رئيس التحرير
عصام كامل

شركة أمريكية تبدأ في استخدام رقاقات إلكترونية لربط العقول بالحواسيب

إيلون ماسك
إيلون ماسك

تقوم شركة «Neuralink» السرية لعلوم الأعصاب ببناء واجهة بين الدماغ والآلات التكنولوجية من خلال رقاقة صغيرة أو روبوت صغير يتم تثبيته داخل الجمجمة.


ومن المتوقع أن تكشف شركة «Neuralink»، والتي يدعمها رجل الأعمال ومؤسس شركة "Space X» للفضاء إيلون ماسك، عن مزيد من التفاصيل حول خططها لربط أجهزة الكمبيوتر بأدمغة بشرية اليوم الجمعة في بث مباشر.

 

 

تقديم التكنولوجيا من خلال بث مباشر


وبينما لا يزال تطوير هذه التقنية المستقبلية في مراحله الأولى، من المتوقع أن يوضح العرض التقديمي الإصدار الثاني من جهاز آلي صغير يقوم بإدخال خيوط قطب كهربائي صغيرة عبر الجمجمة وفي الدماغ.

وبحسب صحيفة «VOX» الأمريكية، فإن هذا المسعى المدعوم من إيلون ماسك طموح بشكل لا يصدق، لكنه يبُني على سنوات من البحث في واجهات الدماغ والآلة.


وواجهة الدماغ والآلة هي تقنية تسمح لجهاز مثل الكمبيوتر بالتفاعل والتواصل مع الدماغ.

 

 

أهداف المشروع

 

وتهدف شركة Neuralink، على وجه الخصوص، إلى بناء رابط قوي بشكل غير مسبوق بين الدماغ والآلة، عن طريق جهاز يتمتع بالقدرة على التعامل مع الكثير من البيانات التي يمكن إدخالها في عملية جراحية بسيطة نسبيًا، وهدفه قصير المدى هو "مساعدة الأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية معينة".

 

ويعتبر الوضع الفعلي لأبحاث شركة «Neuralink» غامض إلى حد ما، ولكن ماسك قال بالفعل إن المشروع سمح للقرد بالتحكم في جهاز الكمبيوتر بعقله.

 

 


 

وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد عرضت شركة Neuralink نظامًا به 1500 قطب كهربائي متصل بفأر المختبر في عام 2019، ومنذ ذلك الحين اكتفى ماسك بالتلميح حول تقدم الشركة في أبحاث المشروع، بالرغم من أن المشاركين في المشروع لم يكونوا متأكدين بشكل عام من حالة البحث.

 

وعلى الأرجح سنكتشف المزيد من التفاصيل خلال عرض اليوم الجمعة، إذ تقول شركة Neuralink إنها ستنشر رابطًا لبث مباشر على موقعها الإلكتروني قبل بدء العرض التوضيحي في تمام الساعة الـ 12 بالتوقيت المحلي المصري، أي بعد نحو ساعة من الآن.

 

ويريد إيلون ماسك من شركة Neuralink أن تفعل ما هو أكثر بكثير من معالجة حالات صحية معينة، فهو يرى التكنولوجيا كفرصة لبناء واجهة بين الدماغ والحاسوب متاحة على نطاق واسع للمستهلكين، والتي يعتقد أنها يمكن أن تساعد البشر على مواكبة الذكاء الاصطناعي المتزايد القوة.

 

 


 

وعلى الرغم من تواضعه، فإن بحث Neuralink ينذر بالفعل كيف يمكن لهذه التكنولوجيا ذات يوم أن تغير الحياة كما نعرفها، كما أنه في الوقت نفسه تذكير علي أن الاندماج المحتمل في نهاية المطاف للبشر مع أجهزة الكمبيوتر مقدّر له طرح مجموعة واسعة من الأسئلة الأخلاقية والاجتماعية التي ربما ينبغي أن نبدأ في التفكير فيها الآن، إذ تريد الشركة ربط العقول بأجهزة الكمبيوتر، ولكن هذا سيستغرق بعض الوقت.

 

تأسيس الشركة

 

وتأسست شركة Neuralink في عام 2016، وهي شركة تكنولوجيا علوم الأعصاب، تركز على بناء أنظمة ذات خيوط رفيعة للغاية تحمل الأقطاب الكهربائية، وعند زرعها في الدماغ، تشكل هذه الخيوط قناة عالية السعة لجهاز الكمبيوتر للتواصل مع الدماغ، وهو نظام يفترض أن يكون أقوى بكثير من واجهات الدماغ والآلة الحالية التي يتم البحث عنها.

 

 

عوائق المشروع

 

ومن ضمن العوائق الرئيسية لإدخال هذه الأسلاك الصغيرة في الدماغ، والتي تكون أرق من خصلة شعر الإنسان، هو في الواقع تمريرها عبر الجمجمة، ولهذا السبب تعمل Neuralink أيضًا على تطوير روبوت صغير للغاية قادر علي الربط بين البشر والأقطاب الكهربائية في النهاية، وتعتبر الفكرة هي جعل الجراحة مكثفة مثل عملية الليزك للعين.

 

من جانبه، أشار مدير مختبر تحفيز الدماغ في ستانفورد، نولان ويليامز، إلى أن التحفيز العميق المستخدم لمرضى "باركنسون" يعتبر مثالا لربط الدماغ بأجهزة الكمبيوتر قائلاً: "لقد قمنا بربط أشكال من أجهزة الكمبيوتر بالعقول لمدة 20 أو 30 عامًا بالفعل".


يشار إلي أن مرض باركنسون هو اضطراب مترقٍّ يصيب الجهاز العصبي ويؤثر على الحركة. تبدأ الأعراض تدريجيًّا، وفي بعض الأحيان تبدأ برعشة قد لا تُلحظ في يد واحدة، ثم يتفاقم بمرور الوقت. بالرغم من شيوع الرعاش، فإن الإضراب يسبب تيبُّسًا وبطء الحركة بكثرة أيضًا.


وأوضح ويليامز أن "الدماغ نفسه يستخدم ترددات معينة وأنواعًا معينة من العتبات الكهربائية للتواصل مع نفسه"، مضيفا: "عقلك عبارة عن سلسلة من الدوائر التي تتواصل وتتواصل فيما بينها".


وفي الأساس، يمكن للواجهة بين الدماغ والآلة أن تستخدم الكهرباء التي يستخدمها الدماغ بالفعل للعمل جنبًا إلى جنب مع سلسلة من الأقطاب الكهربائية لتوصيل الدماغ بآلة.

 

وتستشهد شركة Neuralink بأمثلة سابقة استخدم فيها البشر الأقطاب الكهربائية للتحكم في المؤشرات والأطراف الروبوتية باستخدام عقولهم كأساس لنظامها، ولكن الجديد في خطة Neuralink هو جعل عملية توصيل الجهاز بالدماغ في حدها الأدنى، مع زيادة عدد الأقطاب الكهربائية بشكل كبير، حيث أن الفكرة الأساسية هي جعل واجهات الدماغ والآلة ليس فقط أسهل في التثبيت ولكن أيضًا أكثر قوة.


ولا يزال البحث في مراحله المبكرة، ومع تقدمه من المحتمل أن يتطلب التركيز على كيفية مساعدة التكنولوجيا للأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية محددة وخطيرة أولاً، وفقًا لما ذكره أستاذ جراحة الأعصاب في جامعة ستانفورد ماهين أدامسون.


كما أن التطبيقات الطبية لهذه التكنولوجيا يمكن أن تكون واسعة النطاق، فإن نقلها من حالتها الحالية الوليدة يتطلب إشرافًا وثيقًا من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية والهيئات الرقابية، والتي لم تعلق بشكل خاص حتي الآن على أبحاث شركة Neuralink.

 

 

خروج الذكاء الاصطناعي عن سيطرة البشر


ولكن خطط Neuralink تتجاوز علاج حالات معينة، إذ قالت الشركة إنها تأمل في السماح للناس بـ "الحفاظ على أدمغتهم وتعزيزها" و "خلق مستقبل جيد التوافق"، في حين أن هذا قد لا يبدو وكأنه حاجة ملحة بشكل خاص للشخص العادي.

 

بالإضافة إلى أن المشروع يتناسب مع مخاوف ماسك طويلة الأمد بشأن الذكاء الاصطناعي، إذ أكد ماسك سابقًا أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أكثر خطورة من الأسلحة النووية، محذرا من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح قويًا جدًا وبسرعة كبيرة، ما قد يمنع البشر من كبحه والسيطرة عليه.

 

وأوضح ماسك أن الهدف النهائي لشركة Neuralink أثناء إطلاقها عام 2019، هو "واجهة كاملة بين الدماغ والآلة" من شأنها تحقيق "التعايش مع الذكاء الاصطناعي".

 

 

أمثلة سابقة


وتعتبر شركة Neuralink و إيلون ماسك، ليسا وحدهما المهتمين بواجهات الدماغ والآلة، فشركة فيسبوك على سبيل المثال، تعمل بجد على أبحاثها الخاصة بواجهة الدماغ والآلة مع جامعة كاليفورنيا، إذ تتطلع الشركة إلى إنشاء طريقة للتواصل مع أجهزة الكمبيوتر "بدون استخدام اليدين"، وقد شاركت الشركة بعض النتائج الأولية في العام الماضي.

 

وطورت الشركة الناشئة «Facebook CTRL-Labs»، تقنية تقيس نشاط الخلايا العصبية من خلال جهاز يمكن ارتداؤه على الذراع، من أجل التحكم في النشاط الرقمي.

