خفايا صفقة التطبيع بين الإمارات وإسرائيل.. حاييم سابان «عراب الاتفاق».. وسيناريو «جنوب أفريقيا» الأقرب لمستقبل القضية الفلسطينية

«خطوة مفاجئة سبقتها خطوات كثيرة خلف الكواليس».. الوصف الأقرب للدقة لما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال الأيام القليلة الماضية، حول توقبع اتفاق سلام بين الإمارات العربية المتحدة، والكيان المحتل (إسرائيل)، وهو اتفاق اعتبره البعض بمثابة انفراجة دبلوماسية سعت وراءها إسرائيل لعقود، وكذلك نقطة تحول في شكل العلاقات (العربية -الإسرائيلية).

كواليس الاتفاق 

الاتفاق (الإماراتي – الإسرائيلي) رغم إعلانه المفاجئ، إلا أن هناك الكثير من الكواليس التي سبقت لحظة الإعلان،حيث كان رجل الأعمال الصهيوني حاييم سابان، كلمة السر لها، و«سابان» يعتبر من أشهر المليارديرات في العالم، وضمن الذين يتحكمون في الاقتصاد العالمي.

وقد بدأت مساعي «سابان» للوصول إلى الاتفاق منذ عامين، حينما التقى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وحثه على أن تبصر العلاقات غير الرسمية مع الإمارات النور، ليس ذلك فحسب إنما هناك قناة اتصال أخرى كان «سابان» على علاقة بها وهو سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، الذي نشر مقالة قبل نحو شهرين في صحيفة يديعوت «أحرونوت» العبرية وهى المقالة التي اعتبرها سابان بمثابة اتفاق مبدئي لإقامة علاقات مع إسرائيل.

وأوضح «سابان» أن التقدم نحو الاتفاقية نفسها، كما ذكر كان عبر المقال الذي نشره «العتيبة» وذلك حينما اتصل به العتيبة وأخبره أنه يريد أن ينشره في صحيفة «واشنطن بوست»، وأخبره حينها أن يتحدث إلى الإسرائيليين مباشرة من خلال نشر المقال في الإعلام العبري، ونصحه أن يقول لهم: «إذا لم تنفذوا عملية الضم سوف نقدم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأخبرني أنه موافق وهنا كانت نقطة البداية».

وأضاف «سابان» عن تفاصيل الاتفاق: لم يصدق أحد أن ذلك سيحدث، بالطبع هناك جوانب أخرى من هذا الاتفاق لا يمكن مناقشتها في الوقت الراهن وهو اتفاق سيسير بخطوات بطيئة.

مكاسب اقتصادية 

من ناحية أخرى تؤكد مراكز الأبحاث الإسرائيلية، أن الاتفاق سيكون بمثابة نقطة تحول اقتصادية ستفتح الأسواق العربية أمام الشركات الإسرائيلية، وقد تؤدي إلى زيادة الصادرات بشكل كبير إلى الإمارات ومن خلالها إلى الدول العربية الأخرى.

فيما نقلت مجلة «جلوبس» الاقتصادية العبرية عن مصدر عربي لم يكشف عن اسمه قوله إن «العالم العربي لديه الكثير ليحصل عليه من إسرائيل هذه انفراجة والقضية الفلسطينية على جدول الأعمال وستظل عقبة خاصة، لكن الطريق ممهد بالفعل».

كما أكدت وسائل إعلام عبرية أن «الإمارات تعاني من قرب إيران والتهديد الذي تشكله، وترى في إسرائيل حليفًا حقيقيًا يمكن الوثوق به في أوقات الحاجة»، وبحسب بعض هذه الوسائل فإن العلاقات (الإسرائيلية – الإماراتية) بدأت على المستوى السري في العقد الماضي، وتضمنت نقل معلومات أمنية وتقنيات استخباراتية للمساعدة في مواجهة التصعيد الإيراني.

علاقات أمنية

وفي عام 2015، افتتحت إسرائيل ممثلية رسمية في أبو ظبي تابعة لوكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة، وتمت الموافقة على افتتاحها بعد اتصالات مكثفة بين إسرائيل والسلطات الإماراتية، بما في ذلك زيارة قام بها مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية آنذاك دوري جولد إلى أبوظبي.

