رئيس التحرير
عصام كامل

ما حكم انضمام المسلم إلى طريقة صوفية؟.. المفتي السابق يجيب

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق إن التصوف هو منهج التربية الروحي والسلوك الذي يرقى به المسلم إلى مرتبة الإحسان التي عرفها النبي ﷺ "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" فالتصوف برنامج تربوي، يهتم بتظهير النفس من كل أمراضها التي تحجب الإنسان عن الله عز وجل، وتقويم انحرافاته النفسية والسلوكية فيما يتعلق بعلاقة الإنسان مع الله ومع الآخر ومع الذات.


وأوضح المفتي السابق أن الطريقة الصوفية هي المدرسة التي يتم فيها ذلك التطهير النفسي والتقويم السلوكي، والشيخ هو القيم أو الأستاذ الذي يقوم بذلك مع الطالب أو المريد فالنفس البشرية بطبيعتها يتراكم بداخلها مجموعة من الأمراض مثل: الكبر، والعجب والغرور، والأنانية والبخل، والغضب، والرياء، والرغبة في المعصية، والخطيئة، والرغبة في التشفي والانتقام، والكره، والحقد والخداع، والطمع، والجشع. قال تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} ؛ ومن أجل ذلك فطن أسلافنا الأوائل إلى ضرورة تربية النفس، وتخليصها من أمراضها لتتواءم مع المجتمع وتفلح في السير إلى ربها.


والطريقة الصوفية ينبغي أن تتصف بأمور منها:
أولاً: التمسك بالكتاب والسنة، إذ أن الطريقة الصوفية هي منهج الكتاب والسنة، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو ليس من الطريقة، بل إن الطريقة ترفضه وتنهى عنه.
ثانياً: لا تعد الطريقة تعاليم منفصلة عن تعاليم الشريعة بل جوهرها.
وللتصوف ثلاثة مظاهر رئيسية حث على جميعها القرآن الكريم وهي:
أولاً: الاهتمام بالنفس، ومراقبتها , وتنقيتها من الخبيث، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا - قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.
ثانياً: كثرة ذكر الله عز و جل، قال سبحانه:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا" . وقال النبي ﷺ " ولا يزال لسانك رطباً من ذكر الله".
ثالثاً: الزهد في الدنيا، وعدم التعلق بها والرغبة في الآخرة. قال تعالى " وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" أما عن الشيخ الذي يلقن المريدين الأذكار ويعاونهم على تطهير نفوسهم من الخبث، وشفاء قلوبهم من الأمراض، فهو القيم، أو الأستاذ يرى منهجاً معيناً هو الأكثر تناسباً مع هذا المريض، أو تلك الحالة، أو هذا المريد أو الطالب، وكان من هديه ﷺ أن ينصح كل إنسان بما يقربه إلى الله وفقاً لتركيبه نفس الشخص المختلفة، فيأتيه رجل، فيقول له: يا رسول الله أخبرني عن شئ يبعدني عن غضب الله، فيقول النبي ﷺ :" لا تغضب" ، ويأتيه آخر يقول أخبرني عن شئ أتشبث به فيقول له النبي ﷺ: " لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله" وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يكثر من القيام بالليل، ومنهم من يكثر من قراءة القرآن، ومنهم من كان يكثر من الجهاد، ومنهم من كان يكثر الذكر، ومنهم من كان يكثر من الصدقة وهذا لا يعني ترك شئ من العبادة، وإنما هناك عبادة معينة يكثر منها السالك إلى الله توصله إلى الله عز وجل، وعلى أساسها تتعدد أبواب الجنة، ولكن في النهاية تتعدد المداخل والجنة واحدة، يقول النبي ﷺ: " لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة، يدعون بذلك العمل ولأهل الصيام باب يدعون منه يقال له الريان" ، فكذلك الطرق تعد المداخل والأساليب، وفقاً للشيخ والمريد نفسه، فمنهم من يهتم بالصيام، ومنهم من يهتم بالقرآن أكثر ولا يهمل الصيام، وهكذا.

 


وأشار إلى أن ما ذكر يبين التصوف الحق، والطريقة الصحيحة، والشيخ الملتزم بالشرع والسنة، وعلمنا سبب تعد الطرق، لتعدد أساليب التربية والعلاج، واختلاف المناهج الموصلة، ولكنها تتحد في المقصد، فالله هو مقصود الكل ولا يفوتنا أن ننبه أن ذلك الكلام لا ينطبق على أغلب المدعين للتصوف، الذين يشوهون صورته، ممن لا دين لهم ولا صلاح، الذين يقومون يرقصون في الموالد، ويعملون أعمال المجاذيب المخرفين، فهذا كله ليس من التصوف ولا الطرق الصوفية في شئ، وإن التصوف الذي ندعو إليه لا علاقة له بما يراه الناس من مظاهر سلبية سيئة، ولا يجوز لنا أن نعرف التصوف ونحكم عليه من بعض الجهلة المدعين، وإنما نسأل العلماء الذين يمتدحون التصوف حتى نفهم سبب مدحهم له.


وأضاف: أخيراً نرد على من يقول: لماذا لا نتعلم آداب السلوك وتطهير النفس من القرآن والسنة مباشرة، فهذا كلام ظاهره فيه الرحمة، وباطنه من قبله العذاب، لأننا ما تعلمنا أركان الصلاة وسننها، ومكروهاتها، بقراءة القرآن والسنة، وإنما تعلما ذلك من علم يقال له علم الفقه، صنفه الفقهاء واستنبطوا كل تلك الأحكام من القرآن والسنة، فماذا لو خرج علينا من يقول نتعلم الفقه وأحكام الدين من الكتاب والسنة مباشرة، ولن تجد عالماً واحداً تعلم الفقه من الكتاب والسنة مباشرة.

 


وأردف: كذلك هناك أشياء لم تذكر في القرآن والسنة، ولابد من تعلمها على الشيخ ومشافهته، ولا يصلح فيها الاكتفاء بالكتاب كعلم التجويد، بل والالتزام بالمصطلحات الخاصة به، فيقولون مثلاً، " المد اللازم ست حركات" فمن الذي جعل ذلك المد لازماً، وما دليل ذلك من ألزمه الناس؟ إنهم علماء هذا الفن. كذلك علم التصوف علم وضعه علماء التصوف من أيام الجنيد - رضي الله عنه - من القرن الرابع إلى يومنا هذا، ولما فسد الزمان، وفسدت الأخلاق، فسدت بعض الطرق الصوفية، وتعلقوا بالمظاهر المخالفة لدين الله، فتوهم الناس أن هذا هو التصوف، والله - عز وجل - سيدافع عن التصوف وأهله وسيحميهم بقدرته، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} ولعل فيما ذكر بياناً لمعنى التصوف، والطريقة، والشيخ، وسبب تعدد الطرق، ولماذا نتعلم السلوك وتنقية النفس من ذلك اللم المسمى بالتصوف ونأخذه عن المشايخ ولا نرجع مباشرة إلى الكتاب والسنة، ونسأل الله أن يبصرنا بأمور ديننا، والله تعالى أعلى وأعلم.


الجريدة الرسمية