رئيس التحرير
عصام كامل

عودة الروح والوعي.. كيف سجل توفيق الحكيم حال المجتمع وحاجته

الأديب الكبير توفيق
الأديب الكبير توفيق الحكيم

مشروع أدبي مميز، وإبداع في شتى المجالات، إرث ثقافي ضخم لا يزال يحمل رونقة الخاص رغم مرور 33 عاما على رحيل الأديب والمفكر الكبير توفيق الحكيم، إلا أن كتاباته ورواياته تعتبر من أهم ما حوته المكتبة العربية حتى الآن. 

 


ويعد أبرز ما ميز كتابات توفيق الحكيم خلال مسيرته الحافلة، حرصه على تجسيد حاجة الوطن، وإبراز آماله وآلامه، سواء من خلال إسقاطات رواياته و نصوصه المسرحية، أو بالتصريح المباشر عن رأيه في أحداث هامة في تاريخ مصر الحديث وبالتحديد فترة ما بين الحربين العالميتين وبعد ثورة 23 يوليو 1952.

 


 


سخر الحكيم قلمه لرصد مواطن الضعف مشيرا إلى أخطاء، وداقا ناقوس الخطر نحو القضايا الهامة، كما بدأت ترصد كتاباته حال المجتمع منذ بداية ثلاثينات القرن الماضي، حيث كانت مصر لا تزال تحت احتلال بريطاني بغيض، وكانت الأمة تعاني ويلات الاستعمار.

 


وتعتبر ثنائيته الشهيرة "عودة الروح" و"عودة الوعي"، من أبرز ما قدمه في توصيف حال المجتمع، و رصد ما مر به خلال فترتين مختلفتين، حيث سجل الحكيم أهم ما تحتاجه وتفتقر إليه الأمة من وجهة نظره ووفقا لرؤيته في هاتين الفترتين من روح و وعي.

 


وتعد رواية "عودة الروح" والتي صدرت عام 1933، من أهم الكتابات الأدبية العربية، حيث حملت إسقاطا واضحا ومطالبة بضرورة أن يحدث تغيرا يفيق الأمة، ويخلصها من سباتها العميق، لتؤثر الرواية في الكثيرين، ويقول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أنه تأثر بأفكارها خلال شبابه، ومعتبرا إياها ملهما لثورة 23 يوليو. 

 



وتدور رواية عودة الروح حول بطل الرواية محسن، ترك دمنهور، حيث عائلته الثرية، ليلتحق بإحدى مدارس القاهرة، فى حى السيدة زينب ويعيش حياة بسيطة مع أعمامه الثلاثة وعمته التى ترعى شؤونهم بعد أن فاتها قطار الزواج، إضافة لخادم من القرية، ويقع الذكور جميعاً فى حب جارتهم سنية الفتاة العصرية التى تعزف على البيانو، ولكنها تخيب أملهم جميعاً وتقع فى حب جارهم وجارها مصطفى، ثم تندلع ثورة 1919 من أجل عودة سعد زغلول ورفاقه الذين نفوا بعيدًا عن الوطن.

 


ويشارك محسن وأعمامه والخادم فى المظاهرات التى تؤيد الثورة وكما بدأت الرواية بهم مرضى فى الفراش فى غرفة واحدة تنتهى بهم فى زنزانة واحدة فى السجن ثم فى غرفة واحدة فى مستشفى.

 


وفي واحدة من أكثر أعمال توفيق الحكيم إثارة للجدل، يصدر عام 1972 كتابه "عودة الوعي"، والذي وجه فيه انتقادا شديدا للرئيس الراحل جمال عبدالناصر وفترة حكمه، واصفًا تلك المرحلة بأنه عاش فيها الشعب المصرى فاقدًا للوعى، حيث هاجمه الكثيرين فور صدورها.

 



ورغم نقده له، يؤكد توفيق الحكيم حبه للرئيس جمال عبد الناصر وحرصه على دعمه من خلال كتاباته أثناء فترة حكمه، فيقول في كتابه "عودة الوعي": "لقد كانت ثقتى بعبدالناصر تجعلنى أحسن الظن بتصرفاته وألتمس له التبريرات المعقولة، وعندما كان يداخلني بعض الشك أحيانًا، وأخشى عليه من الشطط أو الجور، كنت ألجأ إلى افهامه رأيى عن بعدٍ وبرفق، وأكتب شيئًا يفهم منه ما أرمى إليه، فقد خفت يومًا أن يجور سيف السلطان فى يده على القانون والحرية، فكتبت السلطان الحائر".

 


 

ويتابع: "ثم خفت أن يكون غافلًا عما أصاب المجتمع المصرى قبيل حرب 1967 من القلق والتفكك، فيعتمد عليه فى الإقدام على مغامرة من المغامرات فكتبت بنك القلق وهى كلها كتابات مترفقة بعيدة عن العنف والمرارة، لمجرد التنبيه لا الإثارة، وكما علمت فقد قرأها وفهم ما أقصده منها، ولكنه فيما ظهر لم يأخذ بها".

 


 


ويوضح توفيق الحكيم سر كتابته "عودة الوعي"، وناصحا من يقوم بعده بدراسة الحقبة الناصرية، قائلا: "مهما يكن من أمر فإن هذه المرحلة من مراحل مصر والتي استغرقت 20 عاما سوف تكون موضع دراسة مستفيضة وأرجو من دارسيها أن يكون رائدهم العدل والموضوعية، تطغى على تفكيرهم الهادئ وبحثهم الرزين وحكمهم الرصين أي حزازة أو مرارة أو مجاملة أو مبالغة وأن تذكر لها ولقادتها المحاسن والمساوئ على حد سواء".

الجريدة الرسمية