عبدالشكور عامر يكتب: حرب المياه القادمة.. كيف نمنعها ؟
توقع محمد على باشا منذ أكثر من قرنين من الزمان أن تقوم حرب مياه كبيرة بسبب
منابع نهر النيل فى إفريقيا.
فالنيل الأزرق ينبع من بحيرة تانا في مرتفعات
إثيوبيا الشمالية، حيث يبدأ رحلة طويلة إلى البحر المتوسط طولها حوالي ٤٧٠٠
كيلومتر، مخترقاً السودان، ويبدأ في الانحدار من الهضبة الأثيوبية من على ارتفاع
٦٠٠٠ قدم (حوالي ٢٠٠٠ متر) ويجري بسرعة هائلة.
إلا أنه ما من سفينة أو حتى مترجل على شواطئه
يستطيع أن يبحر أو يسير على ضفافه حتى ينصب خارج منطقة الجبال في جنوب السودان
ليصل إلى النيل الأزرق ويأخذ مساره إلى أرض الكنانة عبر الأراضي السودانية.
والنيل الأزرق في الثقافة الإثيوبية وأساطيرها، هو مِلك كامل بمياهه
لإثيوبيا، وتلك عقيدة راسخة فى وجدان الشعب الإثيوبي منذ القِدم.
ولذلك كانت رؤية محمد علي ومن بعده الخديو إسماعيل، هى حتمية الاستيلاء والتحكم في منابع النيل، إذ
اعتبروا الحروب المستقبلية من وجهة نظرهم ستكون حروب مياه.
بعض الدول اقترحت الأراضي الأوغندية
لإقامة دولة إسرائيل المزعومة ببحيرة فيكتوريا، لكن اليهود فضلوا فلسطين ولم ينسوا
المياه، وقد وجه الخديو إسماعيل حملات عديدة للاستيلاء على الحبشة، بخلاف تحكم مصر
في بحيرة ڤيكتوريا (مديرية خط الإستواء المصرية سابقاً) كما سماها إسماعيل عند
فتحها وحكمها.
من هنا ندرك حجم الأطماع الإسرائيلية فى مياه النيل، ولذلك فهى تدعم الموقف
الإثيوبي المتعنت ضد مصر والسودان بكل الأساليب وأشكال الدعم، وإن كانت تُظهر عكس
ذلك.
وكان لقوى الاستعمار البريطاني والإمبريالية الأمريكية منذ هذا التاريخ دور
واضح، فهم يعدون العدة للتفرقة ما بين شعوب وادي النيل وتفتيت النهر وزرع الفتنة والكراهية
بين شعوب وادى النيل لنهب ثرواته ومقدراته.
إلا أنه وبعد استقلال إثيوبيا بشهر واحد وتحديداً في ٦ فبراير ١٩٥٦ أعلنت
حكومة الإمبراطورية الأثيوبية أن أثيوبيا سوف تُخزن لغرض الاستخدام، تلك الكميات
من مياه النهر التي تنبع من أراضيها.
أعقب هذا التصريح قيام الحكومة
الإثيوبية بإرسال مذكرات رسمية إلى بعثتها الدبلوماسية في القاهرة تفيد بأن أثيوبيا
سوف تحتفظ بحقها في استغلال مصادرها من النيل لصالح شعبها بغض النظر عن احتياجات
دول النيل الأخرى من المياه.
ومن هنا يتأكد لدينا أن الموضوع موروث فولكلوري في الثقافة الإثيوبية،
ولذلك فإن مشكلتنا تمتد جذورها مع إثيوبيا عسكرياً منذ عهد إسماعيل وسياسياً منذ
١٩٥٦.
لكن ما الحل ؟!
إن الحل لا يمكن أن يكون حلاً عسكرياً، ولا أن يقتصر على الجانب السياسي
فحسب، بل لابد أن يكون حلاً ثقافياً من الطراز الأول، كأن يكون هناك ترابط إيجابي
ما بين شعوب وادي النيل.
ترابط اقتصادي وتعليمي وتجاري يفيد جميع الأطراف،
ويعظم فكرة التعاون المائي للاستفادة من منابع النيل بأقصى حد ممكن لخير شعوب وادى
النيل عبر الأجيال القادمة، وحتى لا تتكرر تلك الأزمات والنزاعات لابد أن تكون تلك
الاتفاقيات والتفاهمات عبر آليات قانونية ودولية لا تقبل التشكيك أو التغيير.
إن أسوأ ما أخشاه ويخشاه المخلصون، أن ينفرط عقد النيل، خاصة والإمبريالية
تقف من خلفه تنفخ في النار بدعم من قوى
الشر، وفى مقدمتها دويلات تسعى للتوسع الجغرافي على حساب الأمن القومي المصري
والعربي، مثل قطر وتركيا التى تسعى لاستعادة إمبراطوريتها العثمانية القديمة التى
لم تقدم للعرب والمسلمين أى شيء ذي فائدة علمية أو ثقافية او تاريخية، غير الجباية
والقمع والقتل الممنهج وتفريغ تلك البلدان التى احتلتها من كوادرها العلمية
والثقافية والحرفية.