فوضى الماجستير والدكتوراه.. رسائل علمية.. على الأرفف "ذلك أفضل جدًا"... وأكاديميون يطالبون بإخضاعها لضوابط صارمة
وتلك منطقة شائكة أخرى، نخوضها بكل شراسة وموضوعية في آن واحد؛ بهدف تصويب مسارات الدراسات العليا في الجامعات المصرية بمختلف تنويعاتها.
أذرع الفساد الطولى وصلت أيضًا إلى منظومة الدراسات العليا وقالت كلمتها وصار لها صولات وجولات. الأزمة لم تعد سرية ولا خاصة بالكواليس، ولكنها صارت كما يقول المثل الشائع: "على عينك يا تاجر". قبل سنوات.. كان الناس ينظرون إلى طلاب الدراسات العليا وحاملى درجتى الماجستير والدكتوراه في التخصصات المختلفة نظرة لا تخلو من توقير وتقدير واحترام، ولكن سرعان ما تبدلت النظرة بعدما توغل الفساد ولعبت لعبته في هذا المضمار أيضًا، حيث تضج الحسابات الشخصية لعدد من الأساتذة الجامعيين المرموقين بوقائع فساد مخجلة تستدعى من أهل الاختصاص التدخل السريع وتصحيح المسار.
وبالتزامن مع فساد ممنهج، فإن هناك فوضى أخرى تتمثل في الأعداد الرهيية من رسائل الماجستير والدكتوراه التي يتم تسجيلها سنويًا بغرض الوجاهة العلمية والاجتماعية والترقى، ولكنها في المجمل لا تقود إلى شئ ذى قيمة حيث تعرف طريقها الوحيد إلى أرفف الجامعات المتربة.
زيادة عدد الخريجين
كشفت التقارير التي صدرت عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع معدل خريجي التعليم العالي في مصر وفقا لآخر إحصائية أعدها الجهاز، وكذلك زيادة معدل المصريين الحاصلين على الدرجات العلمية سواء بالجامعات الحكومية المصرية أو الأجنبية، فقد زاد معدل خريجي التعليم العالي خلال عام 2018 ليصل عددهم إلى 569 ألف خريج، مقابل 537 ألف خريج عام 2017، بزيادة نسبتها 5.9%، وأنه وصل خريجي الجامعات الحكومية عام 2018 بلغ 406 آلاف بنسبة 71.4% من إجمالي خريجي التعليم العالي، مقابل 368 ألف خريج عام 2017 بزيادة بلغت نسبتها 10.6%، فيما بلغ عدد خريجي الجامعات الخاصة 24 ألف خريج، بنسبة 4.2% من إجمالي الخريجين، بزيادة 6.5%.
وبلغ عدد خريجي التعليم العالي من الوافدين 7 آلاف، بنسبة 1.2 ٪ من إجمالي خريجي التعليم العالي، وفي الدرجات العلمية العليا بلغ عدد المقيدين نحو 240.3 ألـف طالب، منهم 60.5% للدبلوم، 29.0 ٪ للماجستير، 10.5٪ للدكتوراه.
وحصل المصريون من الجامعات المصرية والأجنبية عام 2018 على 119.8 ألف درجة علمية (دبــــلوم، ماجستير، دكتوراه)، مقابل 108.1 ألف درجة علمية عام 2017، بزيادة بلغت نسبتها 10.8٪.
وحقق مجال التعليم المرتبة الأولى من إجمالي الدرجات العلمية العليا التي حصل عليها المصريون من الجامعات المصرية والأجنبية عام 2018.. 55.5 ألف درجة علمية بنسبة 46.4٪، يليها مجال الأعمال والإدارة والقانون بـ 21.6 ألف درجة علمية بنسبة 18.1٪، ثم مجال الصحة والرفاه بـ 13.9 ألف درجة علمية بنسبة 11.7%، بينما مجال الخدمات حقق المرتبة الأخيرة بـ 430 درجة علمية بنسبة 0.4٪ من إجمالي الدرجات التي حصل عليها المصريون من الجامعات المصرية عام 2018.
