" صاحب صاحبه وعاشق للنكنة " .. نجيب محفوظ الذى لا تعرفه
14 عاما على رحيل الأديب نجيب محفوظ ، ولازال صاحب نوبل حاضرا فى أذهاننا ، ربما نراه يوميا على شاشات التليفزيون من خلال أحد أعماله أو نقرأ أحد عباراته على مواقع التواصل الإجتماعى ونطالع صورة على مواقع البحث .. مشوار طويل حفره طيلة 77 عاما جعله حيا بسيرته بين الآجيال .
فى جريدة الأهرام
وبعد وفاة الأديب نجيب محفوظ فى 30 أغسطس عام 2006، كتب الكاتب الصحفى رجاء النقاش يحكى عن المشوار الطويل
للأديب نجيب محفوظ قال فيه: "مشوار طويل من الفن والحياة ، طوله بالسنوات 77 عاما
وطوله بالأعمال الفنية 49 عملا أدبيا بين رواية وقصة قصيرة ومسرحية ، أما
البطل فهو رجل متوسط الطول نحيف جدا يعانى من مرض السكر وضعف السمع ..ولكن قلبه
ملئ بنور الحب وذكاء المعرفة وقوة النبوغ".
وهذا البطل رجل
شديد التواضع صاحب نفس قوية لا تعترف بالأفراح الصاخبة، بطل المشوار ينظر إلى الأمام
فإذا وجد فى طريقه طوبة انحنى وحملها بيديه فى هدوء وألقى بها على جانب الرصيف حتى
لا تعوق مسيرة الآخرين يمشى خمسة كيلو مترات كل يوم منذ نصف قرن ذهابا وإيابا.
فى حى الجمالية
بالحسين ولد نجيب محفوظ فى 11 ديسمبر 1911 وكانت أول جائزة نالها جائزة صغيرة من
وزارة المعارف فى الأربعينات ن أما آخر الجوائز فكانت جائزة نوبل التى نالها فى أكتوبر
1988 ، وبين النقطة الأولى والأخيرة مشوار له تاريخ.
كان أول أجر
تقاضاه عن قصة قصيرة نشرت له فى مجلة الثقافة التى كان يرأس تحريرها الكاتب أحمد
أمين ، هو جنيه مصرى واحد وصل إلى 393 ألف دولار،
مشوار نجيب
محفوظ واحد من المشواير المجيدة والبطولية ، من حى الجمالية أخذ فكرة الحارة التى أصبحت
رمزا للمجتمع وللعالم أى أنه أصبح رمزا للحياة البشرية ، ومن حى الجمالية أخذ
شخصية الفتوة التى تظهر فى كل أدبه والفتوة عند محفوظ هو رمز السلطة فى كل وجوهها
وتقلباتها المختلفة .
وفى مرحلة أدبية
أخرى تصبح الحارة أكبر من المجتمع نفسه وتتحول إلى صورة العالم كاملا بأفكاره
وأقداره وصراعاته مثل أولاد حارتنا والحرافيش ، التى تحملا فلسفة عميقة وبحث فنى
حول صراع الإنسان من أجل المعرفة .
من الجمالية
انتقل نجيب محفوظ إلى العباسية مع أسرته حيث التقى بزملائه وأبناء جيله عبد الحميد
جودة السحار وإحسان عبد القدوس وأستاذ الطفيليات أدهم رجب
حصل على
البكالوريا ثم دراسة الفلسفة فى جامعة فؤاد الأول وتخرج عام 1934 ، وكان التكوين الأساسى له من الشيخ مصطفى عبد
الرازق والصحفى سلامة موسى مزيجا من النظرة المستنيرة إلى التراث العربى والإسلامى
والتطلع الى التجديد الحضارى .
عمل موظفا
بالوزارات الحكومية المختلفة من الجامعة إلى الإرشاد إلى الإعلام والثقافة حتى أحيل
الى المعاش عام 1972 ، رافضا طيلة حياته العمل بالسياسة رغم أن كتاباته كلها قائمة
على فهم عميق للسياسة.
أيضا وضع نجيب محفوظ
خطا فاصلا بين الأدب والصحافة فاختار الأدب ورفض العمل بالصحافة حتى أنه ارتبط أدبيا
بالأهرام 1959 وليس صحفيا .
ومن قرارات نجيب
محفوظ أنه لم يتعجل الزواج حتى تجاوز الأربعين حتى أعطى أدبه ما يحتاج إليه من
تفرغ واهتمام ، وبعد أن تزوج كان حريصا على أن يكون هناك توفيق بين حياته العامة
وحياته الخاصة مما يدل على صفاء الذهن وحسن التقدير للأمور فهو يرى أن كل إنسان
ميسر لما خلق له.
من كل هذا نخرج
بالملامح الشخصية لـ نجيب محفوظ ، فهو شديد الصبر وصاحب بال طويل وصدر واسع يحرص
على الاجتهاد فى تقديم أفضل ما لديه ، يتمتع بنفسية شديدة التسامح والرضا وهو فى
نفس الوقت ابن بلد خفيف الظل حاضر النكتة سريع البديهة.
جانب آخر من
مشوار نجيب محفوظ فى الفن والحياة ففيه صفة الوفاء للناس والأماكن ووفاءه للحرافيش
من أصدقائه وفاء مضرب للأمثال فهو يلتقى بهم أسبوعيا فى لقاء سهل بسيط.
وأخيرا أن مصر
هى البطل الأول والأكبر فى أدب محفوظ فهى فى خلفية جميع أعماله فى المواقف والأحداث
والحوار الذى يدور بين الناس.