علي أمين يحكى قصة اللحظات الأخيرة فى حياة سعد زغلول

فى مجلة كل شيء والدنيا عام 1956 كتب الصحفى على أمين ـــ رحل عام 1976 ــــ مقالا يحكى فيه اللحظات الاخيرة فى حياة سعد باشا ـــ رحل فى مثل هذا اليوم 1927 ــــ يقول فيه :كان راقدا فى سريره النحاسى الضخم ، المصحف ملفوف فى غلاف ابيض ومعلق فى عمود السرير خلف ظهره ، وعلى رأسه طاقية حريرية بيضاء وفى وجهه احمرار الشباب وفى عينيه بريق الأصحاء وفى ابتسامته سخرية الاقوياء، 

دخلت عليه كعادتى كل صباح احمل له الصحف والمجلات ، لم اسأله عن صحته لان ابتسامته العريضة اغنتنى عن السؤال .

 طلب منى ان اقرأ له أخبار رحلة الملك فؤاد الى ايطاليا وماذا تقول جريدة الاتحاد التى تهاجم سعد ،وهل ردت على المقال الذى نشره العقاد فى البلاغ ، واذكر ان احدى الصحف اشارت الى العلاقة بين الوفد والاحرار فسألنى سعد :ما رأيك فى هذا الكلام.

قلت له :أنا شخصيا لا أحب الاحرار باستثناء محمد محمود باشا ، فقال لى : وما رأيك اذا قلت لك انى احبهم واريد ان اعيد كل الذين كانوا معى فى بدء الحركة الى حضيرة الوفد .واريد اندماج الاحرار فى الوفد ، لان عند الوفد القلوب وعند الاحرار الرؤوس، واريد ان اجمع الرءوس والقلوب اريد ان اجمع عبدالعزيز فهمى واسماعيل صدقى ولطفى السيد وان كان لا يحبنى .
خرجت من حجرته والاطمئنان يملأ قلبى على صحة سعد وإذا بى أرى أم المصريين تقف وراء الباب والدموع تنساب من عينيها وعلى الفور قالت لوصيفتها فريدة (ارسلى أثوابى على الفور الى المصبغة لتصبغ بالسواد )
احتججت على تشاؤمها وقلت لها ان صحته مدهشة اليوم ، فقالت انها صحوة الموت .
عشت فى بيت سعد عشر سنوات اكلت فيها معه ونمت فيها على بعد خمسة امتار من حجرته ، رأيت سعد الزعيم الجبار والزوج والانسان ، نشر الكتاب عن سعد الزعيم ، واكتب انا اليوم عن سعد الانسان .

 في ذكرى وفاته الـ93.. محطات في حياة سعد زغلول مؤسس حزب الوفد

كان هذا الرجل وهو فى مكتبه يهز الامبراطورية البريطانية لكنه كان فى بيته ضعيفا محروما مريضا بالسكر تمنعه زوجته من تذوق الكنافة التى يحبها وطواجن الارز التى يحلم بها ولم يسمح له الا بالمسلوق .
مات سعد وانا على ابواب الرابعة عشر ومع ذلك لا ازال اراه امامى كأنه لم يمت ، شكت له زوجته يوما اننا نحطم الأثاث انا ومصطفى فاستدعانا وكنا فى السادسة وطلب منا ان نكتب له مذكرات يومية بما يحدث فى بيت الامة من زيارات وخطب ، وكنا نكتب الصفحات الطوال ، وكان يتسع وقت سعد ساعة يوميا يناقشنا فيما كتبنا ويصلح لنا الاخطاء النحوية 
فى العاشرة من مساء 23 اغسطس عام 1927 خرج شبح الموت من بيت سعد يحمل الروح التى بعثت الحياة فى قلوب الملايين .