منتصر عمران يكتب: الهجرة من أجل بناء الوطن
تمر علينا اليوم
مناسبة جليلة وعظيمة.. كان لها تأثير كبير في تحول مجريات الحياة في الجزيرة
العربية، بل وفي العالم بأسره، وهي الهجرة النبوية الشريفة التي نعيش ذكراها
العطرة هذه الأيام.
ونحن نعلم جميعاً
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة لم تكن هناك دولة في
مكة، ولم يسمح له بإقامة شعائر، بل كان يحارب بكل قوة من قبل صناديد الكفر في مكة،
بل كان يحارب من أقرب الناس له نسبا وهو عمه أبو لهب، وكان يضع له العراقيل في كل
خطوة يخطوها، ومع أنه نبي مرسل من قبل الله عز وجل ظل ثلاث سنوات يدعو سرا، وعندما
إذن له بأن يهجر بدعوته، أخذ بكل الأسباب المادية بأن دعا أولا من يتوسم فيهم الإجابة،
وأراد أن يجعل من عمومته من يدافع عنه، وظل على هذا الوضع عشر سنوات لاقى فيها أشد
العذاب والعنت من كفار مكة ..وعندما تيقن أن مكة لن تكون له دولة وقتها فكر في
الهجرة بعد أن اخذ البيعة من أهلها على أن يناصروه ويكونوا له جنودا في مدينتهم.
وعندما هاجر إلى
المدينة لم يعلن حربا على مخالفيه وأعدائه، بل كان يحاول بكل الطرق أن يتجنب
الصدام معهم وظل على علاقته بالمنافقين واليهود.
هذا هو رسول الله،
فهيا بنا ننظر ماذا فعل ما يسمى بالتيار الإسلامي الذي أنشئ في دولة مسلمة شعائر
الإسلام فيها قائمة.. بل المساجد فيها عامرة والدعوة فيها ظاهرة.
أول شيء فعلوه أنهم
كفروا المجتمع، ومن ثم نادوا بالهجرة من ديار الكفر التي هي دولة يقام فيها
الإسلام إلى دول الغرب التى لا يقام فيها الإسلام !!!
هذا يدل على أن
هجرتهم ليس من أجل إقامة الدين أو حتى بناء الوطن بل هجرتهم من أجل أفكارهم التي
تتعارض مع صحيح الدين.
ففي عهد الرئيس
جمال عبدالناصر عندما سجنهم وحارب فكرهم أنشأ أحدهم، وكان يعمل مهندسا زراعيا،
يدعى مصطفى شكري متأثرا بأفكار سيد قطب، جماعة أطلق عليها جماعة التكفير والهجرة
!!!
كفر كل من لم يؤمن
بفكره الضال!! وترك أتباعه أوطانهم وأهلهم إلى دول لا تؤمن بدينهم.
ومنذ سنوات ترك
الإخوان وطنهم الذي حكموه لمدة عام بدعوى أنه أصبح وطنًا يحارب الدين! فكيف تحول
الوطن بين عشية وضحاها من وطن إسلامي عندما كانوا يحكمونه إلى وطن يحارب الإسلام
عندما تم إزاحتهم عن حكمه.
دل ذلك على أنهم لا
ينشدون الدين، ولكن ينشدون الحكم والتنظيم.
تركوا الوطن بعد أن
حاولوا أن يدمروه ويخربوه إلى الهروب في أحضان دول أعداء للوطن.
فتاجروا بالدين من
أجل الحكم فخسروا دينهم وباعوا وطنهم.
فالحقيقية أن
الهجرة تجديد لنشاط الإنسان وتقوية عزيمته لأداء رسالته في هذه الحياة التي تتمثل
في عبادة الله وتعمير الكون بالعمل في شتى مجالات وألوان العمل؛ زراعة وصناعة
وتجارة وغير ذلك، ومن هنا كانت الهجرة تحقق الارتقاء بفضائل وقيم اخلاقية، وغرس مبادئ العمل الجاد وإتقان الانتاج،
أما الكسل وترك العمل فهو مما يخالف مقاصد الهجرة الشرعية، بل إنه يبطل مفعولها
وتأثيرها، فالهجرة تدور مع العلم والبحث، ومع العمل والعبادة والتلاوة، ومع
الدراسة والانتاج، ومع الجهاد والدفاع عن الأمة، وليس كما يفعله الذين يزعمون أنهم
مدافعون عن الدين من الارتماء في أحضان مخابرات أعداء الوطن.