خطة «ماكرون» لاستعادة أمجاد «الإمبراطورية الفرنسية».. «الحرب على الإرهاب» سيناريو تبرير التدخل الفرنسي في القارة السمراء
«استعادة أمجاد فرنسا».. خطة طويلة الأجل يمكن القول إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وضعها نصب عينيه منذ اللحظة الأولى لدخوله قصر الإليزيه، وجاءت الأحداث الأخيرة التي شهدها الشرق الأوسط، ومنطقة البحر المتوسط، لتكون بمثابة الخطوة الأولى نحو تحقيقها.
مرفأ بيروت
ولعل زيارته السريعة إلى العاصمة اللبنانية «بيروت» بعد ساعات قليلة من انفجار «مرفأ بيروت» تؤكد هذه المساعى، ليس هذا فحسب، لكن «ماكرون» اتخذ أيضا خطوات موازية في الداخل الأفريقي تؤكد هذا التوجه.
المثير في الأمر هنا، أن الظروف الداخلية التي يعانيها لبنان في الوقت الحالى، ساهمت كثيرًا في تنفيذ خطة «ماكرون»، لا سيما وأنه وقع أكثر من 36 ألف شخص على عريضة تطالب بعودة الانتداب الفرنسي للبنان، بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في أعقاب الانفجار الذي هز العاصمة بيروت في الرابع من أغسطس الجاري، وأسفر عن مقتل أكثر من 180 شخصا وإصابة ما لا يقل عن 6500 آخرين.
وتباينت الآراء حول هذه الزيارة، إذ وصفها البعض بمحاولة للإصلاح السياسي والقضاء على الفساد في البلاد، فيما أشار آخرون إلى أنها تعتبر عودة للوصاية الفرنسية، ومحاولة لربط تقديم مساعدات مشروطة بمصالح استعمارية.
وانتقد العديد من المحللين والمراقبين تصريحات ماكرون، لافتين إلى أنه خرج عن القواعد الدبلوماسية، إذ شرع في إطلاق التصريحات العاطفية للمواطنين اللبنانيين، متجاهلًا الإدارة السياسية للبلاد.
وعود زائفة
وأضاف المحللون أن «ماكرون حرص على إطلاق الوعود الزائفة للشعب اللبناني»، لافتين النظر إلى مقاطع الفيديو التي انتشرت من زيارته لموقع الحادث، وطريقة تعاملة مع الحشود اللبنانية، مؤكدين أنه ظهر كمسئول محلي أو بطل شعبي.
الجدير بالذكر أنه عقب نهاية الحرب العالمية الأولى بفترة وجيزة، وبعد تقسيم الإمبراطورية العثمانية في عام 1920، تم وضع المناطق العثمانية المفككة ومن ضمنها لبنان تحت الانتداب الفرنسي، واستمر الانتداب الفرنسي على لبنان لمدة 25 عاما.
وبعد صراع سياسي ومطالبات شعبية أعلن اللبنانيون استقلال بلادهم تحت اسم الجمهورية اللبنانية في عام 1943، وفي يناير 1944 وافقت فرنسا على نقل السلطة إلى الحكومة اللبنانية وبالتالي منح الإقليم الاستقلال.
وتتمتع فرنسا بعلاقات ودية مع لبنان وغالبًا ما قدمت الدعم للبنانيين، ويتم استخدام اللغة الفرنسية على نطاق واسع بطلاقة في جميع أنحاء لبنان ويتم تدريسها وكذلك استخدامها كوسيلة للتعليم في العديد من المدارس اللبنانية.
القارة السمراء
أما فيما يتعلق بمحاور الخطة في الداخل الأفريقي، فتعزز باريس من تواجدها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي نظرا لأنها تصنف كواحدة من أبرز بؤر الإرهاب في القارة الأفريقية بسبب انتشار العديد من التنظيمات الإرهابية بداخلها، وأيضا لتصاعد موجات اللجوء والهجرة من المنطقة.
بالإضافة إلى حماية مصالحها ومصالح رعاياها، وتعتبر فرنسا من أبرز الدول التي تنشط في تلك المنطقة، نظرا لما تتمتع به من نفوذ بسبب كونها الدولة الاستعمارية السابقة التي ترتبط بعلاقة وثيقة بين دول تلك المنطقة حتى بعد الاستقلال.
كما تسعى فرنسا لتكثيف وجودها بدول الساحل، لكبح جماح التنظيمات المتشددة والتصدي لعمليات الهجرة غير الشرعية التي تهدد أمنها القومي، كذلك لحماية مصالحها في المنطقة المليئة بالثروات الطبيعية، إذ تعتبر النيجر خامس دولة مصدرة لليورانيوم في العالم، وتشاد التي تعتبر من أهم الدول الإفريقية المنتجة للنفط، ومالي وما تمتلكه من مخزون نفطي وإمكانيات تعدينية هائلة.
ما يجعل من المنطقة مجالا للتنافس الدولي بين الدول الكبرى بهدف تأمين مصادر الطاقة المختلفة. وعملت فرنسا على توطيد وجودها العسكري في منطقة الساحل من خلال عدة عمليات ومبادرات عسكرية أبرزها: في ديسمبر من عام 2012، نجحت فرنسا في الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي، والذي يخول للقوات الفرنسية التدخل عسكريا في مالي بهدف التصدي للتنظيمات الإرهابية، وتحرير المناطق التي استطاع المتمردون السيطرة عليها.
وبدأ التدخل بالفعل في يناير 2013 بطلب من الرئيس المالي، ونجحت العناصر الفرنسية في وقف تقدم الجماعات الإرهابية وطردهم من المناطق التي كانوا قد سيطروا عليها، إلا أن الجماعات الإرهابية استمرت في ممارسة أنشطتها في المنطقة.
الساحل الإفريقي
وفي أغسطس 2014، بدأت عملية «برخان» الفرنسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تم نشر 3000 جندي مدعومين بالطائرات الحربية والمروحيات والعربات المصفحة في دول الساحل، مع منحهم صلاحية العمل عبر الحدود لملاحقة الإرهابيين داخل الدول الخمسة (بوركينا فاسو، تشاد، مالي، موريتانيا، والنيجر).
وارتفعت فيما بعد أعداد الجنود الفرنسيين المشاركين في العملية «برخان» إلى ما يصل إلى 5100 جندي، وخلال الأيام الماضية، وبعد الانقلاب العسكري الذي وقع في مالي، دعت وزارة الخارجية الفرنسية مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إلى عقد اجتماع طارئ، كما أشار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إلى أن بلاده تتابع بقلق الأحداث التي جرت في مالي، مؤكدا أن باريس تدين بشدة هذه «الحادثة الخطيرة»، مشددًا على مواصلة بلاده دعم سيادة وديمقراطية مالي.
الأمجاد السابقة
وفى هذا السياق أكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن فرنسا تحاول استعادة أمجادها السابقة في الدول التي سبق أن سيطرت عليها، وذلك نظرا للعلاقات التاريخية التي تربطها ببلدان تلك المنطقة، بالإضافة إلى حماية مصالحها في المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية.
في حين أوضح الدكتور توفيق أكليمندوس، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية بمصر، أن دولة مالي تعتبر أمن قومي فرنسي بحت، مشيرًا إلى أن «فرنسا تتصدى للعناصر الإرهابية المتشددة المتواجدة في مالي قبل أن يتوغلوا داخل الجزائر.
نقلًا عن العدد الورقي..