زغلول صيام يكتب عن الجوهري في ذكرى رحيله الثامنة: برغم قيادته المنتخب أربع مرات لم يحقق حلمه.. تفاصيل آخر مكالمة مع المايسترو.. استبعد حازم إمام وسيد عبدالحفيظ بسبب لمعان الشعر
شاءت الصدف السعيدة أن ألتقي الكابتن محمود الجوهري مرات عديدة في الأردن الشقيق عندما كنت أرافق بعثة رفع الأثقال كمستشار للاتحاد العربي في سنوات سابقة.. وبمجرد أن تتحدد البطولة وموعد السفر كان الاتصال بالكابتن محمود الجوهري عن طريق الكابتن علاء نبيل أو الكابتن فكري صالح.
نعم كنت على علاقة بالكابتن الجوهري عندما كان مديرا فنيا للمنتخب الوطني، ولكنها علاقة صحفي بمصدره.. وأزعم أنها توطدت خلال 6 سفريات للأردن تعرفت فيها بالجنرال عن قرب وعرفت أنه كريم جدا، وليس مثلما يشاع عن نجوم الكرة بالبخل.
وخلال تلك اللقاءات كانت الفرصة مواتية للاقتراب منه والحكي باسترسال ودون قيود، ومن خلالها تأكدت أن الرجل ليس في حياته غير كرة القدم.. لا يتحدث إلا عنها وطرقها الحديثة.. ودارت حوارات كثيرة، بعضها نُشِر، والبعض الآخر وبناء على رغبته ظل في الذاكرة.
"أنت صالح بتاع البيزنس"
كان الموضوع الأهم بالنسبة لي هو معرفة كيف تقطعت كل الخيوط مع النادي الذي تربى فيه ويحمل في طياته ذكريات عديدة، فحكى لي قصته مع الأهلي.. ففي ثمانينيات القرن الماضي كنتُ مديرا فنيا وميمي الشربيني مديرا للكرة، وكان هناك معسكر إعداد في ألمانيا.. وفي ذلك التوقيت كانت هناك مشكلة محمد عباس، وكنت أرى أنه يسهل تقويمه في حين ترى الإدارة ضرورة التخلص منه، فصممتُ على اصطحاب عباس لألمانيا، ووقتها أقنعني أمين الصندوق مع ميمي الشربيني بالسفر ووعداني بأن عباس سيلحق بالبعثة، وهو ما لم يحدث.. واكتشفتُ أن الادارة استغنت عن اللاعب، فجن جنوني، واضطررتُ أن أتصل بالمايسترو صالح سليم، وقلت له: "انت صالح بتاع البيزنس ولم تعد صالح بتاع الكورة"، وهذه كانت آخر مكالمة مع الكابتن صالح سليم، رغم أن علاقتي به فاقت الحدود لدرجة أنني عندما كنت انظر في المرآة أرى نفسي صالح سليم!!
رغم ولاياته الأربع لم يشعر أنه حصل على فرصته
عند الحديث عن كرة القدم المصرية ونجاحاته المتعددة، كانت تترقرق الدموع في عينيه ويقول: إن مسيرته مع المنتخب أشبه بالعريس الذي لم يدخل بعروسته.. ياسبحان الله ! ماذا يقول الجنرال وهو الذي درب المنتخب أربع مرات؟!
كان الكابتن الجوهري رحمة الله عليه يقول إن المسئولين عن كرة القدم المصرية لم يمنحوه الفرصة لتحقيق طموحاته؛ لأنه لم يكن طموحه الوصول للمونديال كما حدث في إيطاليا 90 أو الفوز بالأمم الأفريقية 98 ببوركينا فاسو.
ويحكي بمرارة أنه في كل مرة كان حلمه يواجه الوأد.. فبعد الوصول لمونديال 90 وبداية جيل جديد تمت إقالته بسبب الهزيمة في مباراة ودية من اليونان.. وبعد الفوز ببوركينا فاسو تمت إقالته بسبب هزيمة السعودية في كأس القارات، وهي بطولة شرفية.. وكلما حاول استنهاض الكرة المصرية يواجه بالعقبة تلو الأخرى.