تضررت العلاقة السرية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة بعد اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في عام 2010 في دبي، لكن الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى وظهور داعش الإرهابي أدى إلى استئناف العلاقات مجددًا.

وأضافت أن «هذه العلاقات تطورت في عدد من القنوات المتوازية والمتداخلة أحيانًا: قناة استخبارات أمنية هادئة بطبيعتها ؛ قناة اقتصادية تجارية وفي السنوات الأخيرة أيضًا قناة للحوار بين الأديان والثقافات كانت الإمارات العربية المتحدة رائدة فيها» وذكرت صحيفة عبرية أن عملية التطبيع الإقليمي قد تساهم في الواقع في تسوية مع الفلسطينيين لأنها تضع ضغوطًا كبيرة عليهم لوقف رفضهم والموافقة على تسوية سياسية، وإلا ستقفز دول أخرى في عربة السلام بدونهم.

التوقيع الرسمي 

الإعلام العبري وصف أيضًا الخطوة بالإنجاز التاريخي مشددًا على أن التوقيع الرسمي للاتفاقية التي تمت برعاية أمريكية سيكون خلال الأيام المقبلة، وذلك مقابل تجميد عملية ضم الضفة ولكن هل ستؤجل إسرائيل حلم الضم من أجل السلام مع الإمارات؟!.

الإجابة عن هذا السؤال جاءت على لسان دبلوماسي إسرائيلي لم تكشف صحيفة «معاريف» العبرية عن اسمه، حيث قال: فرض السيادة على الضفة على جدول الأعمال لقد سعت إدارة ترامب إلى تعليق الإعلان مؤقتًا من أجل تنفيذ اتفاق السلام التاريخي مع الإمارات أولًا>

في المقابل صرح مسئولون عن خطورة اللعب بالنار وقالوا أن خطوة الضم ستقضي على أمل السلام في المنطقة فيما قال مسئول كبير في حزب «الليكود» الذي يترأسه بنيامين نتنياهو: لقد قال اليسار الإسرائيلي والعالمي دائمًا إنه من المستحيل إحلال السلام مع الدول العربية بدون سلام مع الفلسطينيين، ولا توجد طريقة أخرى سوى الانسحاب من حدود 67، وإخلاء المستوطنات، وتقسيم القدس، وإقامة دولة فلسطينية.

الأراضي الفلسطينية 

من جانبه، قال السفير رخا حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق: إيقاف عملية ضم الأراضي الفلسطينية تمت منذ أواخر يونيو الماضي، نتيجة أن الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي وكل المجموعات الإقليمية آسيا أفريقيا والدول العربية جميعها رفضت وحذرت تمامًا من أن أي ضم للأراضي يقضي على عملية السلام.

كما أن الولايات المتحدة لعبت دورًا في ذلك، حيث زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إسرائيل وطلب من الإسرائيليين تأجيل هذا الموضوع ، وذلك قبل الاتفاق بين إسرائيل والإمارات، أي أن التأجيل تم نتيجة الضغوط العالمية على الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن واشنطن شعرت أنها سوف تخسر كثيرا إذا شجعت إسرائيل على عملية الضم.

وأضاف: في داخل إسرائيل نفسها حزب «كاحول لافان» أو «أزرق أبيض» بدأ يقول إن الوقت الحالى ليس «وقت الضم»، كما حدث خلاف بين زعيمه بيني جانتس وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول عملية الضم، وطلب تأجيل الخطوة لأنها ستضر الأمن الداخلي في إسرائيل، وستشعل انتفاضة فلسطينية أخرى سيكون لها عواقب وخيمة بالنسبة للمصالح الإسرائيلية.

ورأى أنه من الأفضل أن يتم إرجاء الموضوع لحين عمل مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتابع: يعني أن إرجاء عملية الضم غير مرتبط بالاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ومعنى هذا أن الضم سيتم لكن مجرد تأجيل، المسالة أشبه بشخص ينوي إقامة حفل زفاف لكن أجل موعده بدلًا من الشهر القادم لشهرين قادمين أو أكثر لكن لا ينوي إلغاءه".

