يوم عاشوراء بين السُّنة والبدعة
إنَّ لصيام يوم عاشوراء ثواب وأجر خاص به،
فلقد جعل الله لصيام هذا اليوم ثواب عظيم وأجر كبير؛ كما حثَّ النبي صلى الله عليه
وسلم أمَّتَه على صيام هذا اليوم المبارك؛ فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه
قال: "قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ
تَصُومُ يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ: ما هذا؟، قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ هذا يَوْمٌ
نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قالَ: فأنَا
أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ". [أخرجه البخاري ح رقم
(2004) ، ومسلم ح رقم (1130)]
وورد في فضل صيامه ما ورد عن أبي قتادة رضى الله عنه «ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ». [ أخرجه مسلم ح رقم 1162]
هل يجوز صيام يوم عاشوراء منفرداً؟
وذهب بعض الناس إلى المبالغة في تعظيم هذا
اليوم فوقعوا في البدعة التي لا أصل لها، ومن هذه البدع:
التوسع في الاحتفال به حتى جعله البعض عيدًا
من الأعياد، يوسعون فيه على أولادهم وأهليهم، مما أوقعهم في التشبه باليهود، حيث إنهم
كانوا يتخذونه عيدا ويحتفلون فيه، فعنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ
أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا وَيُلْبِسُونَ
نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَصُومُوهُ أَنْتُمْ» [ أخرجه البخاري ح رقم (2005)صحيح مسلم
ح رقم (1131)].
قال ابن رجب: «وهذا يدل على النهي عن اتخاذه
عيدا، وعلى استحباب صيام أعياد المشركين فإن الصوم ينافي اتخاذه عيدا». [لطائف المعارف
ص: 53]
تخصيص ليلة عاشوراء ببعض الطاعات: ظنًّا
منهم أن للطاعة في هذه الليلة بخصوصها ثواب أفضل من غيرها من الليالي.
فيقوم البعض باختصاص هذه الليلة بالقيام
والذكر وقراءة القرآن –خاصة الآيات التي ذكر فيها قصة موسى عليه السلام-، وكل هذا لم
يصح فيه شيء، فلم يصح في فضل يوم عاشوراء سوى الصيام فقط كما ورد عن النبي صلى الله
عليه وسلم.
كذلك من البدع التي يقوم بها البعض في تلك
الليلة: جعل يوم عاشوراء مأتمًا ونياحة، حزناً على قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما،
وهذا لا أصل له في الإسلام، بل هو من فعل الروافض.
قال ابن رجب: وأما اتخاذه مأتما كما تفعله
الرافضة؛ لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنه فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا
وهو يحسب أنه يحسن صنعا ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم
مأتما فكيف بمن دونهم. [لطائف المعارف ص: 54]
فضل صيام يوم عاشوراء ولماذا سمي بذلك الاسم ؟
وقال ابن القيم في الأحاديث التي وردت في
شأن يوم عاشوراء: «وَمِنْهَا أَحَادِيثُ الاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَالتَّزَيُّنِ
وَالتَّوْسِعَةِ وَالصَّلاةِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلَ لا يَصِحُّ مِنْهَا
شَيْءٌ وَلا حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَلا يَثْبُتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ أَحَادِيثِ صِيَامِهِ وَمَا عَدَاهَا فَبَاطِلٌ، وَأَمْثَلُ
مَا فِيهَا "مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ
عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ"
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: "لا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ"، وَأَمَّا حَدِيثُ الاكْتِحَالِ وَالأَدْهَانِ وَالتَّطَيُّبِ فَمِنْ وَضْعِ الْكَذَّابِينَ، وَقَابَلَهُمْ آخَرُونَ فَاتَّخَذُوهُ يَوْمَ تَأَلُّمٍ وَحُزْنٍ وَالطَّائِفَتَانِ مُبْتَدِعَتَانِ خَارِجَتَانِ عَنِ السُّنَّةِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَفْعَلُونَ فِيهِ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّوْمِ وَيَجْتَنِبُونَ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّيْطَانُ مِنَ الْبِدَعِ». [ٍ المنار المنيف في الصحيح والضعيف (ص:111 وما بعدها)]
فمن ذلك نعلم أن: السُّنة الواردة عن النبيِّ
صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء هي الصيام فقط باتفاق العلماء، وما عدا ذلك فهو
من البدع التي ينبغي على المسلم أن يترفع عنها.