رئيس التحرير
عصام كامل

حكم قضائي سابق وضع ٦ خطوات لتنظيم العمل الإفتائي

المستشار محمد خفاجى
المستشار محمد خفاجى

مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء المزمع مناقشته فى مجلس النواب في جلسة عامة لأخذ الرأي النهائي عليه، أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الأزهرية. 

 

وأثارت بعض الفتاوى في الآونة الأخيرة لغطًا كبيرًا في المجتمع المصري مثل فتوى نكاح الزوجة الميتة وجواز معاشرة البهائم وغيرها ، ولوقف نزيف مثل تلك الفتاوى الشاذة رؤى تنظيم عملية الإفتاء بتدخل تشريعي عاجل بإعادة تنظيم دار الإفتاء بوضع قواعد عامة مجردة تحكم دار الإفتاء.

 

ويلعب القضاء المصرى الشامخ دورا بارزا في معاونة المشرع عن طريق مناشدته  في أحكامه عن أى قصور في التنظيم التشريعى لموضوع معين بمناسبه ما يعرض عليه من أقضية .  


وهناك بعض الأحكام القضائية الرصينة تتميز بالعمق القانونى والدقة الفقهية والرؤى الوطنية واستقراء المستقبل .

 

وأصدر القاضى المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة إبان رئاسته لمحكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بحيرة حكما قضائيا سابقا، تناول فيه فكرة التعاون بين المؤسسات الدينية بعضها البعض دون احتكار لإحداها على الأخرى وأن تكريم الدستور المصرى دون الدساتير العربية للأزهر كهيئة علمية لم يتضمن حرمانا للمؤسسات الدينية الأخرى من ممارسة دورها كوزارة الأوقاف ودار الإفتاء .

أكد فيه القاضى المصرى على أن الدعوة الإسلامية هي دعوة ملهمة لتطهير الروح والعقل والنفس والوجدان ضد التكفير والتعصب المذهبي والطائفي والعنف الدموي، وورد به أن المشرع الوضعى لم يضع تعريفًا للمجتهد، وأن هناك فراغًا تشريعيًا وليس شرعيًا بشأن إيجاد تنظيم تشريعي متكامل لعملية الإفتاء في المجتمع المصري وهذا هو دور القاضي الإداري المبدع المنشئ للقاعدة القانونية الواجبة التطبيق على عناصر النزاع باعتباره القائم على تطبيق النصوص في مناشدة المشرع وتوجيه نظره لما يعترضها من أثار خطيرة يكشف عنها الواقع العملي لتكون تحت بصر المشرع أثناء إصداره القانون . 


وجاء الحكم ليخلص في 6 نقاط تنظيم الفتوى كالتالي:  

أولًا: عن النص الدستوري على دور الأزهر هل هو دور احتكارى للأزهر فقط أم تشاركى تتعاون معه فيه المؤسسات الدينية الأخرى كوزارة الأوقاف ودار الإفتاء قالت المحكمة : " أنه إذا كان الدستور جعل من الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة وجعله المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية , وأناط به مهمة مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم مما يؤكد عالمية رسالة الأزهر , إلا أن الأزهر الشريف يظل هيئة إسلامية علمية , ويعنى أنه لا قداسة فى الإسلام , ولا عصمة لأحد إلا للرسول الكريم فيما يبلغ به عن ربه , والحق أنه ليس بالأزهر الشريف وحده يقع عبء نشر الدعوة الإسلامية , بل يشاطره فى ذلك بدور جوهرى وفعال وزارة الأوقاف ودار الإفتاء .

ثانياً : وعن الفراغ التشريعي وليس الشرعي لعملية الإفتاء وخلو القانون من تعريف المجتهد والمواصفات اللازمة فيه قالت المحكمة فيه : " إن المشرع الوضعي لم يضع تعريفًا للمجتهد، كما أن هناك فراغًا تشريعيًا – وليس شرعيًا – بشأن إيجاد تنظيم تشريعي متكامل لعملية الإفتاء في المجتمع المصري وهو ما يسبب مشكلات جمة –باستثناء ما تقوم به دار الإفتاء المصرية – فظل الإفتاء ليس حكرًا على أحد ، فكل مسلم بلغ في علوم الشريعة الإسلامية مبلغ التخصص وتوافرت في حقه أهلية الاجتهاد من حقه الفتوى والأمر يحتاج إلى تنظيم تشريعى بقواعد عامة مجردة , أما من يتصدى للفتوى من غير المتخصصين أو ممن ينقصهم إتقان التخصص فإنه ليس بأهل للفتوى ولا يجوز له ذلك.