وحققت جامعة أسيوط المرتبة الأولى بين الجامعات المصرية من حيث إجمالي الدرجات العلمية العليا التي حصل عليها المصريون من الجامعات المصرية عام 2018 بعدد 9.7 ألف درجة علمية بنسبة 8.2٪، يليها جامعة عين شمس بعدد 9.3 ألف درجة علمية بنسبة 7.8٪ ثم جامعة القاهرة بعدد 8.1 آلاف درجة علمية بنسبة 6.8٪، يليها جامعة المنصورة بعدد 7.7 ألف درجة علمية بنسبة 6.4٪.
وحققت الجامعة الألمانية المرتبة الأولى بين الجامعات الأجنبية التي حصل المصريون منها على درجـــات علمية عام 2018 بعدد 45 درجة علمية بنسبة 16.0٪، يليهـــا أمريكا بعدد 31 درجة علمية بنسبة 11.0٪، ثم الصين بعدد 30 درجة علمية بنسبة 10.7٪.
الدراسات العليا
وبلغ إجمالي عدد الوافدين الحاصلين على درجات علمية عليا من الجامعات المصرية 2863 وافـــــدًا عام 2018، مقابل 1628 وافدًا عام 2017، بزيادة بلغت نسبتها 75.9 %، وفي ضوء تلك الأرقام كانت هناك حالة من عدم الرضا والاستياء بين أساتذة الجامعات والمتخصصين من تلك الأرقام رغم معدل زيادتها.
ومن جانبه، أكد الدكتور محمد المرسي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، في تصريحات خاصة لـ "فيتو"، أن البحث العلمي يعد من المهام الأساسية للجامعات والركيزة الأساسية لعملية التطوير والتقدم في أي مجتمع، لذلك فإن الجامعات تقوم بدور هام في هذا المجال في مجالات الحياة المختلفة وفقا للتخصصات المتاحة في كل جامعة.
وأوضح أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أنه من الوضع الطبيعي في أي مجتمع هو تشجيع ودعم البحث العلمي والاستفادة من نتائجه في التخطيط والتطوير لمستقبل أفضل؛ لأن أي بحث علمي يبحث ويحلل الواقع ويطرح بدائل لحل المشكلات وتطوير الواقع من خلال نتائج إذا ما وضعت موضع التطبيق من شأنها أن تغير من الواقع إلى الأفضل.
البحوث الإعلامية
وقال المرسي، إنه فيما يتعلق بمجال الإعلام هناك مئات البحوث العلمية من خلال رسائل الماجستير والدكتوراه وغيرها من بحوث الأساتذة في كليات وأقسام الإعلام المختلفة في مصر تبحث في كافة جوانب المنظومة الإعلامية المصرية واقعا وشكلا ومضمونا وتصل إلى نتائج وتوصيات مهمة إذا ما وضعت موضع التطبيق واذا ما وجدت الاهتمام من شأنها أن تغير من الواقع الإعلامي إلى الأفضل.
ولكن فإن هذه البحوث في غالبيتها رغم ما أنفق عليها من وقت وجهد ومال وما توصلت إليه من نتائج لا تجد اهتماما أو سبيلا للتطبيق من المؤسسات الإعلامية أو الجهات المنوطة بتطوير المنظومة الإعلامية في مصر ويكون في النهاية مصير غالبية هذه البحوث كما نعايشها هو أرفف المكتبات.
وأشار إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى مراجعة ووقفة حقيقية وتنظيم وتعاون حقيقي في مجال البحث العلمي بين الواقع الأكاديمي الإعلامي ممثلا في كليات وأقسام الإعلام والواقع العملي الإعلامي ممثلا في المؤسسات الإعلامية والجهات المنظمة للإعلام.
فيما قال الدكتور وائل كامل، الأستاذ بجامعة حلوان، إن ارتفاع اعداد دراسات الماجستير والدكتوراه والابحاث العلمية هو في حد ذاته أمر جيد ومطلوب.. ولكن من المفترض أن يتم بناء على خطة محددة الملامح تخدم في المقام الأول المجتمع لتساهم في تقدمه وحل مشكلاته، بالتوازي مع اهتمام الدولة بالبحث العلمي فعلا لا قولا ورصد موازنة كافية لدعمه وتشجيعه.
وتحسين رواتب القائمين عليه وتطوير بنيته التحتية وتوفير مستلزمات المعامل والمعدات وتسهيل الإجراءات، ومنح مزايا لمؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في تطبيقه وخروجه للنور.
الإنتاج العلمي
وأضاف الدكتور وائل كامل أن الواقع يبين أن الإنتاج العلمي يتم على نفقة الباحث بشكل كامل وبدون توفير المناخ الملائم له والإمكانيات المادية اللازمة لأدواته ومستلزماته في ظل رواتب ضعيفه جدا وثابتة منذ عام ٢٠١٥، ولهذا وبدلا من أن يكون الإنتاج العلمي هدفا إبداعيا تحول لهدف للترقي والحصول على بضعة جنيهات برواتب الدرجة المالية التالية.
وبالتالي اختيار موضوعات الدراسات أصبح يخضع لمعيار الأقل تكلفة والأسرع في الوقت والأقل في التعرض للروتين الحكومي والقيود المفروضة على الباحث، مضيفًا: بخلاف الأعباء الملقاة على عاتق الباحثين من تكليفات ومهام ودورات تنمية قدرات ورسوم للنشر العلمي بمبالغ كبيره يتحملها الباحث على نفقته الخاصة.
وأكد أنه بدلا من إصلاح رواتب الباحثين وتكلفة أبحاثهم ومستلزمات المعامل، فقد تم رفع قيمة مكافآت للمشرفين على الرسائل العلمية ورفع قيمة جلسات المناقشات، وبالتالي أغلب موضوعات الرسائل يتم الموافقة عليها وتمرر لأن الرفض معناه خسارة مكافأة للمشرف والمناقش في ظل رواتب ضعيفة، ومع اختفاء دور الدولة في المساعدة على خروج الأبحاث الجيدة للنور أصبح مصيرها أرفف المكتبات بأعداد كبيرة.
المجتمع المدني
وأشار إلى أن الحل يكمن في أن تضع الدولة بالتعاون مع المؤسسات الاكاديمية والمجتمع المدني خطة بحثية مدروسة وواضحة المعالم مرتبطة بمشكلات المجتمع في المقام الأول، وتوزع على الجامعات والمؤسسات البحثية كلا على حسب تخصصه ومحافظته، مع تطوير المعامل ورفع موازنة البحث العلمي ورواتب القائمين عليه وجعل الراتب وحدة واحدة بدون تقسيمات.
وإزالة كافة العراقيل أمام الدارسين وتتحمل مؤسساتهم تكلفة الطباعة والنشر ودورات تنمية القدرات وحجز قاعة المناقشة وكافة الأعباء الأخرى ليتفرغ الباحث لعمله والإبداع فيه.
فيما قال الدكتور محمد عبد العزيز، الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس، إن الرسائل العلمية من المفترض أن تخضع لقواعد تنظمها اللوائح الجامعية، وهي التي تختلف من كلية إلى أخرى وفقا للتخصص، ولكن من المفترض أن تكون تلك الرسائل خاضعة لخطة إستراتيجية لكل جامعة تحددها خطة الدولة، مؤكدا أنه ينبغي قبل إقرار تسجيل الرسالة ومناقشتها ضرورة التأكد من ذلك، وهو ما لايحدث في الغالب معتمدا على قرارات مجالس الأقسام والتي غالبا ماتسير وفق أمور ينقصها الشفافية وعدم الحيادية بمعيار الخطة الإستراتيجية للجامعة.
لجان المناقشة
وأضاف أن لجان مناقشة الرسائل يشوبها الكثير من غياب الشفافية؛ لأنها تعتمد على اختيار لجان الحكم والمناقشة بطريقة بها خلل كبير، وتفتح الطريق لغياب الشفافية لذلك لابد من اعادة النظر فيها، مؤكدا أن منظومة رسائل الماجستير والدكتوراه ينبغي إعادة النظر بها بالكامل بما يترتب عليها من هذا العدد الضخم والذي ينعكس على مستوى وأداء عضو هيئة التدريس.
وأوضح عبد العزيز أنه هناك مكاتب بعينها تقوم بإعداد الرسائل العلمية في العديد من التخصصات بمقابل مادي دون وجود رقيب متسائلا: أين مجالس الأقسام ومجالس الدراسات العليا من هذا الأمر؟، مشيرا إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى ضوابط، وإعادة النظر لما فيه مصلحة الوطن والسمعة العلمية.
نقلًا عن العدد الورقي..،