عندما يلمع شعر اللاعب
وكانت له مفردات يقولها وأهمها انه في ولايته الأخيرة، وبعد الخروج من تصفيات مونديال 2006، كانت هناك حرب عليه بسبب استبعاد الثعلب الصغير حازم إمام وسيد عبدالحفيظ.. وعن السبب قال: إن له فلسفته الخاصة، وهو أن لاعب الكرة عندما يهتم بشعره وتجده لامعًا، لا بد أن تعرف أنه لم يعد يركز في الكورة.. حازم كان صاروخًا في 98، ولكن بعد ذلك لم يعد يهتم بلياقته البدنية، وشعر أن اهتمامه انصب على مظهره، ونفس الأمر لسيد عبدالحفيظ.. فلسفة الجوهري أن اللاعب لا بد أن يكون شعره مختلطا بنجيل الملعب.. ووفق خلفيته العسكرية كان يرى أن معسكرات المنتخب أشبه بمعسكرات الجيش، وأن اللاعب يؤدي خدمة وطنية، ولا يجب ان ينظر للمقابل المادي.
الجوهري لم يقتنع بالدوري!!
ولم يكن الراحل الجوهري على قناعة بالدوري المصري، وكل مشاكله مع المسئولين عن كرة القدم المصرية هو الوقت المخصص لتجمعات الفريق الوطني، فهو يدرك أن الكرة الأفريقية تتطور بسرعة الصاروخ، ونحن نتراجع لأن هناك فروقات بدنية وفنية لايعوضها إلا معسكرات أطول للمنتخب المصري.. وكان يسمي الدوري بـ "دوري المكسحين"؛ لأن الأهلي دائما الأول وبفارق عدد كبير من النقاط، عن أقرب منافسيه، بل إن الفارق بين الأول وصاحب المركز الأخير يتجاوز الـ 60 نقطة، ولهذا السبب ألغى الدوري بعد الوصول لمونديال 90.
الجوهري وخروج جثمانه من الأهلي
في أواخر أيامه، وبالتحديد في حديثه الأخير، قال لي إنه يتمنى ختام حياته الرياضية بتدريب الأهلي.. وكان هناك وقتها كلام عن إسناد المهمة للجوهري بعد رحيل المايسترو.. وإذا لم يتحقق هذا الحلم فليخرج جثمانه من النادي الأهلي الذي شهد أحلى فترات عمره، وشاءت الأقدار أن يتوفى في الأردن، ويعود بجنازة عسكرية شيعة خلالها كل محبيه.
الظهور الأخير للجوهري في الجبلاية
كان الراحل الكابتن سمير زاهر على قناعة كاملة بالجوهري، ويثق في قدراته، وعندما نجح في انتخابات 2005 كان القرار بالاستعانة بالكابتن الجوهري كمدير فني للاتحاد.. وبالفعل تم إقناعه مقابل مرتب هو الأكبر آنذاك.. مائة ألف جنيه شهريا.. لم يكن الكابتن حسن شحاتة يحصل على نصف هذا الراتب عندما كان يقود منتخب مصر وقتها.
وبدأ الجوهري يخطط ويرتب أوراقه، ولكنه اصطدم بالوعود الانتخابية لأعضاء اتحاد الكرة، وعز عليه أن أبناءه، شوبير ومجدي عبدالغني وأيمن يونس، يرفضون اقتراحه بإقامة إحدى المسابقات، ولا أنسى لقائي به في استديوهات "دريم"، حيث كان يحلل الدوري عندما حملني رسالة للكابتن سمير زاهر -وهو يعرف حجم علاقتي به - قائلا: "بلغ صاحبك أن كدة خلاص وانا ماشي وهاسيب الجمل بما حمل" !!
لم يكن الجوهري ماديا لدرجة أنني سألته: إن راتبك هو الأقل بالنسبة لمن تولى المهمة غيرك؟!! فكان يقول إن تدريب منتخب مصر هو شرف لأي مدرب والحديث في الفلوس أمر لا يتفق مع شخصيتي لأني أراه تكليفا.. وكل مرة يتم استدعائي لم اكن أنظر للفلوس، ولكن أحمل شنطتي وأعود للمهمة الوطنية.
رحم الله الكابتن محمود الجوهري كان رجلا بما تحمله الكلمة، وكل الأمنيات الطيبة أن يكون له نصيب كبير في احتفال اتحاد الكرة بمرور مائة عام على إنشائه.