مبارك وبريطانيا.. قصص الغرف السرية فى الوثائق المحظورة
دأبت شبكة "بي بي سي" البريطانية، خلال الأعوام الماضية، على نشر عدة وثائق وصفتها بـ"السرية"، تتعلق بكواليس بعض الأحداث الهامة التي جرت في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، والبعض الآخر شمل معلومات تكشف لأول مرة عن علاقته "العاصفة" بلندن.
ضغوط لندن للإفراج عن مهربي مخدرات
كشفت "بي بي سي" مؤخرا عن وثائق
سرية تؤكد أن مبارك رفض مساعي بريطانيا لإقناعه بالإفراج عن اثنين من مهربي المخدرات
البريطانيين رغم حاجة نظامه إلى الدعم الاقتصادي البريطاني.وبحسب شبكة "بي بي
سي" البريطانية، فإنه في يوم 21 أكتوبر عام 1984، حكمت محكمة بريطانية بالسجن
مع الأشغال الشاقة لمدة 25 عاما على بريطاني يدعى بول كوليت بعد إدانته بمحاولة تهريب
7 كيلوجرامات من الحشيش إلى مصر.وتكشف وثائق بريطانية، نشرتها "بي بي سي"،
أن جيفري هاو وزير الخارجية البريطاني، في ذلك الوقت، طلب من مبارك، خلال زيارة للقاهرة
بعد ثلاث سنوات من بدء تنفيذ الحكم، إطلاق سراح كوليت، غير أن مبارك "رفض طلب
هاو بإصدار عفو رئاسي"، عن مهرب المخدرات البريطاني، حسبما جاء في مذكرة صادرة
عن إدارة الشؤون القنصلية بالخارجية البريطانية بعد الزيارة.
وكان الحكم بسجن كوليت قد أثار ردود فعل إعلامية غاضبة في بريطانيا، ما دفع هاو للطلب من مبارك العفو عنه.وقالت المذكرة: "أثيرت قضيته كوليت من جانب وزير الخارجية خلال زيارته لمصر (في أكتوبر 1987). غير أن الرئيس مبارك استبعد إصدار عفو رئاسي في المستقبل المنظور. في تلك الأثناء كان البلدان يتفاوضان بشأن شروط اتفاقية ثنائية لتبادل السجناء المحكوم عليهم في قضايا جنائية.وقالت مذكرة إدارة الشؤون القنصلية إن مبارك قال إنه "عندما يتم توقيع هذه الاتفاقية والتصديق عليها، سوف تتاح إمكانية أن يقضي السجناء المحكوم عليهم بالسجن بقية أحكامهم في بلدهم الأصلي (وليس إسقاط العقوبة بالعفو أو التبادل) وهذا بشرط أن كل الأطراف المعنية توافق على النقل".وأضافت: "أشار مبارك إلى أن كوليت، سوف تدرس قضيته من أجل ترحيله في حالة تقديمه طلبا بالترحيل عندما يتم التصديق على الاتفاقية."
رفض لقاء العائلة البريطانية المالكة
كما كشفت في وثائق أخرى أن مبارك، رفض لقاء
أي من أفراد العائلة الملكية البريطانية خلال سنوات رئاسته الأولى بسبب «موقفه من طريقة
تعامل الرئيس الراحل أنور السادات معها، ورغبته في خلق صورة لنظامه مختلفة عن سابقه،
بما في ذلك دور زوجته في المجال العام.
وجاء في وثائق جديدة تشرتها هيئة الإذاعة
البريطانية «BBC»، ضمن سلسلة الوثائق التي
تنشرها وفق قانون حرية تداول المعلومات، أنه خلال الترتيب لزيارته الثانية للندن في
فبراير 1983، رفض مبارك دعوة بريطانية للقاء تشارلز، أمير ويلز، ولي عهد بريطانيا،
وزوجته ديانا، أميرة ويلز.
وفي برقية «سرية عاجلة» إلى وزارة الخارجية
في 27 يناير1983، قال سير مايكل وير، سفير بريطانيا في القاهرة، إنه تلقى معلومات تشكل
«مفاجأة مذهلة له وللخارجية البريطانية» بشأن موقف مبارك، إذ أبلغه ابراهيم شكري، زعيم
حزب العمل المعارض، حينها، بأن مبارك قال خلال لقاء قريب معه إنه «ليس سعيدًا بالترتيبات
التي يجريها البريطانيون، خاصة الدعوة للقاء أمير وأميرة ويلز»، موضحاً أن هذه الترتيبات
ليست ملائمة لزيارة رئيس دولة، وأن مبارك شعر بأن عليه رفض الدعوة، وفق ما جاء في البرقية.
توطين الفلسطينيين بمصر
كما نشرت بي بي سي، وثائق زعمت أن مبارك
قبل طلبًا أمريكيًا بتوطين فلسطينيين فى مصر ضمن تسوية سياسية مع إسرائيل قبل أكثر
من 30 عامًا، مدعية أن مبارك استجاب للطلب الأمريكى مشترطًا التوصل لاتفاق على تسوية
شاملة للصراع العربى الإسرائيلى بين كافة الأطراف.
