رئيس التحرير
عصام كامل

لغز صفقة القرن.. فخ ترامب المُحكم

الرئيس الأمريكي دونالد
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

وضع مركز دراسات روسى رؤية مختلفة لصفقة القرن وتداعياتها على أمريكا ومنطقة الشرق الأوسط ومنظمة ايباك.


وأوضح الباحث أمين صوصي علوي، أن المصالح التي حققها العرب مع ترامب كانت كبيرة حيث مكنهم وجوده في البيت الأبيض في إيقاف الدعم الأمريكي للحركات المسلحة و الإرهاب وتعطيل مخطط التقسيم الذي قاده أوباما بدعم من إيباك والمحافظين الجدد وأعوانهم الإقليميين (قطر، تركيا، إيران، الإخوان).


وأوضح أن كرست الكتابات حول المجتمع اليهودي وعلاقاته بصناعة القرار الأمريكي تصورات نمطية خاطئة حول الصهيونية والقوى التي تتبناها كفلسفة استعمارية وعادة ما ينظر إليها ككتلة موحدة يطلق عليها اسم "اللوبي الصهيوني" وفي أحسن الأحوال تربط كلها بلجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية التي تسمى اختصارا "إيباك" (AIPAC). وهو ما يدل عن عدم دراية بالتنوع الإيديولوجي في تلك القوى والذي قد يصل الى حد التنافر في تصور الصهيونية كـ"مفهوم سياسي مثالي" فضلا عن الاختلاف في النظر إليها كممارسة وإسقاطات سياسية في الواقع.


وقال أمين إنه في حالة الولايات المتحدة الأمريكية تتعدد اللوبيات الصهيونية وتختلف علاقاتها وولاءاتها الحزبية ليس داخل الولايات المتحدة الأمريكية فحسب بل إلى داخل إسرائيل نفسها.

 

وأضاف أنه من هذه اللوبيات ما يقدم نفسه كلوبي معتدل على أقصى اليسار ينزع للحلول الدبلوماسية في حل الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل مثل منظمة "جي ستريت" (J Street ومنها ماهو ليبرالي يميني يقدم نفسه كوسط و أشهرها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الصهيونية المعروفة اختصارا بـ "أيباك" AIPAC) ( ومنها ماهو على أقصى اليمين مثل المجلس الإسرائيلي الأمريكي "آي إي سي" (IAC) ... وأي خلط في فهم خلفيات تلك اللوبيات وحجم نفوذها ومجالات تأثيرها في السياسات التي تتبناها الإدارات الأمريكية المتعاقبة سيفضي إلى تحليلات فضفاضة لمخططاتها تجاه فلسطين و قضايا "الشرق الأوسط".


وقال: لعل أبرز شاهد على ذلك هو الخلط الذي وقع لكثير من المحللين حينما سمعوا بصفقة القرن واكتفوا بربطها بالأطماع الصهيونية في التوسع على حساب العرب وبادروا للحديث عن أدوار عربية في تحقيقها ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث الدقيق في الواقعة وسياقاتها ومن يقفون خلفها وأهدافهم الحقيقية.

 

وواضاف أمين : هنا ينبغي أن نرجع قليلا إلى الوراء لنفهم حقيقة مجموعة الضغط الصهيونية التي روجت لهذه الصفقة المشبوهة وسنجد الى جانب صهر ترامب اليهودي جاريد كوشنر إسم الملياردير الشهير مالك كازينوهات القمار شيلدون أدلسون هاتان الشخصيتان قدمتا في الإعلام كرموز للوبي الصهيوني داخل أمريكا.

 

وأشار إلى أن شيلدون أدلسون كان أحد أهم ممولي الصهاينة لحزب الليكود الإسرائيلي والحزب الجمهوري داخل الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد أن ألغت المحكمة العليا الأمريكية القيود على التبرعات للأحزاب السياسية.

 

وقال: تبرع شيلدون للحزب بمبلغ 100 مليون دولار خلال انتخابات عام 2012 في مسعى لإلحاق الهزيمة بالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وكان من بين كبار المتبرعين للرئيس الحالي دونالد ترامب في انتخابات 2016 حيث وصلت قيمة تبرعاته إلى 50 مليون دولار. كما جاء على رأس قائمة المتبرعين لحفلة تنصيب ترامب بمبلغ 5 مليون دولار كما تقول بي بي سي.


وأكد أمين أن شيلدون أديلسون كان أشهر أثرياء اليهود الممولين لـ"إيباك" قبل أن يتركها عام 2013 لغضبه بعد اكتشافه دعمها رسالة للكونجرس بالاتفاق مع إسرائيل تطلب من الرئيس بوش رفع المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين. ثم التحق بلوبي إسرائيلي أمريكي حديث تأسس عام 2007 في لوس  أنجلوس تحت اسم مجلس القيادة الإسرائيلي (ILC)  بعد أن لاحظ قادة إسرائيليون و أثرياء يهود أمريكا عدم اهتمام يهود لوس انجلوس الذين يبلغ عددهم 200  ألف يهودي بالاحتشاد للتظاهر من أجل دعم إسرائيل في حربها ضد حزب الله عام 2006.


وقال أمين في دراساته إن الأهداف الأولى لتأسيس هذا اللوبي الجديد كانت تحفيز اليهود من كل الحساسيات السياسية ) ديمقراطيين أو جمهوريين ( على الاجتماع للضغط من أجل مصالح إسرائيل العليا لكن بانضمام شيلدون أديلسون إليهم عام 2013 وضخه لملايين الدولارات استطاع تغيير اسم اللوبي من مجلس القيادة الإسرائيلي إلى المجلس الإسرائيلي الأمريكي "آي إي سي" و تغيير أهدافه حيث تمكن إخراجه من "المبادئ" الأولى التي أنشئ من أجلها كلوبي جامع لكل اليهود إلى لوبي للأرثودوكس الأكثر تطرفا في دعمهم لإسرائيل مما دفع الملياردير حاييم صبان وهو أحد أثرياء اليهود المقربين من الحزب الديمقراطي إلى ترك اللوبي ليصبح حكراً على اليهود الأرثودوكس الأكثر تطرفا و الداعمين لفرض الأمر الواقع.

 

وأشار إلى أن صحيفة هاآريتس الإسرائيلية نقلت نقاشا صرح فيه صبان أن إسرائيل بدون حل الدولتين سيكون لها الخيار بين أن تصبح دولة يهودية أو ديموقراطية. فرد أديلسون "إ ذا لم تكن إسرائيل ديمقراطية أين المشكلة ؟".

وقال: في الحقيقة دعم صبان لما يعرف بحل الدولتين يمثل التوجه البراجماتي الميكيافيلي المدعوم من الايباك وإسرائيل نفسها حيث تعول مخططاتهم على تغيير خارطة منطقة "الشرق الأوسط" حتى تكون جاهزة بعد مسلسل سلام طويل الأمد ومضلل يضع جزرة حل الدولتين أمام العرب والفلسطينيين ويغريهم بتغيير الأنظمة إلى "وهم الديمقراطية" للحصول عليه. كما أنه يحافظ على أسطورة "إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة".

 

وأضاف أمين أن أي كسر لهذه المعادلة هو مقامرة بمخطط دهاة الصهاينة الذين اختاروا الليبرالية و التبشير بالديمقراطية كحصان طروادة لفرض مخطط الشرق الأوسط الجديد "إسرائيل الكبرى" دون مقاومة من العالم أو رفض عربي عنيف تستفزه سياسة الأمر الواقع التي يريدها شيلدون أدلسون والأرثودوكس المتطرفون التي تكشف زيف صورة إسرائيل كواحة للديمقراطية وتظهرها على حقيقتها عند الرأي العام اليهودي الأمريكي الذي بات ينزع للسلام مع الفلسطينيين ولحل الدولتين كما يظهر من خلال الإحصائيات.

 

وقال: يظهر موقع " Virtual Library " American-Jewish Cooperative Enterprise: Jewish   أن 7 من كل 10 يهود في الولايات المتحدة الأمريكية يصوتون منذ عام   1984 للحزب الديمقراطي وهم في معظمهم غير متدينون وزاهدون في  قضايا إسرائيل عموما وما يهمهم هو القضايا التي تخصهم كمواطنين مندمجين في الولايات المتحدة الأمريكية.


وأشار الى ان دراسة لمركز بي للأبحاث" الأمريكي المتخصص في الإحصائيات الديموجرافية أقرت باستمرار تراجع نسبة التدين في المجتمع اليهودي الأمريكي اليهودي منذ خمسينيات القرن الماضي لتسجل حاليا أقل من 2% في الوقت نفسه وتستمر العلمانية التي لها باع طويل في حياة الأمريكيين اليهود في الاستحواذ على مجمل الصوت اليهودي، وهو ما ينعكس على الصوت اليهودي الذي يميل 70% منه للديمقراطيين مقابل نسبة تقارب 20% يميلون للحزب الجمهوري.

وقال أمين: لم تستطع إيباك التفريط في شعار جامع كالديمقراطية رغم إغراء أموال شيلدون أدلسون ومن معه من أثرياء "التيار الارثودوكسي المنفلت" لأنه يشكل الضامن الوحيد لأمن إسرائيل والوسيلة الناعمة لتحقيق مخططات صهيونية توسعية بعيدة الأمد وهو ما عبر عنه صراحة الرئيس التنفيذي لمجموعة ايباك هوارد كوهر في لقائه مع نتنياهو في مارس 2018 .

