ما الخطاب في الآية الكريمة "وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ"
فى القرآن الكريم خطاب متعدد موجه إلى الإنسان، ومن هذا الخطاب ما يتعلق ببيان النعم التى أنعم الله عز وجل بها عليه، فما المقصود بالخطاب فى الآية الكريمة "وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ".. ويجيب الدكتور طه أبو كريشة الأستاذ بالأزهر الشريف وعضو هيئة كبار العلماء سابقا.. رحل عام 2018:
من النعم التى أنعم الله عز وجل بها علينا ما يتصل بالخلقة التى خلق عليها الإنسان، ومن ذلك ما جاء فى قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ، وفى قوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) سورة الانفطار.
وفى قوله عز وجل (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).. ففى هذه الآيات البينات ما يلفت الأنظار إلى خلقة الإنسان بصفة عامة من حيث الهيئة الكلية أنها فى أحسن تقويم ، وفى أحسن صورة.
وبذلك ففى هذه الآيات ما يلفت الأبصار إلى نعم فى التكوين الإنساني المحسوسة منها السمع والبصر ومنها نعمة العقل.
إن الغاية من وراء هذا الخطاب ومن وراء هذا البيان هى أن يقوم الإنسان فى حياته بشكر المنعم الوهاب على هذه النعم كما جاء فى قوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فكيف يكون شكر هذه النعم؟
إنه يكون من خلال الاستعانة بها فى مجال الخير الحلال فلا ينظر بعينه إلا لما أحل الله عز وجل له ولا يستمع بأذنيه إلا إلى الكلام الطيب فى مجال العلم النافع والنصح الرشيد.
وأيضا فإنه لا يستخدم عقله إلا فى مجال الفكر الصائب وفى مجال التدبر والتأمل فى آيات الله تعالى بعيدا عن مجال الظنون الآثمة والتآمر والأذى، وقد جاء النهى عن إساءة استخدام النعم فى غير الطريق الذى يرضاه رب العالمين، وما هذه النعم إلا جزء يسر من النعم التى أنعم الله عز وجل بها على الإنسان وهى لون من ألوان الإحسان إليهم.. ومن هنا كان على كل إنسان مطالب أن يكون محسنا فى كل سلوكياته كما أحسن الله تعالى إليه.
كيف يكون الحب في الله من حلاوة الإيمان؟
وقد جاء الأمر بذلك فى قوله تعالى (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص 77.
إن القرآن الكريم صريح هنا فى أن عدم الإحسان فى استخدام النعم هو لون من ألوان الإفساد فى الأرض، والإفساد هدم وتخريب لا تعمير وتأمين.
إننا فى حاضرنا مطالبون اليوم قبل الغد بأن نراجع أنفسنا فى ضوء هذا التذكير وهذا التحذير الذى جاء فى كتاب الله تعالى حتى يكف العابثون عن كل عبث وفساد يقومون به وضرورة الالتزام بالسلوك الإيماني.