رئيس التحرير
عصام كامل

100 عام على اتفاقية «مصنع الخزف».. وضعتها إيطاليا وفرنسا وبريطانيا لـ«تقسيم الشرق الأوسط».. و«فوضى» منتظرة مع الرئيس الأمريكي الجديد

دونالد ترامب
دونالد ترامب

قبل مائة عام، وتحديدا في أغسطس من العام 1920، اجتمع مسئولون فرنسيون وبريطانيون وإيطاليون في مصنع شهير للخزف يقع جنوب غرب باريس، للاتفاق على رسم صورة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، عبر مفاوضات جرت بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وفرضت الاتفاقية شروطًا ضد العثمانيين أكثر صرامة من تلك التي فرضت على ألمانيا في معاهدة فرساي في وقت سابق من العام نفسه وغيرت معالم المنطقة. 

 

شرق أوسط حديث


مائة عام مرت على الاتفاقية التي أسست الشرق الأوسط الحديث الموقعة في مثل هذا الأسبوع قبل قرن من الزمان في فرنسا، والتي تم فيها التهيئة لشرق أوسط جديد على أيدي القوى الأوروبية، إلا أن هذه الاتفاقية ما زالت تعطي إشاراتها وتؤثر على التحركات في منطقة الشرق الأوسط.

 

وكان للخطة الرئيسية التي حددتها الاتفاقية «إرث طويل»، حيث حددت جزئيًا بشكل مسبق الحدود والمستقبل لسياسي لدول مثل سرائيل وسوريا ولبنان والعراق وبسبب ما تسببت فيه هذه الاتفاقية من تغييرات كبيرة لم يذكرها الغرب على اعتبارها سيئة السمعة مثل اتفاقية سايكس بيكو.


اتفاقية «مصنع الخزف» قسمت بلدان شرق المتوسط، حيث أخضعت فلسطين للانتداب البريطاني ولبنان وسوريا للانتداب الفرنسي، وتوالت الخطط عقب ذلك وصولا لمصطلح الشرق الأوسط الكبير وفقًا للرؤية الاستعمارية، إلى أن جاءت موجة الربيع العربي التي كانت محاولة لتجسيد تلك المخططات وتفتيت المنطقة.. فماذا عن مستقبل الشرق الأوسط والسيناريوهات المتوقعة لا سيما بعد اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي وما تيرم به المنطقة حاليا؟

 

صفقة القرن

 

مصدر مطلع – تحفظ على ذكر اسمه- أفاد بأنه «من الواضح أن صفقة القرن التي جرى الحديث عنها في الأشهر الماضية تعثرت تمامًا، وربما هذا ما دفع الإمارات أن تاخذ سلوكًا منفردًا كشف عن اتصالات مستمرة ومستترة وبشكل دائم بين الإمارات وإسرائيل».

 

الرئيس الأمريكي الجديد

 

وأضاف: ليس هناك خطوط واضحة في المنطقة حاليًا نحن بعد شهرين سنكون أمام رئيس أمريكي جديد قد يكون دونالد ترامب وقد يكون جو بايدن وهذه نقطة بلا شك في غاية الأهمية وستحدد خطوطا عريضة في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة، لا سيما وأن أمريكا تلعب دورًا بارزًا في المنطقة، والدول الإقليمية مهما تصورت أنها تستطيع أن ترسم خطوطا حمراء إلا أنه دائمًا الدول الكبرى أو القوى العظمى هي التي تحدد ماهية الأمور.

 

ونحن ننتظر جميعا موقف الرئيس الأمريكي الجديد سواء ترامب أو بايدن، وبشكل عام من الواضح أن هناك ترددا من الجميع في المنطقة، إلا أن الوضع يمكن وصفه بأنه فوضى عارمة سوف تستمر لفترة قادمة، وستكون مرتبطة بالرئيس الأمريكي الجديد بشكل أو بآخر، ولكن سيظل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قائما وسيتسمر الصراع الخليجي الإيراني قائما وستظل عدم الثقة في ليبيا حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار قائمة.


في السياق ذاته أوضح الدكتور أيمن سمير، الخبير في الشأن الدولي، أن مفهوم الشرق الأوسط متعدد، فالبعض يقول الشرق الأوسط الكبير والبعض الآخر يقول الشرق الأوسط الواسع، والكلمة تضم دولا غير عربية أي أن مفهوم الشرق الأوسط ليس معناه الدول العربية فقط، لأنه يضم تركيا وإيارن وباكستان وأفغانستان وهو إقليم واسع أكبر كثيرًا من المنطقة العربية.

 

وأضاف أن «أكثر المنظرين لفكرة الشرق الأوسط الكبير هو الفيلسوف الأمريكي الشهير برنارد لويس الذي تحدث عن تفكيك الدول العربية على أسس أطلق عليها سيسيولوجية، كما أن دمج بعض الفئات مع بعضها البعض جلب مشكلات وعدم استقرار لدول عربية، لذا قرر عمل ما يمكن وصفه بهندسة للحدود».

 

أي ضم بعض مناطق السنة في العراق لضم بعض مناطق السنة في سوريا لتكوين دولة وهى تشبه نفس فكرة الدولة التي دعت إليها داعش، كما كتب لويس بشكل خاص عن منطقة المشرق العربي أي سوريا والعراق وبلاد الشام والأردن لكى يخرج منها نموذج للهندسة لباقي دول المنطقة كلها.

 

النقاء العرقي

 

وتابع: هناك شخص آخر تحدث عن هندسة الشرق الأوسط الكبير يدعى رالف بيترز، وفكرته تعتمد على ما يشبه النقاء العرقي بمعنى أن كل طائفة تعيش مع من يمثلها أي يعيش السنة سويا والشيعة يعيشون مع بعضهم البعض، وكذلك الأمر ينطبق على المسيحيين والمسلمين وأى طائفة أخرى، بحيث تختفي الدول الكبيرة وتظهر مكانها دويلات صغيرة.

 

في تقديري هذا الموضوع فشل بنسبة كبيرة جدًا، لأنه ما زال لدى الدول العربية تحفظ على هذا الأمر، وعندما طرح هذا الأمر قوبل برفض كبير جدًا، طبعا هم حاولوا فرض نموذج الشرق الأوسط الكبير من خلال ما يسمى بثورات الربيع العربي، والتي كان لها هدف قبل إسقاط الأنظمة وهو إسقاط الجيوش، لأنه عندما تسقط الجيوش العربية وقتها تصبح الدولة ضعيفة ومفككة.

 

وبالتالي يسهل تقديم هذه الهندسة، يعني مثلا لم يكن يصلح الحديث عن تقسيم العراق أثناء وجود جيش صدام حسين لذلك بدأت الفكرة تطفو على السطح بعد تفكيك جيش العراق.

 

وأكمل: لذلك جو بايدن المرشح الأمريكي المحتمل الذي يرحب البعض بترشحه للأسف سبق وطرح مشروعا داخل الكونجرس في عام 2008 لتقسيم العراق إلى 3 دول سنية وشيعية وكردية، وهذا المشروع حصل على إجماع داخل الكونجرس لكن القانون تضمن مادة تقول: (إذا رغب العراقيون في ذلك)، أي تركوا الأمر في النهاية للعراقيين لذلك لم يتم تنفيذه، لكن هذه الفكرة ما زالت قائمة ليس فقط لدى الفلاسفة فقط، وإنما السياسيين أيضًا ومنهم بايدن.

 

ثورة 30 يونيو

 

وبشكل عام هذه الأفكار تظهر وتختفي حسب قوة ومناعة الشعوب، وفي اعتقادي هذا المخطط فشل فشلا ذريعا وسر فشله ثورة 30 يونيو لأنه لو أن الإخوان استمروا في حكم مصر كانوا نفذوا مخططات أمريكا وإسرائيل، لأن الأنظمة الإسلامية هي الأكثر صداقة للجانب الأمريكي والإسرائيلي.

 

واستطرد: حتى الآن لم ينجح المخطط حتى في العراق لكن الخوف من خطط تركيا المستقبلية، حيث تنوي طرح مشروع مستقبلي لإلغاء اتفاقية لوزان التي حددت أن إقليم الموصل ينضم للعراق، لأنه عندما تأسست العراق طرح استفتاء للموصل لتختار هل تنضم للعراق أم تركيا، فاختارت العراق ولكن تركيا حاليا ترى أنه في 2023 سيكون مر مائة عام على اتفاقية لوزان وتريد أن تسقط هذه الاتفاقية.

 

كما نوه «د.أيمن» إلى أن «المنطقة يوجد بها مشروعان، أحدهما قائم على فكرة التشدد والتطرف بشكل عام سواء داخل إسرائيل أو في المنطقة العربية، وهذا الجناح يدعو إلى التصادم، وفي نفس الوقت يوجد جناح آخر يدعو إلى السلام والاستفادة من الفرص، علما بأن موارد الدول العربية كانت تجعلها أفضل من أوروبا في كل شيء ولكن ضاعت عليهم أمور كثيرة منها العيش في رخاء وسلام بحجة محاربة إسرائيل.

 

وأتوقع لو فاز ترامب فإن جناح دعاة السلام سوف يستمر، وربما يكتسب أعضاء جدد لكن لو فاز بايدن أنا على ثقة من أن فوزه سيكون قبلة الحياة للمتطرفين والميليشيات والفتاوى بالذبح والقتل، وما شاهدناه في 2011 سيعود بقوة لأنه لم يخطر في بالهم أن يتم إبعادهم هكذا لذا حينما يعودون سيكونون أكثر دموية».

 

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية