رئيس التحرير
عصام كامل

هل يقضي قضاء مجلس الدولة ضد نفسه؟ (2)

استكمالًا لما سبق أن أشرنا إليه عبر مقال الثلاثاء الماضي حين استشعر أحد أوائل كلية الحقوق بجامعة حلوان أن استبعاده من التعيين في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة جانبه الصواب، وخالف صحيح نصوص الدستور والقانون، فلم يجد أمامه سوى ذات الجهة التي استبعدته ليطعن على قرار استبعاده.

وترتيبًا على ما تقدم ووفقًا للثابت من الأوراق- شددت محكمة القضاء الإداري أن المدعي حاصل على ليسانس حقوق من جامعة حلوان دور مايو عام 2012 بتقدير عام جيد جداً بمجموع (759 درجة) من (900 درجة) بنسبة مئوية (84,33 %) وترتيبه الأول على دفعته عام 2012، وتقدم للتعيين في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة واجتاز المقابلة الشخصية بنجاح (لائق).

 

همسة جيل في أذن الرئيس

 

وأن السبب الذي ارتكنت إليه الجهة القضائية في تخطي المدعي في التعيين في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة هو فقده لشرط حسن السمعة لما تضمنته مذكرة الجهة الأمنية من الاعتراض على التعيين نظرًا لأن له أقارب من عناصر الدعوة والتبليغ وهو زوج أخته غير الشقيقة، وعليه فقد صدر القرار المطعون فيه بتخطيه في التعيين.

وذكرت الجهة القضائية "مجلس الدولة" المدعي عليها سبب تخطي المدعي في التعيين لوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة على النحو المبين سلفًا، ومن ثم فإن هذا السبب يخضع لرقابة المحكمة لوزنه بميزان المشروعية وتمحيصه للتحقق من مدى مطابقته أو عدم مطابقته للقانون وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار، والتأكد مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصًا سائغًا من أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها ماديًا وقانونيًا.

وما ورد بتحريات الجهة الأمنية والاعتراض على تعيين المدعي بدعوى أن زوج أخته غير الشقيقة من عناصر الدعوة والتبليغ، ما هو إلا قول مرسل لا دليل عليه بالأوراق، ومن ثم فلا يجب التعويل عليه أو الأخذ به، وفضلاً عن ذلك فقد خلت الأوراق أيضًا من أي مستند يفيد بأن جماعة الدعوة والتبليغ تُعد من الجماعات الإرهابية أو المحظورة سياسيًا في الدولة المصرية، وبالتالي فإن الانتماء إليها على فرض صحته لا يجعل من الشخص من العناصرالإرهابية.

حكاية «بنداري» في المؤسسات الحكومية 

ولذلك يكون اعتراض الجهة الأمنية على تعيين المدعي لا يستند إلى أسباب أو وقائع تبرر الرفض سواء بذكر أمور تشوب المدعي أو ذويه يثبت فيها للمحكمة عدم أهليته وصلاحيته في التعيين بالوظيفة القضائية، خاصة وانه ظاهر التميز والتفوق العلمي لحصوله على تقدير جيد جدًا وترتيبه الأول على دفعته بكلية الحقوق جامعة حلوان، لا سيما وأن المستقر عليه في قضاء مجلس الدولة أن التحريات التي تجريها الأجهزة الأمنية المختصة على المرشح لشغل الوظيفة القضائية يلزم أن يراعى فيها بأنها لا تنال دون سند من الحق الدستوري للمرشح في تولي الوظيفة.

ومن ناحية أخرى المحافظة على المعايير والضوابط المحددة للاختيار وصولًا لأفضل العناصر إعمالًا لصحيح حكم القانون، وأن اعتراض الأجهزة الأمنية على تعيين المرشح يلزم أن يكون مبنيًا على أسباب واضحة وجلية وحقيقية ووقائع ومبررات تُنسب إلى المرشح أو ذويه لكي تكون سندًا لعدم الموافقة، ولتكون تحت نظر القضاء لبسط رقابته عليها لتمحيصها والتأكد من استخلاصها للنتيجة التي إنتهت إليها الجهات الأمنية من رأي في شأن الموافقة على تعيين المرشح من عدمه قائمًا على أصول صحيحة تؤدي إليها ليثبت مصداقيتها، وبالتالي سلامتها وسلامة القرار المتخذ بناءً عليها من عدمه.

كما يجب ألا تنساق الجهات القضائية وراء الاعتراضات الأمنية بل يجب تمحيصها والتأكد من مصداقيتها حرصًا على مستقبل الأوائل من الخريجين الذين لا ذنب لهم ولأسرتهم بمفهومها الضيق فيما تناله أيدي أقاربهم المنسوبين إليهم بحكم صلة القرابة.

 

بالأسماء.. هؤلاء سطروا ملحمة أكتوبر

 

ولما كانت الجهة القضائية المدعى عليها "مجلس الدولة" استبعدت المدعي من التعيين استنادا لاعتراض الجهة الأمنية لكون زوج أخته غير الشقيقة من عناصر الدعوة والتبليغ، لا تصلح سببًا لاستبعاد المدعي من التعيين في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، ومن ثم وإذ صدر القرار المطعون فيه بتخطي المدعي في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة فإنه يكون قد صدر على غير سند صحيح من القانون..

 

مما لا مناص معه من القضاء بإلغائه، وما يترتب عليه من آثار فأصدرت المحكمة حكمها بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 253 لسنة 2014 فيما تضمنه من تخطي المدعي في التعيين في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة.

ولا شك أن هذا الحكم العظيم قد انتصر للحق، وانتصر كذلك لأحلام الشباب المكافح وطموحه، وأكد أهمية وضوح المعايير، وعدم إهدار الكفاءات لحساب الأقوال المرسلة، فهنيئًا للمصريين بقضائهم العظيم.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية