رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور هشام العسكري: ظاهرة "النينو" ستتسبب في موجات جفاف في حوض النيل.. والطاقة الشمسية يمكنها توليد احتياجات إثيوبيا الكاملة من الكهرباء

الدكتور هشام العسكري
الدكتور هشام العسكري

قال الدكتور هشام العسكري، خبير الاستشعار عن بُعد وعلوم نُظم الأرض، إن وضع التفاوض الخاص بسد النهضة أصبح معقدًا بين الدول الثلاثة، وهذا يستلزم توضيح بعض الحقائق العلمية. 


وأوضح الدكتور هشام العسكري، في البث المباشر مع مبادرة Let Nile Flow، أنه على مدار عقود، تم رصد وملاحظة التغيرات المناخية، وتأثيرها على درجة الحرارة عالميا، لافتًا إلى أن الدراسات ونماذج المحاكاة توضح أن أفريقيا ستكون الأكثر تأثرًا بارتفاع درجة الحرارة التي ستسببها التغيرات المناخية.

 

وألمح خبير علوم نظم الأرض، إلى أن أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، التي وضعتها الأمم المتحدة، شددت على ضرورة التعاون بين الدول وبعضها البعض لإنقاذ الإنسانية من آثار التغيرات المناخية، تحقيقًا للأهداف الموضوعة لذلك، والتي يأتي الهدف السادس منها للحفاظ على موارد المياه وتنميتها.

 

وأكد العسكري، أن العالم يحتاج للمياه من أجل الحياة من أجل الزراعة من أجل مكافحة الأمراض، وبالتالي فالتغيرات المناخية ظاهرة عالمية، نتأثر بها محليًا وإقليميًا، مشيرًا إلى إصرار فريق التفاوض المصري في مفاوضات سد النهضة على تضمين تعريفات الجفاف والجفاف الممتد، ضمن عملية التفاوض، لهذا السبب، قائلا: "لأن التغيرات المناخية حقيقة نعيشها نتأثر بها، وسيصبح مع تفاقمها الوضع حرجًا".

 

وأوضح أن كلا من مصر والسودان، لهما حصص تاريخية في مياه النيل، وهبها لهما الله عز وجل من نهر النيل الذي يعد أحد أطول أنهار العالم، وتأتيهما المياه بعد مرور النيل على دول كثيرة لها ثقافات مختلفة، قد يؤدي التغير في كمية المياه لهذه الدول على اقتصاداتها، ولكنه بالنسبة لمصر لا يعني شيئا سوى "الحياة"، ولذا فإن بدء ملء خزان سد النهضة بشكل أحادي، هو أمر غير مقبول، ويجب على إثيوبيا أن تكون جارة جيدة، وصديقة قريبة، بدلًا من أن يصبح الوضع معقدًا جدًا في فترة قليلة، نتيجة تأثير التغيرات المناخية. 

 

وتابع؛ بمراقبة صور الأقمار الصناعية، وجد أن هناك زيادة في حجم المياه أمام سد النهضة، بشكل كبير، مقارنة بالصور التي تم التقاطها في شهر يونيو -على سبيل المثال- والأرقام التي تم تسجيلها لحجم المياه أمام السد أرقام تثير الشك والريبة، لأنها تعني -وفق صور الأقمار الصناعية- احتجاز المياه بشكل كبير، في وقت لم نصل فيه بعد إلى قمة موسم الفيضان.

 

وأكد أن احتجاز المياه بهذا الشكل لا يستند إلى اتفاق المبادئ، الذي نص على الوصول لاتفاق بين الدول الثلاث قبل التخزين. 

 

وأضاف أن التغيرات المناخية لها تأثير مباشر على مياه النيل، مشيرا إلى عدم حقيقة ما جاء في تقرير "الإيكونوميست" عن أن التغيرات المناخية ستؤدي إلى زيادة مياه النيل، معللا ذلك؛ بأنه إذا من المتوقع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.1 درجة مئوية بحلول 2030، مؤكدا أن ذلك سيكون له تأثير دراماتيكي على كل الأنظمة البيئية في العالم، على مياه البحار في العالم، على الحياة البحرية، على الشعب المرجانية، وأيضا على الأمن الغذائي.

