خطيب عرفة: الشدائد لا تدوم لكنها تُذكر العباد بنعم الله والآخرة
توافد حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر
إلى مسجد نمرة في مشعر عرفات اليوم الخميس لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً والاستماع
لخطبة عرفة وسط منظومة من الإجراءات الصحية والتدابير الوقائية والخدمات المتكاملة
التي هيأتها حكومة خادم الحرمين الشريفين ليؤدي ضيوف الرحمن مناسكهم بسلام آمنين.
وبحسب صحيفة «عكاظ» السعودية، أخذ ضيوف
الرحمن أماكنهم مع الالتزام بالتباعد المكاني في المسجد الذي تبلغ مساحته (110) آلاف
متر مربع.
وألقى عضو هيئة كبار العلماء والمستشار
بالديوان الملكي الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، خطبة عرفة، التي استهلها بحمد الله
والثناء عليه على ما تفضل به على العباد من النعم والخير.
وأوصى خطيب عرفة بتقوى الله التي أوصى
بها الأولين والآخرين، كما قال سبحانه (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم
أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنياً حميدا)،
وبتقوى الله تنزل الخيرات، وتبتعد المصائب المكروهات قال تعالى (ومن يتق الله يجعل
له من أمره يسرا)، وتقوى الله تتمثل في الإقدام على الطاعات، والإحجام عن المعاصي والسيئات.
وأشار الشيخ عبدالله المنيع، إلى أن أعظم
خصال التقوى توحيد الله وإفراده بالعبادة بحيث لا يصلى إلا لله، ولا يدعى إلا الله،
ولا يعبد أحد سواه لا بذبح ولا نذر ولا بغيرها، قائلا: "هذا هو مقتضى شهادة
التوحيد لا إله إلا الله، وقرينتها شهادة أن محمدا رسول الله كما قال تعالى (ما كان
محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما)، بحيث
يطاع أمره ويصدق خبره ولا يعبد الله إلا بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، فإن الله
قد أكمل له الدين، فلا يحتاج إلى أن يزاد فيه بشيء من البدع وقد أنزل الله على نبيه
صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن في يوم عرفة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)».
وأضاف: "قد أوضح النبي صلى الله عليه
وسلم أن الإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة
الصلوات الخمس في اليوم والليلة، وإيتاء الزكاة بإخراج جزء يسير من المال لمستحقيه،
وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً".
كما ذكر أركان الإيمان فقال "الإيمان
أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال تعالى
(كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم
ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم وأشكروا لي ولا تكفرون يا أيها الذين آمنوا استعينوا
بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)، فبعد أن امتن تعالى ببعثة نبيه صلى الله عليه
وسلم أوصى بالذكر والشكر والصبر، وإن من صفات أهل التقوى الصبر على الأقدار المؤلمة
كما قال تعالى (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك
هم المتقون)".
وتابع الشيخ عبدالله المنيع: "الحياة
الدنيا لا تسلم من المصائب ولذا أمركم الله بالصبر كما قال تعالى (ولنبلونكم بشيء من
الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة
قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)".
وأوضح المنيع، أن هذه المصائب تجعل العبد
يتذكر النعم الكثيرة والخيرات الوفيرة التي وهبها الله للإنسان كما قال تعالى (وإن
تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) وكما قال تعالى (ألم تروا أن الله سخر
لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)، وهذه المصائب تعرف
العبد بقدرة ربه، ومن ثم يعود إلى الله متضرعاً طلباً ورجاء مستشهداً بقوله تعالى
(وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون)، وقوله تعالى (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى
دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون)، وقوله تعالى (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم
بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون)، وقوله (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله
هو الغني الحميد).
وأكد أن هذه المصائب تذكر الناس بالآخرة،
وتجعلهم يستعدون للجنة التي لا مصائب فيها ولا أحزان كما قال تعالى (فلا تعلم نفس ما
أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)، وكما قال تعالى (وفيها ما تشتهيه الأنفس
وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون)، مبيناً أنه بهذه المصائب يحصل اختبار العباد والتمييز
بين أهل الصبر وأهل الجزع قال تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون).
وقال: "إن الشدائد مهما عظمت فإنها
لا تدوم ورحمة الله أوسع وفرجه أقرب وقد وعد الله بالفرج والتيسير، قال تعالى (فإن
مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا)، وقال تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل
الله بعد عسر يسراً)، وقال (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)».
وأضاف: "هذه المصائب تفتح أبواب طاعة
الله تعالى باحتساب الأجر في دفعها قبل وقوعها وفي فعل الأسباب المؤدية لرفعها بعد
حصولها، وقد جاءت الشريعة الإسلامية المباركة بعدد من الإجراءات المؤدية إلى ذلك، مبيناً
أن التوجيهات الإلهية جاءت للتعامل مع المصائب والمشكلات المالية والاقتصادية بما يحقق
رغد العيش للخلق".
وأشار إلى أن الشريعة الإسلامية رغّبت في الاكتساب والإنتاج، ومزاولة الأعمال وحثت على التجارة وجعلت الأصل في البيوع الحل والجواز، وحرمت الربا والغش والخداع في المعاملات، وأمرت باحترام الأموال العامة والخاصة، وأمرت بالوفاء بالعهود والالتزام بشروطها، ونظمت التعاون والتبادل التجاري، وأمرت بسداد الديون وتوثيق الحقوق.
وقال إن الشريعة الإسلامية حذرت من الإسراف وفرضت دفع الزكاة للفقراء والمساكين، ورغّبت في الصدقات لاسيما أيام الشدة والبلاء، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، وقال تعالى (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً)، وقال تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا)، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)، وقال تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم)، (وأوفوا الكيل والميزان)، وقال تعالى عن الجنة (أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء).