمن بخس ليتمكن من قراءتها كل الراغبين، وقد كانت بعيدة سنين طويلة عن أيدي الأكثرين من الناس، بل نشرتها الجرائد اليومية والأسبوعية فى ملاحق خاصة بها لايتعدى ثمن العدد يومها جنيها واحدا لاغير.


6 - إن السكين لاتسكت صوتا ولاتقصف قلما، ولاتمنع كلمة.. إنما فقط تحولها من العلن والظهور الى الخفاء والسراديب، حيث التآمر والكيد والخوف والتربص وانعدام الثقة، فتظل تعمل فى تكتم حتى تبلغ مداها وخصومها عنها غافلون.


قد كان يشفع لمحفوظ رفضه إعادة نشر الرواية دون موافقة الأزهر، وقد رفض ذلك منه العديد من الكُتَّاب، لكن الرجل توقف أمام الازهر لم يتجاوزه.. وظلت الرواية ممنوعة فى مصر خمسين سنة دون نشر أو طبع.


7 - أما لوعلم الذين حاولوا قتله ذلك لفكروا كثيرا قبل الإقدام على جريمتهم، ولكن الفتاوى الحماسية والخطب الحنجورية تسلب العقل والقلب وتعمى لدى مستمعيها البصر والبصيرة، ماذا عساه أن يصنع ذلك الشاب عندما يسمع شيخا يقول فى حماس وثورة: "لوقتلنا نجيب محفوظ لما ظهر سلمان رشدى"، وماذا سيفعل عندما يسمع بأن محفوظ يسب الذات المقدسة والأنبياء الكرام وأنه بذلك قد كفر، ثم يزاد بأن عقوبة المرتد القتل، فيتقدم الشاب متطوعا لتنفيذ حكم الله فى نجيب محفوظ بالرغم أنه لم يثبت بعد فى حقه ولم تكتمل شروطه ولا انتفت موانعه.


إن الذى يملك حق إصدار الأحكام بالردة وغيرها هو القضاء الدارس الواعى بالإسلام والظروف والأشخاص.

 

8 - إن الذى يملك تنفيذ العقوبة هى الحكومات، وليس الأفراد ولا الفقهاء ولا المفتين.

 

إن محاولة تكفير الرجل أو معاقبته، حتى وإن صدق فى حقه ما يقال عنه هو نوع من استلاب سلطات الدولة، قيام من لايملك بالقضاء والتنفيذ أي هى مغامرات تصدر عن غير ذى صفة تؤدى إلى الفوضى والهرج وكثرة القتل.


ماذا يفعل هؤلاء لو قامت مجموعة أخرى، وحكمت عليهم بالحرابة مثلا، ونفذت العقوبة فيهم بحجة أنهم أفسدوا فى الأرض ونشروا الرعب ؟! هل يقبلون ذلك منهم ؟! لاشك أنهم سيرفضون أن يحكم عليهم أى شخص أو يعاقبهم أى فرد مهما اتصف بالعلم والتقوى مادام ليس صاحب سلطة ومكنة ودولة.


9 - هكذا يجب أن يكون التعامل مع الجميع، تخويل السلطة لأصحابها وتمكين الدولة من وظيفتها، ومن كانت لديه شكاية فليتقدم بها الى السلطات المختصة للنظر فيها، ولكن لايقدم على استيفاء الأمور والأحكام والعقوبات بنفسه فهذه هى الفوضى بعينها.


10 - إنني أرى أن السبب وراء محاولة اغتيال محفوظ.. إنما هو الحسد والغيرة حيث ينال الرجل جائزة عالمية ويكرم فى كافة المحافل الدولية بينما شيوخهم يقبعون وراء القضبان وداخل السجون، ومن كان منهم بالخارج فهو ممنوع من الخطابة والمحاضرة، بينما محفوظ تفتح له كل الأبواب العالمية للكلام وللنشر هنا قد تثور حفيظة قوم ليسوا متجردين وليسوا فاهمين، فيحولون الأمر إلى قضية دينية لتنفيذ بواعث نفسية فى مسوح الدين، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلوبهم قلوب الشياطين فى جسوم إنس".

الجريدة الرسمية