 

وأشار إلى أن أحد المعايير الهامة التي يقاس من خلالها التغير المناخي وتأثيراته، أو ما يمكن أن يطلق عليه المحرك الرئيسي للتغيرات المناخية، هو كمية انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في طبقات الجو، وبناء على هذه الانبعاثات يتم وضع التصورات للمستقبل فيما يختص بالتغيرات المناخية.

 

وتابع، أنه بحسب دراسات سابقة كان من المتوقع، وصول تركيز ثاني أكسيد الكربون في طبقات الجو إلى 421 جزء في المليون، مسببا ذلك ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.03 درجة مئوية مع نهاية القرن، إلا أنه بحلول وبحلول 2020 تخطينا تركيز 415 جزء في المليون، لافتا إلى أنه مع هذه المعدلات، فإنه من المتوقع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية مع نهاية القرن، وهذه التغيرات ستؤدي إلى كوارث على البشرية.

 

وأشار إلى أنه لا يمكن دراسة تأثير واحد للتغيرات المناخية بمعزل عن باقي التأثيرات أو العوامل التي تتسبب فيها، أو دراستها على نظام بيئي بمعزل عن باقي النظم البيئية والعوامل المؤثرة عليها، مؤكدا أن نشر تقرير يتنبأ بزيادة كمية المياه "فقط" دون التطرق للتأثيرات الأخرى، ذلك يفتقد للمهنية ويفتقد للطريقة العلمية في البحث، ولكن يمكن القول إنه "قد يكون صحيحا"، ولكنه في الوقت نفسه سترتفع درجات الحرارة بمقدار 7 درجات مئوية، وعندها لن تكون هناك حياة على الأرض، للاستفادة من هذه المياه.

 

واستعرض خلال البث الحي، منحنى لمدى زمني يظهر كمية المياه في النيل الأزرق، في الفترة من عام 1900 وحتى عام 2000، أي على مدى 100 عام، وضح من خلاله مفهوم الجفاف الممتد، حيث أشار المنحنى إلى وجود جفاف في إيراد النيل الأزرق عام 1913، بلغ وقتها الإيراد نحو 20 مليار م3، وحدث مرة أخرى في عام 1972، وبلغ وقتها الإيراد نحو 30 مليار م3، ثم مرة ثالثة عام 1984، وبلغ وقتها الإيراد أقل من 30 مليار، ومرة رابعة في عام 1987 وبلغ وقتها الإيراد أقل من 35 مليار م3.

 

وأكد أنه عند العمل في نظام مناخي، يجب أن نكون على علم بما سيحدث في نظام المناخ العالمي، وكيف سيؤثر ذلك على نظامنا المناخي، لافتا إلى أن ظاهرة النينيو ظاهرة عالمية، إلا أن لها تأثيرات متنوعة على المستويين المحلي والإقليمي.

 

وألمح إلى أنه في إفريقيا، وعلى سبيل المثال في إثيوبيا، أن الدراسات تتنبأ بأن المناطق الشمالية منها ستتعرض للجفاف، إلا أن الأجزاء الجنوبية والجنوبية الشرقية من إثيوبيا ستكون غير جافة، قائلا: "لذا فالمفاوض المصري، يصر على تضمين حالات وتعاريف الجفاف والجفاف الممتد ضمن المفاوضات، لإننا لا نعلم إلى أي مدى سيستمر هذا الجفاف في ضوء التغيرات المناخية". 

 

وقال العسكري، إذا كان لدى مصر وفرة في المياه، فلا مشكلة مع إجراءات الملء والتفاوض إذا، ولكن المشكلة أنه لا يوجد لدى مصر سوى نهر النيل فقط، هو يعني "الحياة" بالنسبة للمصريين.

 

وأشار إلى تكرار ظاهرة النينيو بين 3 إلى 10 سنوات، في شكل دورات، ويؤثر ذلك بالتبعية على موارد المياه، وبسط هذا المشهد بالمثال التالي، قائلا: "أنك تتوقع راتبك كل شهر في موعد محدد، إلا أنه بسبب تغيرات ما، قد تتقاضى راتبك كل شهرين أو 3 أشهر"، هل سيكون ذلك بالأمر السهل أو الهين عليك!