 

من جهته، قال ستيفن تشيس، من معهد كارنيجي ميلون للعلوم العصبية: "هذا شيء يتم القيام به اليوم.. هناك تجارب سريرية جارية في الوقت الحالي حيث يتم زرع أقطاب كهربائية في أدمغة مرضى الشلل الرباعي، ويستخدمون تلك الأقطاب والنشاط العصبي المسجل على تلك الأقطاب الكهربائية للتحكم في الأجهزة الخارجية، مثل المؤشرات الموجودة على شاشات الكمبيوتر أو الأذرع الروبوتية".

 

وظهرت بعض الأبحاث الطبية الأولى في مثل هذه التكنولوجيا في النصف الثاني من القرن العشرين، وإلى حد ما ، توجد حاليًا واجهات بين الدماغ والآلة بقدرات محدودة، إذ شهدت الثمانينيات اختراع كل من التحفيز العميق للدماغ وما يسمى بالتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، والذي يستخدم "المجالات المغناطيسية لتحفيز الخلايا العصبية في الدماغ"، والتي يمكن استخدامها لعلاج مرضى الاكتئاب.

 

كما أنه في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، ظهر BrainGate ، وهو جهاز تجريبي يستخدم مجموعة من الأقطاب الكهربائية لترجمة الرغبة في نقل الأطراف من الدماغ إلى الجهاز، والذي لا يزال قيد البحث.

 

وفي نفس السياق، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في عام 2013 على نظام يسمى RNS Simulator الذي يطلق إشارات كهربائية صغيرة في الدماغ لوقف النوبات لدى بعض مرضى الصرع.

 

فيما قال كبير مهندسي الأبحاث في مؤسسة RAND، تيم مارلر: "إن فكرة إرسال الأفكار المعقدة لاسلكيًا حول العالم بعيدة جدًا.. بعيدة جدًا عن حياتنا..هذا بالتأكيد ليس خيال علمي.. ستكون ناضجة وعملية وتجارية في نهاية المطاف.. ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به".

 

والمريب في الأمر، أن هناك فجوة تقنية كبيرة بين ما هو ممكن حاليًا في مختبرات الأبحاث اليوم، والمفهوم الذي يتخيله إيلون ماسك، والذي يتطلب أجهزة يمكنها التعامل مع كمية كبيرة من المعلومات التي تدخل إلى الدماغ وتخرج منه.

 

ومن الآمال المعلقة علي تقنية واجهة الدماغ والآلة، هو أنها يمكن أن تساعد الأشخاص المصابين بالشلل في نهاية المطاف على إكمال المهام اليومية بأنفسهم، كما أوضح تشيس من جامعة كارنيجي ميلون، "إن أهم شيء يريده هؤلاء المرضى هو الاستقلال.. هذه التكنولوجيا لديها القدرة على أن تقدم لهم ذلك".

 

 

مخاوف أخلاقية

 

ولكن بالإضافة إلى التحديات التكنولوجية ، فإن تطوير واجهات الدماغ والآلة يدخل أيضًا في منطقة أخلاقية وقانونية مجهولة، حيث أصدر مركز الأبحاث RAND الذي تموله الحكومة تقريرًا عن الحاجة إلى سياسات حول استخدام واجهات الدماغ والآلة في السياق العسكري، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تثير مخاوف جديدة مثل القرصنة على نطاق واسع، مثل "الأجهزة التي يمكنها بشكل أساسي تجريد البيانات من عقلك.. بما في ذلك الحالات النفسية والعاطفية للأشخاص.. كما أن الآثار المترتبة على الخصوصية لواجهات الدماغ والآلة هائلة أيضًا".

 

من جانبه، أوضح الباحث المتخصص في علم الأعصاب مارسيلو إينكا لصحيفة «VOX» الأمريكية: "إذا كانت أجهزة قراءة الدماغ لديها القدرة على قراءة محتوى الأفكار، فستهتم الحكومات في السنوات القادمة باستخدام هذه التقنية للاستجوابات والتحقيقات".

 

كما أثار المراقبون سيناريو آخر مقلقًا، وهو "عالم لا تتوفر فيه هذه التكنولوجيا إلا للأثرياء، ما قد يخلق فجوة تكنولوجية شديدة بين الناس.. ثم هناك مخاطر صحية غير متوقعة لإدخال أجهزة الكمبيوتر جراحيًا في أدمغة البشر".

 

وعلى الرغم من عدم وجود سبب يدعو للقلق كثيرًا بشأن ذلك في الوقت الحالي، فإن الإعلان الكبير التالي لشركة Neuralink هو علامة على أن فكرة ربط العقول البشرية بأجهزة الكمبيوتر بشكل أكثر انتظامًا أصبحت حقيقة واقعة بسرعة.

الجريدة الرسمية