"صاحب المقام".. نحتاية أَم سذاجة درامية؟
حالة من الجدل أثارها فيلم "صاحب المقام" للكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، منذ عرضه على منصة شاهد الرقمية، بين الجمهور والنقاد بسبب فكرة العمل وطريقة تناوله والتيمة التى اعتمد عليها.
وبعيدًا عن الخلاف الدائر منذ قديم الأزل بين السلفية والصوفية وما إذا كان اللجوء والتبرك بأولياء الله الصالحين حلالًا أم حرامًا، وتصدير فكرة التربص بمؤلف فيلم صاحب المقام فهو كاتب له مكانته فى الحياة الصحفية والفكرية والسياسية، لكن جاء فيلم صاحب المقام مخيبًا لرجاء مشاهديه فى صناعة السينما المصرية فلم يكن على مستوى توقعاتهم خصوصًا وأنه يحمل أسماء صاحبة ثقل سينمائي، دافعًا البعض للتساؤل «صاحب المقام نحتاية أَم سذاجة درامية؟».
فهناك عدة أسباب جعلت المشاهد يرى أن فيلم صاحب المقام مهترئ ومُرقع بسذاجة وأكليشهات قد تصل إلى حد الاقتباس وتائه بين الروحانية والكوميديا البليدة ثقيلة الظل.
- انطلاقًا من إعلان مؤلف العمل أن فيلم صاحب المقام هو أول فيلم صوفى مصرى، هذا غير صحيح، فالسينما المصرية تناولت الصوفية بأشكال متعددة وفى أكثر من فيلم سواء بالتماهى الكامل فى الجو الصوفى والزهد والإعراض عن الدنيا أو الربط بين الصوفية والدجل أو التبرك بعتبات الأولياء وإحياء الموالد، فنجد على سبيل المثال لا الحصر، فمن ينسى رائعة المخرج نيازى مصطفى والكاتبة سنية قراعة 1963 "رابعة العدوية شهيدة العشق الإلهي" قصة حقيقية لأشهر النساء فى الصوفية، وفيلم "طريد الفردوس" والمأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم لتوفيق الحكيم وسيناريو محمد أبو يوسف وإخراج فطين عبد الوهاب 1965، وفيلم "قنديل أم هاشم" ليحيى حقى والمخرج كمال عطية 1968، "الليلة الكبيرة" للمخرج سامح عبد العزيز 2015... إلخ.
-المؤلف لم يأت بجديد فى الفكرة أو طريقة تناولها، فالبطل رجل الأعمال يحيى الرمالي "آسر ياسين" بعد تساقط عليه المحن المشكلات نتيجة تورطه فى هدم "مقام سيدى هلال" لبناء مجمع سكنى للأغنياء، يطرق أبواب الأولياء الذين أغضبهم كطريق لحل مشاكله، بعد أن تأتيه إشارات من ممرضه زوجته (روح) ولعبت دورها الفنانة يسرا، إلى أن ينتهى به المطاف إلى ضريح الإمام الشافعي ويستخرج رسائل المترددين على الضريح، ليبدأ رحلته فى مساعدتهم وحل مشاكلهم بكونه رسول الإمام الشافعي، فكتابة الرسائل وإلقاؤها فى الأضرحة وصناديق النذور ظاهرة معروفة عند المصريين، وفكرة رصد هذه الرسائل باعتبارها مؤشرًا يضع اليد على أكثر مشكلات المجتمع بدأها وعمل عليها من قبل عالم الاجتماع الدكتور سيد عويس، وحللها سوسيولوجيا، في كتابه "ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعي" عام 1965، أيضًا عملت عليها الكاتبة ضحى عاصي فى كتابها "محاكمة مبارك بشهادة السيدة نفيسة" والصادر عام 2012، حيث جمعت فيه رسائل المصريين لضريح السيدة نفيسة فى عهد مبارك.
- تناول فيلم صاحب المقام الإشارات والرموز الصوفية بسذاجة وسطحية، بداية من جعل شخصية بيومى فؤاد توأمين متشابهين مختلفين فى كل ما يؤمن به الآخر، وشخصية يسرا غير المفهومة ما بين إذا كانت حقيقية أم متخيلة، ولوحة "احذر" وسرقة حذاء البطل من أمام أحد المساجد وحديث سائق التاكسى له "شوف إنت مزعل مين" وغيرها من الإشارات.
- تخلل السيناريو والحوار لفيلم صاحب المقام الضعف والهلهلة، فكتابة السيناريو تحتاج أيضًا إلى حبكة كالحبكة الدرامية، فالعمل كان يحتاج إلى سيناريست محترف يسبك الطبخة.
- تضمن الفيلم حكايات ومشاهد بليدة ثقيلة الظل وغير مبرر وجودها، كالحكاية الكوميدية التى ظهر فيها الفنان محمد ثروت والفنانة إيمان السيد، وصفعة هالة فاخر المفاجئة للبطل فى أحد المساجد دون سبب.
- التشابه الكبير بين قصة فيلم "صاحب المقام" وقصة الفيلم الإسرائيلى "مكتوب" الذى أنتج عام 2017 ومتاح على منصة نيتفلكس وهو ما جعل البعض يتهم إبراهيم عيسى بالاقتباس، فالأخير يحكى قصة نصابين ينجوان من حادث طائرة بالصدفة، ويشعران بعد نجاتهما أن تلك رسالة من الله كي يتوبا وينصلح حالهما، فيقترح أحدهما على الآخر أن يذهبا لأكثر مكان مقدس ويطلبا الغفران، هناك يعثران على رسائل تركها آخرون طالبين من الله تحقيق أمنياتهم، فيأخذا هذه الرسائل ليحققا أمنيات أصحابها ليتقربا إلى الله.
- الاقتباس من الفيلم الإسرائيلى ليس الأخير، فقد اتهم بعض النقاد مؤلف "صاحب المقام" بالتشابه الكبير الذى يصل إلى حد التطابق وبين رواية "مولانا الشيخ جواب" للكاتب يسرى أبو القاسم والصادرة فى أبريل 2019 ، والتى تدور أحداثها حول طبيب لا يؤمن بالخرافات ويرى أن الأضرحة واللجوء للأولياء هى إحدى هذه الخرافات، تبدأ أحداث الرواية بمحاولة البطل الطبيب هدم ضريح مولانا الشيخ جواب وتتطور الأحداث فيظهر له صاحب العباءة الخضراء لتتوالى الكرامات وتتحقق رؤياه، وينجذب لصوت ياسين التهامي في رائعة الحلاج والله ما طلعت شمس، ثم يلجأ لحل مشكلات الناس التى يكتبونها فى خطابات ثم يلقونها فى المقام آملين في مساعدة الولي لهم.