توقيت الإعلان

أما من حيث توقيت الإعلان عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي فيرى «رخا» أنه في غاية القسوة بالنسبة للفلسطينيين، لأنه جاء في وقت تستولى فيه إسرائيل على الأراضي وتضاعف الاستيطان وتضيق الخناق سياسيا وعسكريا على الفلسطينيين، وهذا هو ما يسعى إليه الرئيس الأمريكي ترامب.

والمسمى بخطة السلام الأمريكية المعروفة بصفقة القرن ألا يتم الربط بين إحراز تقدم في القضية الفلسطينية وبين تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية بمعنى فصل القضيتين عن بعضهما البعض، بحيث يتم التطبيع لتشجيع إسرائيل وجعلها تُقدم على السلام، وهذا بالطبع يغضب الطرف الفلسطيني الذي ينظر إليه على أنه تخل عن الفلسطينيين وتقديم هدايا لإسرائيل دون مقابل.

وأضاف: التصريحات حول أن منطقة الشرق الأوسط أكثر المناطق اضطرابا في العالم هي وشمال أفريقيا وشرق المتوسط جعل معظم الأطراف الأوروبية تقدم ترحيبا فاترا من منطلق أنه لا يوجد طرف سيعترض على أن دولا تطبع العلاقات بينها وتنهي حالة الحرب من منطلق بعيد تمامًا عن القضية الفلسطينية، لأن هذا كما قال نتنياهو انتصار لإسرائيل، وكما قال ترامب فإن دولًا عربية أخرى في الطريق خلال شهرين أو ثلاثة ستتخذ خطوات مماثلة.

الخليج والسودان

كما أن بعض وسائل إعلام أمريكية بدأت تتحدث ليس فقط عن دول الخليج وإنما أيضًا عن السودان ودول أخرى وأرجع «رخا» غضب اليمين الإسرائيلي من نتنياهو بسبب الاتفاق (الإماراتي – الإسرائيلي) لسببين الأول أن جزءا من اليمين يرى أن نتنياهو تأخر في الضم، وأنه كان لا بد أن يسرع فيه، والسبب الثاني أن هناك من يرفض تماما ربط عملية الضم بإقامة دولة فلسطينية، ويعتبر أن ذلك خيانة من جانب نتنياهو، لأنه يعتبر إقامة دولة فلسطينية يهدد الأمن الإسرائيلي.

ويشكل خطرًا على إسرائيل على المدى الطويل، نتيجة ما يسمونه بالقنبلة الديموغرافية أي إن الفلسطينيين في مرحلة ما سيكون عددهم أكبر وهذا سيشكل خطرًا على إسرائيل لذا يرفضون تمامًا إقامة دولة فلسطينية من حيث المبدأ.

وتابع: نتنياهو في اجتماعه مع المستوطنين في يونيو الماضي قال «في صفقة القرن يتحدثون عن دولة فلسطينية وهذا المصطلح غير موجود لدينا»، وطمأن المستوطنين أن ضم غور الأردن وشمال البحر الميت والمستوطنات مسألة وقت ليس إلا، وأنها قضية غير قابلة للنقاش والمفاوضات ونتيجة الظروف الأمريكية وأن الولايات المتحدة لم توافقهم بعد، وأنهم لا يستطيعون إغضاب واشنطن  لذا تم التأجيل.

وحول مستقبل القضية الفلسطينية بعد الاتفاق (الإسرائيلي - الإماراتي) أوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق، أنه «إذا سارت الدول العربية وراء هذا الاتفاق فإنه لا يوجد سبيل أمام الفلسطينين سوى اتباع الأسلوب الذي كان متبع في جنوب أفريقيا بمعنى إزالة المستوطنات وكل ما هو غير شرعي وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يعترف بفلسطين كدولة.

وهنا يتحول الأمر إلى قضية استعمار استيطاني كما كان في جنوب أفريقيا، مع الأخذ في الاعتبار الموقف العربي مكتظ بالتناقضات، أي إنه في الوقت الذي يقول فيه لا بد من إنهاء صفقة القرن يتم تطبيق صفقة القرن».

نقلًا عن العدد الورقي...،