رئيس التحرير
عصام كامل

عباس العقاد يكتب: مصطفى كامل الذي أعرفه

مصطفى كامل وعباس
مصطفى كامل وعباس العقاد
فى حى الصليبة الذى أحفل بالمعارك الوطنية ينافسه حى القلعة الذى كان مسكن الوالى ثم صار معسكر الجيش ولد الزعيم مصطفى كامل فى مثل هذا اليوم 14 أغسطس 1874.. كان مساجد حى الصليبة أعمر المساجد بالخطباء الثوريين، ولم يكن فى القاهرة مساجد أعمر منها غير الجامع الأزهر فى تلك الفترة.


كان مصطفى كامل فى الخامسة من عمره يوم كان عبده الحامولى يسأل أين نسمعك هذه الليلة، فكان يجب مازحًا: أنا الليلة سهران عند عبد الله النديم.

لم يكن النديم وحده خطيب هذه الحفلات بل كان معه عشرات المعممين والمطربشين يتداولون منابر المساجد والأعراس ممن لم يشتهروا شهرة النديم.

وانقضت سنوات الصدمة الأولى بعد الاحتلال الإنجليزي فى ركود فى حركة الخطابة ومن كل حركة سياسية واجتماعية، لكنها كانت بمثابة فترة انتقال، فلم تلبث أن تجددت مهمة الخطاب على أشدها.


وجاءت فترة كانت فيها الخطابة أهم من الكتاب وكان الصحفى الذى يحسن أن يتكلم كما يحسن أن يكتب أقرب إلى الميدان.

وبعد انقضاء عشرين سنة على دخول المحتلين نذكر أربعة من أصحاب الصحف من الخطباء والكتاب وهم مصطفى كامل فى جريدة اللواء، فارس نمر فى المقطم، جندى إبراهيم فى الوطن، ومحمد أبو شادى فى الظاهر، وقد كان الشيخ على يوسف صاحب المؤيد لا يخطب مرتجلا بل كانت صحيفته تموج بالخطباء.

ولد مصطفى كامل فى عصر الخطابة واستفاد في نشأته من نفحات الوطنية المحلية، رأيت مصطفى كامل لأول مرة وأنا فى الخامسة عشرة ، كنت فى بلدى أسوان أدعو فى دعوة إلى التطوع للتعليم فى المدارس الأهلية، وقدم مصطفى كامل إلى أسوان فى الشتاء ومعه الأمير حيدر ومدام جولييت آدم فى رحلة دينية.

كنت أحرر جريدة الدستور مع صاحبها محمد فريد وجدى الذى كتب يوم وفاة مصطفى كامل يقول (مات أكبر رأس فى مصر.. إنا لله وإنا إليه راجعون) فلم تزل أكبر رأس تعلق بذاكرتى التى انخرجت من فمى لأكبر رأس تحطم الدستور موجهة إلى الملك فؤاد وكان نصيبى السجن. 


 عباس العقاد : الوقاحة قضية مجتمع

خلاصة ما بقى فى نفسى من أثر لهذا الزعيم المجاهد كما عرفته أنه كان نعم الزعيم على منهجه وسجيته، لكن زعامته كانت تتسع فى عصره وبعد عصره لزعماء آخرين على مناهجهم وسجيتهم لأن الوطنية المصرية كانت تشمل مصطفى كامل بكل ما احتواه من غيرة وحماسة، ولكنه رحمه الله لم يكن يستغرق الوطنية المصرية بكل ما تحتويه أو ينبغى أن تحتويه.

ولعل أشهر الأمثلة للأسلوب الخطابى الشعورى فى خطب زيزينيا الكبرى وهى آخر خطبة له قبل وفاته قال فيها: بلادى بلادى لك حبى وفؤادى.. لك حياتى ووجودى، لك عقلى ولسانى.. لك لبى وجناى، أنت أنت الحياة ولا حياة إلا بك يا مصر.
الجريدة الرسمية