فوضى الماجستير والدكتوراه.. الدراسات العليا محسوبية ومجاملات وأشياء أخرى.. وأستاذ قانون: "اللجان العلمية تصفي العلماء"
وتلك منطقة شائكة أخرى، نخوضها بكل شراسة وموضوعية في آن واحد؛ بهدف تصويب مسارات الدراسات العليا في الجامعات المصرية بمختلف تنويعاتها.
فساد الدراسات العليا
أذرع الفساد الطولى وصلت أيضًا إلى منظومة الدراسات العليا وقالت كلمتها وصار لها صولات وجولات. الأزمة لم تعد سرية ولا خاصة بالكواليس، ولكنها صارت كما يقول المثل الشائع: "على عينك يا تاجر".
قبل سنوات.. كان الناس ينظرون إلى طلاب الدراسات العليا وحاملى درجتى الماجستير والدكتوراه في التخصصات المختلفة نظرة لا تخلو من توقير وتقدير واحترام، ولكن سرعان ما تبدلت النظرة بعدما توغل الفساد ولعبت لعبته في هذا المضمار أيضًا، حيث تضج الحسابات الشخصية لعدد من الأساتذة الجامعيين المرموقين بوقائع فساد مخجلة تستدعى من أهل الاختصاص التدخل السريع وتصحيح المسار.
وبالتزامن مع فساد ممنهج، فإن هناك فوضى أخرى تتمثل في الأعداد الرهيبة من رسائل الماجستير والدكتوراه التي يتم تسجيلها سنويًا بغرض الوجاهة العلمية والاجتماعية والترقى، ولكنها في المجمل لا تقود إلى شيء ذى قيمة حيث تعرف طريقها الوحيد إلى أرفف الجامعات المتربة.
"شهادات الداخل أصبحت مشاعًا.. وشهادات الخارج أصبحت مسعّرة"، بتلك الجملة وصف بعض المهتمين ما آل إليه حال البحث العلمي المصري في الجامعات المصرية خلال الآونة الأخيرة، وهو ما يترجم تحت عنوان "فوضى الدراسات العليا"، محسوبية ومجاملات تطال بعض الجهات أو اللجان العلمية المختصة بالإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه في أي من الجامعات المصرية، وهذا ما أكده أحد الأساتذة الذي أشرف على شن حملة ضد الفوضى والانتهاكات التي تطال "قدس أقداس التعليم العالي" وهو البحث العلمي، بالرغم من المؤتمرات والندوات التي كثيرا ما عقدت ونظمت لدراسة هذا الأمر.
قضية رأي عام
منذ عدة سنوات ربما ثلاث سنوات أو أكثر، عقدت إحدى الجامعات الخاصة مؤتمرا للحديث عن قضية تطوير الدراسات العليا والبحث العلمي المصري، بعد أن أصبح هذا الأمر بمثابة القضية التي يتحدث عنها الرأي العام كله، بعد أن شاب هذا القطاع الكثير من الشبهات، وأصبح "الفساد" على حد قول الكثيرين هو اليد المسيطرة على عملية التحريك الداخلية في قطاع البحث العلمي.
خرج البعض حينها ليحتج على أن المؤتمر اقتصر دوره على التطوير وليس للقضاء على الفساد، بينما احتج البعض الآخر على أن المؤتمر اقتصر في حديثه عن الإعلام فقط، دون المجالات الأخرى بعد أن أثبت خلاله وجود 20 كلية إعلام في مصر بعد أن كانت المعتمدة في القاهرة والأزهر فحسب، أيضا تناول هذا المؤتمر قضية تؤكد وجود مئات الرسائل في عام واحد في كلية واحدة، مثلا أُثبت وجود 300 رسالة فقط في كلية الإعلام في عام واحد فقط، بينما يشرف أستاذ جامعي واحد على عشرات الرسائل!
صور أخرى للانتهاكات والفوضى شابت قطاع البحث العلمي (الماجستير والدكتوراه) والمجاملات التي باتت تسيطر على المشهد، مما دفع الدكتور هشام البدري أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق بجامعة المنوفية، أن يتبنى قضايا الدراسات العليا.
وذلك بالتزامن مع نشوب أزمة بينه وبين إدارة الجامعة وبعض أساتذة كلية الحقوق بسبب اعتراضه على اللائحة الحديثة الخاصة باعتماد "الساعات المعتمدة" في تدريس الماجستير والدكتوراه في كلية الحقوق، فضلا عن رصده وبالمستندات الكثير من الانتهاكات والتجاوزات التي شابت اللجان العلمية المختصة بمتابعة عملية سير الدراسات العليا.
وفي مَعرض حديثه عما يتعرض له البحث العلمي من انتهاكات متتالية وما يترتب عليه من تراجع قيمة رسائل الماجستير والدكتوراه تطرق هشام البدري إلى صور عدة لتلك الانتهاكات والتي لمسها بصفته يعمل محاميا أيضا وليس أستاذا جامعيا فحسب.
تصفية العلماء
وصف البدري اللجان العلمية التي تشرف على رسائل الدكتوراه والماجستير في بعض جامعات مصر، بأنها تختص بالقضاء على أي طالب علم فذ أو متفوق على حساب آخر قد يدخل إلى غمار البحث العلمي، على سبيل المجاملة، على حد قوله، حيث قال في حديثه لـ "فيتو": "اللجان العلمية في مصر تشرف على تصفية العلماء في مصر، لأن كل من لا يقدم فروض الولاء والطاعة في اللجنة يلقى عقابه بإخفاقه.
وبعض من رقوا وتولوا المناصب العليا، وليس جميعهم، هم أناس تشوبهم بعض الاتهامات بعدم أحقيتهم في أن يصلوا إلى هذه المرتبة، حيث تفاجأ بأبناء الأساتذة معيدين "فارغين" من الناحية العلمية تماما.. الانتهاكات الخاصة بتعيين أبناء الأساتذة على حساب طلبة آخرين هم الأكثر أحقية في أن يرقوا إلى هذه المناصب".
مشددا على أنه منذ انتشار أفراد جماعة الإخوان في الجامعات وتقلدهم بعض المناصب أدى إلى انتشار الكثير من أوجه الفساد العلمي في حرم الجامعة.
ترقيات مجاملة
أكد البدري أن مرحلة الدراسات العليا عادة ما يُدرس بها كتب هشة لأساتذة تمت ترقيتهم "مجاملةً" مما ينعكس سلبا على تلقى طالب الماجستير، مشيرا إلى أن من أهم أوجه الانتهاك الذي يتعرض له البحث العلمي المصري، إلغاء قاعات البحث العلمي في ظل تطبيق الساعات المعتمدة؛ مما أدى إلى تقليص الساعات التي يتواجد بها الطالب الخاص بالماجستير في القاعة.. والمحاضرة أصبحت لا تتعدى الساعة ونصف.
متابعا: "يضيع معظمها في السخرية والضحك والقصص المجتمعية الجانبية، وتم إلغاء نصف المناهج بسبب قلة ساعات الدراسة".
واختتم البدري حديثه لـ "فيتو"، قائلا: "بعض لجان الإشراف على الدراسات العليا في مصر تقوم في الأساس على المجاملات، فيفوز لديهم فقط من يستطيع أن ينافق و"يطبل" لأن طبيعة العالم السليم لا ينافق.. اللجان العلمية في مصر لا ترقي العلماء الحقيقيين بل ترقي من ينافقها فحسب، يمكننا أن نجد طالب ماجستير كفؤا ولكنه لا ينال رضا أعضاء اللجنة العلمية، الذين تمت ترقيتهم بغير حق خلال السبع سنوات الأخيرة".
وأشار إلى أن أضعف الأدوار التي تقوم بها الجامعات في الفترة الحالية، والذي يكاد يكون صفرا، هو الدور البحثي، في إشارة منه إلى أن الجامعات تحمل 3 وظائف، أهمها والذي يشغل 70% من وجود الجامعة هو البحث العلمي، تليه الوظيفتان الخاصتان بالتعليم الجامعي وتحسين البيئة المحيطة.
انتهاك البحث العلمي
على الجانب الآخر، أكدت الدكتورة ليلى عبدالمجيد أستاذ الصحافة والإعلام بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن الانتهاكات التي تشوب البحث العلمي المصري ما هي إلا حالات فردية قد تقع في بعض الكليات وخاصة الكليات في الجامعات الإقليمية حديثة العهد بالدراسات العليا.
متابعة: "في كلياتنا ويمكن أن أتحدث هنا عن كلية الإعلام، نحن لدينا قوانين ولوائح وضوابط ومجالس أقسام وميثاق شرف.. كل من يخالفه أثناء الدراسة أو أثناء البحث العلمي، وأيا ما كانت الصفة الاعتبارية لهذا الشخص، يتم تحويله للجنة الحكماء المعنية بتلك الحالات"، مشددة على أنه لم يتم رصد مثل هذه الحالات في الكلية وربما تقع لكن سرعان ما يتم حلها قبل أن تصل إلى الأساتذة بالكلية.
كما أشارت أستاذ الإعلام إلى أن شكاوى الطلاب جميعها تحمل صفة "العادية"، فهي تتمثل في أن بعض المشرفين يقومون بتعطيل الدراسة لبعض الوقت، بينما لم يتم رصد أي مخالفة أو مجاملة أو تقديم أي نوع من الهدايا لأعضاء اللجنة من أجل التأثير عليهم في تقييم الرسالة.
نقلًا عن العدد الورقي...