رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى مولده.. لماذا أصبح البابا شنودة رمزًا خالدًا في تاريخ مصر ؟

البابا شنودة
البابا شنودة


ليس سهلا أن تكتب عن البابا شنودة الثالث، الذي يوافق اليوم ذكرى ميلاده في عام 1923، فالرجل الذي صنع تعريفا خالدًا لمعنى الوطن: مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا، كان ولايزال رمزًا خالدًا تأبى الذاكرة الوطنية أن تسقطه من حسابات مشاعرها وشخصيتها الثقافية والإنسانية وروحها المرحة.

 

وقد يكون الحديث عن الرجل من زاويا أخرى، وليست فقط إسهاماته للمسيحية والمسيحيين أمر هام لمن لم يحضره في حياته، ولا يعرف الكثير عن "بابا المصريين".


قاد "شنودة" الكنيسة في أخطر مرحلة شهدتها البلاد منذ بداية السبعينات، عاش تقلباتها السياسية والاجتماعية من الهزيمة إلى النصر ومن الانفتاح إلى التشدد بحكمة وذكاء، وترك إرثا من الصعب للغاية جمعه في بضع كلمات، فالرجل لم يكن يجلس فقط على كرسي البابوية، بل كان سياسيًا من العيار الثقيل، وربما هذا ما مكنه من التعامل بتوازن نادر مع تحديات المجتمع.


"أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ»." (مز 110: 4)


كان بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية شخصية رئيسية في التاريخ المصري على مدار العقود الماضية، وضم في محاسن شخصيته ما يقرب من ألفي عام من التاريخ المسيحي في مصر.


في عهده لم يكن الأقباط مجتمعًا مستسلماً، بل متفاعلا، ولكنه أبعد الأديان عن الصراعات، واستطاع بتعاون نادر مع مشايخ الأزهر ورموزه الدينية، تعزيز ثقافة الحوار، ولهذا كان البابا شنودة دائما وسيطا ممتازا لحل مشكلات الشرق السياسية والاجتماعية كلما احتاجته بلاده لذلك.  


رفض شنودة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ومنع المسيحيين من الذهاب للحج في القدس، ما أوقعه في صراع شرس مع الرئيس السادات، الذي كان يسعى إلى تأييد ديني ـ إسلامي مسيحي ـ بهدف إبعاد مصر عن شبح الحرب مع إسرائيل، ولكن السياسة شيء ومشاعر الشعوب شيء آخر.. هكذا تعامل البابا، ورفض اتفاقية السلام، ودفع ثمن مواقفه بطيب خاطر.  


عرف البابا بذكائه السياسي أن القضية الفلسطينية، هي برميل البارود الحقيقي للعلاقات بين المسلمين والمسيحييين، ليس في مصر فقط، ولكن في كل بلدان العالم العربي والإسلامي قاطبة، ولهذا جعل من مواقفه الرافضة للاستيطان رسالة سلام عالمي، ضد كل أنواع العنف، وضد أي استخدام غير آمن للدين كسلاح في تقلبات السياسة.


رحل بابا المصريين وبقيت رسالته للمصريين بل وربما للعالم: نحب بعضنا البعض، نفعل الخير، لا ندع أنفسنا نضلل، لا نخدع، ليبقى خالدًا إلى الأبد في قلوبنا.

 

الجريدة الرسمية