 

وقال إن كوهر دعا إلى إقامة دولة فلسطينية قائلا " ما نحتاج إليه، هو حل الدولتين لشعبين: دولة يهودية مع حدود آمنة وقابلة للدفاع عنها، وأخرى فلسطينية مع علمها ومستقبلها الخاص بها"  وأضاف " إن غياب عملية سلام بناءة ليس شيئا يُحتفى به .. لا يمكن ضمان أمن إسرائيل ولا يمكن تحقيق وعدها بالكامل حتى تكون في سلام مع جميع جيرانها".


وأضاف: حظي نتنياهو بدعم مطلق من إيباك لمدة طويلة لكن حينما بدأت مشاكل الفساد تلاحقه بات يهتم بأصوات الأرثودوكس الأكثر تطرفا داخل والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ليبقى أطول مدة في السلطة ويضمن إفلاته من المحاسبة وهو ما شكل له خلافات مزمنة مع إدارة أوباما المقربة من إيباك وزادت اتساعا بعد ان تخلى عن إيباك واختار دعم ترامب و شيلدون أدلسون والأرثودوكس الذين وإن كانوا يشكلون اقل من 10  % من يهود الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنهم يمتلكون 40 % من كنيس اليهود ويمتلكون إمكانيات ماليات ضخمة وشبكات إعلام تجعلهم على قلة عددهم مؤثرين في صناعة القرار السياسي على المدى القصير خاصة.


وأشار إلى أن ترامب صمم مشروعه الفخ (صفقة القرن ) ليدفع نتنياهو لاتخاذ خطوات استعمارية متطرفة وهو يعلم مسبقا تلهف هذا الأخير لابتلاع الطعم هربا من المحاسبة في قضايا فساد بضمان دعم اليهود الاورثودوكس و الإدارة الأمريكية التي تكفلت بتمويل المشروع بخلاف الإدارات السابقة التي ماكانت لتقبل مثل هذا الحل الراديكالي الذي قد ينهي مخطط الشرق الأوسط الجديد ويفقدها تجاوب حلفاءها العرب.

ولفت إلى أن ترامب حقق من صفقته المريبة هدفين أساسيين أولهما انتخابي محض يحضى به نتنياهو بدعم مطلق لليهود الأرثودوكس وهو ما ظهر جلياً بدعم شيلدون أدلسون لحملة نتنياهو داخل إسرائيل ودعم ترامب له في الانتخابات حيث ماطل في الكشف عن صفقة القرن إلى أن اقتربت الانتخابات الإسرائيلية ليدعم نتنياهو بالكشف عن صفقة شاذة لا تحظى الا بدعم الأرثودوكس المتطرفين وهو ما مكن نتنياهو من الفوز في انتخابات مارس 2020 والإفلات من المحاسبة.

 

وقال: في المقابل ضمن تحالف ترامب تمويلاُ سخيا لحملته الانتخابية المقبلة من شيلدون أدلسون ومن معه من لوبي "آي إي سي" وضمان الصوت المسيحي المتصهين داخل الولايات المتحدة الأمريكية حيث علق تطبيق صفقة القرن على أربع مراحل بفوزه بولاية ثانية. خاصة أنه حصل على مصداقية كبيرة لديهم ودعم مطلق بعد أن طبق ما وعد به في ولايته الأولى باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل بعد أن نقل السفارة الأمريكية إليها.

واضاف: أما هدف ترامب الثاني فهو هدف بعيد المدى وهو تقليم أظافر "إيباك" التي كانت إلى وقت قريب المسيطر الأساسي على الكونغرس وصناعة القرار الأمريكي. وقد أحرج ايباك بصفقة القرن التي وضعتها في مأزق إما ستقبل بالصفقة وهي مخطط استعماري فج وستفقد حينها تعاطف غالبية اليهود والرأي العام الأمريكي عامة وبالتالي ستفقد مشروعيتها كممثل رئيسي لغالبية الجمعيات اليهودية الليبرالية المتعاطفة مع إسرائيل أو ترفض الصفقة وتفقد الممولين الرئيسيين من الأثرياء الأرثودوكس لتحافظ على علاقاتها مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي وتبقي على ما استطاعت من الرأي العام اليهودي الذي تقاسمته لوبيات أخرى أكثر تعاطفا مع طروحات السلام على رأسها "جي ستريت".


وأشار إلى أن ترامب كان يعلم مسبقا أنها سترفض خطته للسلام "صفقة القرن" لأنها ستضطر لاتخاذ موقف واضح ضد الموقف الغالب عند يهود أمريكا والمخالف لمشروع طرد الفلسطينيين إعلان يهودية إسرائيل التي تؤمن بها النواة الصلبة للإيباك و الذي تخفيه عن الرأي العام بمساحيق دعمها لمسلسل السلام المكفول بثنائية الحزبية. في محاولة لانقاذ مشروعها بعيد المدى لتقسيم العالم العربي وتمكين الصهاينة الأقل تهورا من الحفاظ على أمن إسرائيل وضمان تحقيق مصالحها العليا و"مخططاتها الإمبراطورية" بعيدا عن أعين المعارضين.

الجريدة الرسمية