ما حكم من تعذر عليه إدراك صلاة الجمعة لبُعد المكان أو ضيق المساجد؟
ورد سؤال إلى لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، يقول فيه صاحبه "ما حكم من تعذر عليه إدراك صلاة الجمعة لبُعد المكان أو ضيق المساجد؟".
ومن جانبها أوضحت اللجنة أن الفقهاء اتفقوا على وجوب صلاة الجمعة على من توافرت فيه شروط الوجوب، وممن نقل الإجماع الإمام ابن المنذر، فقال في (الإشراف على مذاهب العلماء(2/ 84): ”وأجمعوا على أن الجمعة واجبة على الأحرار البالغين المقيمين الذين لا عذر لهم”.
وأشارت إلى أنه لما كان الأصل هو أداء صلاة الجمعة في المساجد الجامعة، ومن شروط صحة اقتداء المأموم بالإمام الاتصال بينهما، وألا يزيد الفاصل بينهما على ثلاثمائة ذراع على قول؛ فإنه إذا ضاقت المساجد بالمصلين بسبب الزحام وضرورة التباعد؛ فإنه يجوز أداؤها في الساحات الملحقة بالمساجد وإن تباعد الفاصل بين الإمام وبين آخر الصفوف، قال الإمام النووي في المجموع: "ولو وقف خلف الإمام شخصان أو صفان أحدهما وراء الآخر اعتبرت هذه المسافة بين الصف الأخير والصف الأول أو الشخص الأخير والأول حتى لو كثرت الصفوف وبلغ ما بين الإمام والصف الأخير أميالاً جاز بشرط أن لا يزيد ما بين كل صف أو شخص وبين من قدامه على ثلاثمائة ذراع".
وأضافت أنه إن تعذر على بعض المصلين إدراك صلاة الجمعة لبُعد المكان أو ضيق المساجد؛ فإنه يسقط الوجوب عنهم؛ فيؤدى بدلها، فتصلى صلاة الجمعة ظهرًا في البيوت حينئذٍ كرخصة شرعية معتبرة؛ لما رواه أبو داود وغيرُه عن ابن عباس –رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (ﷺ): «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ، عُذْرٌ»، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟، قَالَ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ، « لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى».
وأكدت أن الاقتداء الحُكمي "الافتراضي" بإمام عبر الوسائل الالكترونية فإنه لا يجوز شرعًا، وذلك لعدة أمور، منها أن من شروط صحة الاقتداء في الصلاة: اجتماع المأموم والإمام في مكان واحد، والعلم بانتقالات الإمام علمًا رافعًا للالتباس والاشتباه، وعدم الفصل بين الإمام والمأموم بفاصل كبير كنهر كبير، وقد دل على ذلك السنة الفعلية وعمل الصحابة، ولا تتوافر هذه الشروط بالصلاة خلف البث المباشر أو التليفزيون، وهو ما يمنع صحة الاقتداء؛ فتبطل الصلاة لأنه اقتداء غير معتدٍّ به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" متفق عليه.
وذكرت اللجنة قول الإمام الكاساني الحنفي: { (ومنها) - اتحاد مكان الإمام والمأموم، ولأن الاقتداء يقتضي التبعية في الصلاة، والمكان من لوازم الصلاة فيقتضي التبعية في المكان ضرورة، وعند اختلاف المكان تنعدم التبعية في المكان فتنعدم التبعية في الصلاة لانعدام لازمها} (بدائع الصنائع (1/ 145).
وقالت إن اعتبار المآلات واجب: والقول بصحة الصلاة خلف البث المباشر يؤدي -بغلبة الظن- لإبطال الجمع والجماعات، وتخريب المساجد، وزوال الشعائر، وذهاب هيبة هذه الشعائر لا سيما بعد زوال الوباء -بإذن الله تعالى-.
وتابعت: ثم إنه لا يصح الاستدلال على قولهم بالقاعدة الفقهية الكبرى: "المشقة تجلب التيسير"؛ إذ إنما يكون التيسير بما هو معتبر شرعًا، وله مستنده، وهذا غير قائم في مسألتنا.
وأكدت انه لا يجوز القياس على صلاة الخوف عند التحام الحرب وشدة القتال والخوف من خروج الوقت في سقوط شرط استقبال القبلة وأنه يصلّي كيفما أمكن -على قول جمهور الفقهاء؛ كما أطلقه البعض في هذه المسألة؛ إذ لا يصح القول بأن حال المصلي في هذا الوباء كحال المصلي في حالة الخوف شديد وأنه في حرب مع عدو لا يراه الناس وهو الفيروس؛ فيكون أولى في سقوط شرط القبلة؛ إذ فرق بين حال حامل السلاح الذي يتحرك بحركة عدوه كرًّا وفرًّا، وبين الملتزم بيته احترازًا من العدوى؛ فهو قياس مع الفارق المؤثر، وهذا جليٌّ.