وزعمت الوثائق أن مبارك أبدى استعداده لاستقبال
مصر الفلسطينيين من لبنان رغم إدراكه للمخاطر التى تنطوى عليها مثل هذه الخطوة. وأشار محضر المباحثات إلى أن مبارك قال إنه أبلغ (فيليب) حبيب بأنه يدفع
الفلسطينيون إلى مغادرة لبنان تخاطر الولايات المتحدة بإثارة عشرات من المشكلات الصعبة
فى دول أخرى. وردت ثاتشر على هذا التحذير، ملمحة إلى أنه أيا تكن التسوية المستقبلية،
فإنه لا يمكن أن يعود الفلسطينيون إلى فلسطين التاريخية، وقالت: "حتى إقامة دولة
فلسطينية لا يمكن أن تؤدى إلى استيعاب كل فلسطينيى الشتات"، غير أن الدكتور بطرس
غالى، وزير الدولة للشؤون الخارجية فى ذلك الوقت، رد على ثاتشر قائلا:"الفلسطينيون
سيكون لديهم حينئذ، مع ذلك، جوازات سفر خاصة بهم، وسوف يتخذون مواقف مختلفة".
رفض تقديم تنازلات لإسرائيل لاسترداد سيناء
وكشفت وثائق سرية بريطانية أيضا أن مبارك
واجه، بعد حوالي 4 شهور من توليه الحكم، ضغوطا قوية لتقديم تنازلات، تشمل مقايضة على
حقوق الفلسطينيين، مقابل استكمال إسرائيل انسحابها من سيناء التي كانت قد احتلتها في
حرب يونيو عام 1967.وحسب الوثائق، فإن مبارك رفض بشدة ضغوطا أمريكية ويهودية وإسرائيلية
تحدث عن بعضها خلال مباحثاته مع رئيسة الوزراء البريطانية مرغريت ثاتشر قبل 77 يوما
فقط من موعد استكمال الإنسحاب الإسرائيلي في 25 أبريل عام 1982.
وتكشف الوثائق، التي حصلت عليها بي بي سي
العربية حصريا بمقتضى قانون حرية المعلومات في بريطانيا، أن ثاتشر أيدت موقف مبارك،
وأدركت "حرصه على حماية مصالح العالم العربي الأوسع وحقوق الفلسطينيين".واستعرض
مبارك مع ثاتشر بعض الضغوط التي مارسها عليه اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وفق
ما جاء في محضر لقاء الزعيمين يوم 6 فبراير عام 1982 في مقر ثاتشر الريفي.
مؤامرة اغتيال
كما كشفت وثائق أخرى عن أن مصر نبهت بريطانيا
إلى "مؤامرة لاغتيال" مبارك خلال زيارته للندن عام 1983.وحسب الوثائق، فإن
السفارة المصرية أبلغت السلطات البريطانية بـ "معلومات تفصيلية بشأن تهديد"
قد يتعرض له مبارك خلال الزيارة.
وتشير برقية سرية لقسم الأمن في إدارة البروتوكل
بوزارة الخارجية البريطانية، إلى أن السفارة أبلغت عن أن "فصيلا معينا من جماعة
أبو نضال الإرهابية ربما تنفذ عملا ضد مقر السفارة أو أي من مكاتبها في لندن".
وطلبت السفارة توفير تدابير إضافية لحمايتها ومكاتبها.وجاء إبلاغ البريطانيين بهذه
المعلومات في 27 يناير عام 1983، أي قبل ستة أيام من زيارة مبارك لبريطانيا، حسب الوثائق.
بريطانيا سعت لحماية مكانة مبارك
وثائق أخرى نشرتها "بي بي
سي" وكشفت أن البريطانيين سعوا جاهدين للحفاظ على مكانة حسني مبارك كنائب للرئيس
المصري حتى يتمكن من خلافة الرئيس أنور السادات "أملا في مساعدتهم على إبرام صفقات
سلاح". وحسب الوثائق، فإن التقييم البريطاني للرئيس السابق عندما تولى الرئاسة
هو أنه "كان مستقيما ولم يكن قابلا للإفساد في المنصب"، وأنه "تولى
الرئاسة على مضض".
وتشير الوثائق، التي حصلت عليها بي بي سي،
إلى أن بريطانيا كثفت اهتمامها بمبارك، عقب توليه منصب نائب الرئيس في 16 أبريل
1975.
عداء مع بي بي سي
كشفت وثائق أخرى أن مبارك كان منزعجا للغاية
من بي بي سي لدرجة دفعته لرفض دعوة رسمية لزيارة لندن عام 1984.
وتشير الوثائق، إلى أن البريطانيين حاولوا
جاهدين "تخليص مبارك مما اسمته الشبكة البريطانية "وسواس بي بي سي"
الذي كانوا يعتقدون بأنه سيطر عليه خلال سنوات حكمه الأولى.