ثالثاً : وعن تفضيل الاجتهاد الجماعى على الاجتهاد الفردى فى المسائل الخلافية  قالت المحكمة " يجب أن يقتصر الإفتاء على العلماء الثقات الذين يجيدون الغوص فى بحر الاجتهاد المتلاطمة أمواجه القادرين على استنباط الحكم الشرعى المؤسس على فقه سليم , وبُحت أصواتهم عن مدى حاجة المسلمين فى كل مكان إلى الإفتاء السليم الذى يربط بين العقيدة الصحيحة ومستجدات العصر فى ظل الثورة العلمية التكنولوجية وما أفرزته من قضايا مستجدة , وأنه عندما تقدمت العلوم وتنوعت التخصصات فإن المسألة التى تتعدد فيها وجهات النظر وتختلف فيها الرؤى تكون بحاجة إلى نظر جماعى  .

رابعاً : وعن وجوب أن يكون باب الاجتهاد مفتوحا لا يوصد ليساير مستجدات العصر  أكدت المحكمة " أنه بات من الأصول العامة الخالدة ما بقيت الحياة قائمة أن طبيعة الشريعة الاسلامية تقتضى أن يظل باب الاجتهاد فيها مفتوحا لا يوصد بحسبان أنها الشريعة الخاتمة لجميع البشر وبمراعاة أنها صالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان وفى أى مجتمع , لكونها المنظمة لعلاقات الناس ومعاملاتهم فى شتى مناحى الحياة وعلاقتهم جميعا بالخالق سبحانه وتعالى , فكان لزاما أن تحمل خاصية بيان الأحكام الشرعية لكافة مستجدات الحياة فى جميع جوانبها .

خامساً : وعن شروط تنظيم عملية الإفتاء فى الفقه الإسلامى قالت المحكمة " أن شروط الإفتاء ليست بالأمر اليسير فى الفقه الاسلامى حتى يمارسه العوام وإنما هو أمر بالغ الصعوبة والدقة يستفرغ فيه المجتهد وسعه لتحصيل حكم شرعى يقتدر به على استخراج الأحكام الشرعية من ماَخذها واستنباطها من أدلتها على نحو يشترط فى المجتهد شروطاً للصحة أهمها أن يكون عارفا بكتاب الله ومعانى الاَيات والعلم بمفرادتها وفهم قواعد اللغة العربية وكيفية دلالة الألفاظ وحكم خواص اللفظ من عموم وخصوص وحقيقة ومجاز واطلاق ومعرفة أصول الفقه كالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والمحكم والمتشابه وهى مسائل دقيقة للغاية تغم على عموم الناس  من ادعياء الدين وطالبى الشهرة ومثيرى الفتنة 

سادساً : وعن الاجتهاد وعلاقته بالمذاهب الفقهية باعتباره إحدى وسائل تجديد الخطاب الدينى  كأمر ثابت فى الشريعة الإسلامية وأحد مصادرها  قالت المحكمة" أن المقرر شرعا أن الاجتهاد - باعتباره إحدى وسائل تجديد الخطاب الدينى - أمر ثابت فى الشريعة الاسلامية بل يعد أحد مصادرها , كما تعتبر المذاهب الفقهية نتاج هذا المصدر , واختلاف فتاوى الفقهاء فى المسألة الواحدة يعد أبرز شكل من أشكال الاجتهاد , وبمراعاة أن نطاق هذا الاختلاف يقتصر على الفروع فقط دون ثوابت الشرع الاسلامى المقررة بأدلة قطعية والتى تشمل الأصول والمبادئ أو الاعتقاد , ويعد الاختلاف بين المذاهب الفقهية – كما قيل بحق – رحمة ويسرا بإتباع الدين الاسلامى.

الجريدة الرسمية