 

وعرض خبير علوم نظم الأرض منحنى آخر حول رطوبة سطح الترية في كل من مصر والسودان وإثيوبيا في الفترة من 2010 وحتى 2020، وأوضح أنه خلال الفترة بين 2010 و2012، كانت فترة جافة جدا، وبعدها في الفترة بين 2013 و2014 زادت رطوبة الترية بسبب أنها كانت فترة مطيرة، إلا أنه بعدها من 2012 وحتى 2020 خلال 8 سنوات تعرضنا لفترات جافة وفترات مطيرة، في دورة ظاهرة النينيو.

 

وأكد أنه في ضوء هذه المعطيات فإنه من المتوقع خلال السنوات القادمة أن نشهد سنوات شديدة الجفاف، موضحا أنه عند التعامل مع معلومات التغيرات المناخية، يجب التعامل مع معلومات المناخ على مدار 50 عاما أو 80 أو 100 عام، وليس على مدى زمني قصير أقل من ذلك، قائلا: "مع متابعة منحنى الجفاف الممتد، سنرى كيف تؤثر ظاهرة النينيو على المناخ العالمي، وعلى النيل الأزرق كذلك" .

 

وشدد على ضرورة اعتبار حالة الجفاف في النيل الأزرق عندما يتراوح إيراد المياه القادمة منه بين 43 - 46 مليار م3، وما دون ذلك فهو يعتبر جفاف حاد، قائلا: "إذا كان من حق إثيوبيا التنمية، فمن حق المصريين أيضا أن يضمنوا ما يقبيهم على قيد الحياة من المياه".


كما شدد على ضرورة توافر عناصر الشفافية والتعاون وتقدير احتياجات كل دولة، أثناء التفاوض، لأن ذلك سينعكس على نفع المنطقة بأكملها، مؤكدا أن ملء سد النهضة من قبل جانب واحد، دون مشاركة، سيسبب الكثير من المخاطر، على كل من مصر والسودان، وهذا لا يساعد أحدا، فضلا عن انتهاك لإعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث.

 

وبالعودة إلى تقرير "الإيكونوميست" وبالسؤال هل من المتوقع أن تؤثر السياسة على ما ينشر من معلومات علمية، على المواقع الإخبارية، أجاب الدكتور هشام العسكري، أن هذا يجب ألا يحدث، وقال: "لكنه مع الأسف نعم يحدث أحيانا، ويستخدم العلم بشكل غير أمين، لأغراض سياسية، وهو أمر بالفعل محبط".
وتابع، إذا نشرت دراسة تقول إن المياه ستزداد، نعم هذا شيء جيد، ويمكن أن يحدث ذلك، ولكن بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 7 درجات مئوية، فلن يوجد أي شخص على الأرض، للاستفادة من هذه المياه.

 

وحول البدائل الإثيوبية لتوليد الكهرباء، قال إنه من المتوقع أن ينتج سد النهضة كمية كبيرة من الكهرباء، إلا أن كمية الطاقة الشمسية التي تسقط على إثيوبيا، رغم إنها أقل من مصر، ولكنها كافية لتوليد الكهرباء لجميع الإثيوبيين.

 

واختتم حديثه قائلا: أشكر مبادرة Let Nile Flow، هذه المبادرة المستقلة، على ما تحاول تصحيحه من معلومات مغلوطة، حول المياه في مصر وقضية سد النهضة، والتأكد من المعلومات من مصادر علمية وبحثية ورسمية، ونشرها للجميع، قائلا: "القائمون على هذه المبادرة، يقومون بعمل رائع، ويجب أن يتم دعمهم، وهذا سبب وجودي معكم اليوم".

 

ودعا الدكتور هشام العسكري جميع الأشقاء في إثيوبيا إلى التعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، لكونها مصدرا رخيصا ودائم، دون مخاطر، فضلا عن تكلفتها القليلة عن تلك التي تم إنفاقها على بناء وتشييد سد النهضة، لافتا إلى أن الكهرباء المولدة منه، لن تكون للاستهلاك المحلي، ولكن سيتم تصديرها وقال: "نستطيع أن نتنج لأشقائنا في إثيوبيا، أطلس شمسي، على غرار الأطلس الشمسي المصري، فنحن لدينا الكثير من العلم الذي نستطيع مساعدتكم به".
وأعرب عن أمنيته أن تكون القارة الإفريقية كلها مستقرة، من أجل جميع الأفارقة، وأن تتعاون الدول والشعوب فيما بينها، ونتمنى الأفضل دائما لمصر والسودان وإثيوبيا، والقارة بأكملها.

الجريدة الرسمية