«كورونا» يشعل فتنة «دكتور أون لاين».. «الأطباء» تحذر وتتعهد بفتح الملف.. ومطالب بإنهاء «الكشف المجانى» على «واتس آب» و«فيس بوك»
معطيات كثيرة وجديدة فرضها انتشار وتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) على حياة البشر، سواء تلك المتعلقة بـ«التباعد الاجتماعى» أو الارتداء الإلزامي لـ«الكمامة» في غالبية الأماكن، هذا فضلًا عن الإجراءات الاحترازية والوقائية التي لجأت غالبية حكومات الدول لتطبيقها في محاولة منها لتقليل الخسائر نتيجة الجائحة.
القطاع الطبى.. كان واحدًا من القطاعات التي تأثرت كثيرًا بـ«الجائحة»، فإلى جانب المجهودات الضخمة التي يبذلها أعضاء الطاقم الطبى في مواجهة الفيروس القاتل، والتضحيات التي يقدمها الجيش الأبيض كل يوم على جبهة معركة مواجهة «كورونا» ظهرت في الأفق مصطلحات ومعطيات جديدة داخل القطاع، من أبرزها «فحص المرضى أون لاين».
كشف أون لاين
ورغم أهمية الفحص الإكلينيكى للمريض «السريرى» وهو أحد شروط التشخيص الطبي إلا أن «كوفيد 19» فرض أشكالًا جديدة للكشف بعيدًا عن مناظرة الطبيب للمريض شخصيًا حيث وظهرت الاستشارات الطبية الإلكترونية عبر تطبيقات «واتس آب» و«فيس بوك».
بداية «الاستشارات الطبية» كانت عندما تطوع الكثير من الأطباء للكشف على المواطنين مجانًا عبر وسائل التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«واتس آب»، وذلك في إطار تطبيق إجراءات «التباعد الاجتماعى»، ليس هذا فحسب بل تطوع الكثير من الأطباء لعلاج حالات الكورونا مجانًا نظرًا لأزمة الضغط على المستشفيات.
المثير في الأمر هنا أنه مع انتشار الاستشارات «أون لاين» المجانية، أغلق بعض الأطباء عياداتهم الخاصة خوفا من العدوى، وقرروا توقيع الكشف إلكترونيًا على المريض مقابل تحويل قيمة الكشف، ورغم نفع هذا الأسلوب في بعض التخصصات، إلا أنه أمر غير مجدٍ عندما يجب أن يتم تشخيص المريض إكلينيكيا للاستماع لدقات القلب أو معدلات التنفس وهكذا.
ولأن أطباء أمراض الصدر كانوا في مقدمة الأطباء الذين شهدت عياداتهم إقبالا من المرضى، الذين هرعوا لطرق أبواب عيادات الصدرية خوفا من الكورونا، لكن هناك عددا من الأطباء قرروا العمل عبر «واتس آب» خوفا من انتقال العدوى لهم، بل تم وضع تسعيرة خاصة لمتابعة مريض الكورونا.
تجارب المرضى
«ع. م» أحد المواطنين الذين لجأوا إلى الكشف «أون لاين»، يروى تجربته قائلا: والدى أصيب بفيروس كورونا، وظل 60 يومًا في المستشفى حتى تماثل للشفاء، وبعد خروجه كان لابد من متابعة طبيب أمراض صدرية لعلاج الآثار التي تركها الفيروس على الجهاز التنفسى.
وعند الاتصال بالطبيب الذي اعتدنا الذهاب إليه، فوجئنا أنه قرر إغلاق عيادته مؤقتا، وأنه يجرى الكشف عبر تطبيق «واتس آب» من خلال إرسال الأشعة والتحاليل وتسجيل صوت «كحة المريض»، مقابل تسديد مبلغ 500 جنيه لمتابعة المريض، في حين أن الكشف بالعيادة كان 150 جنيها!
أمانى محمد، هي الأخرى تعرضت للموقف ذاته، وقالت:: تواصلت مع طبيب قلب إخصائى، لاستشارته في قراءة أشعة «الإيكو» وبعض التحاليل، لمعرفة احتياج المريض لعمل قسطرة قلبية أم لا، بشكل عاجل، وكان رد الطبيب مفاجئا لى، وهو أن الطبيب الذي أجرى أشعة الإيكو أفاد بضرورة إجراء قسطرة بهدف الاستثمار بمرض المريض لتحصيل أموال فقط.
وأن المريض يمكن علاجه بالأدوية ولا حاجة لدخول العمليات لتركيب الدعامات، وأوضحت أنها فور سماع التسجيل الصوتى الذي أرسله إليها الطبيب عبر «واتس آب» والذي أكد فيه أن المريض يمكن علاجه بالأدوية سيطرت عليها السعادة والأمل، خاصة بعد أن أوضح لها أن إجراء العملية استغلال لنقود المريض، وعرض الطبيب عليها أنه يمكن متابعة الحالة لمدة ثلاث أشهر مقابل أجر مادى فوافقت على الفور، غير أنها فوجئت أن الطبيب يريد ١٥ ألف جنيه مقابل متابعة المريض «أون لاين» بحجة أن الروشتة السحرية التي سيكتبها ستغنى المريض عن دفع ألوفات في العملية، فما كان منها إلا أن رفضت الأمر، وبعد مرور أسبوع وجدت تحذيرات من بعض الأطباء من هذا الطبيب بإيهام المرضى بشفائهم بالأدوية وليس القسطرة مقابل الحصول على المبلغ المذكور.
بدوره أكد الدكتور عبدالعال محمد البهنسي، مؤسس المبادرة المصرية الوطنية لإصلاح القطاع الصحي أن نظام العلاج عن بُعد المعروف بالـ «تلي ميديسن telemedicine -» موجود في دول كثيرة متقدمة حول العالم، بغرض حل مشكلة نقص الأطباء وتوفير الوقت والجهد والمال على مقدم الخدمة الطبية والمريض متلقي الخدمة، وهناك إطار يحكم هذه العلاقة الجديدة من نوعها في المجال الطبي.
منظومة العمل
وحقق هذا النظام نقلة نوعية في بلد مثل ألمانيا، في التغلب على معوقات وصعوبات كانت تواجه الدولة في تقديم الخدمة الطبية وتوفير كل التخصصات في كل الولايات.
وأضاف: أما ما حدث في مصر إبان انتشار وباء الكورونا، وإغلاق معظم الأطباء عياداتهم، وإغلاق وزارة الصحة العيادات الخارجية بكل المستشفيات، جعل معظم أطباء مصر منتشرون على وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم النصيحة الطبية في هذه الجائحة رحمة بالمرضى والمواطنين الذين سيعانون كثيرا من غلق العيادات الحكومية ومعظم العيادات الخاصة فجأة.
وهذا أمر محمود من جانب أطباء مصر، وكانت تتم الاستشارات ووصف الأدوية في نطاق محدود جدا وبنسبة لا تتعدى حاجز الـ30% وكانت تتم لحالات مرضية بسيطة ومعروفة وبالمجان، إضافة إلى مساعدة المستشفيات الحكومية وأقسام الطوارئ في تقديم النصيحة الطبية لكل من يشعر بأي أعراض لها علاقة بوباء الكورونا، وتقديم النصائح للوقاية من الإصابة وكيفية التعامل مع حالات العزل المنزلي وخلق حالة من الوعي الطبي لدى الشعب في فترة قصيرة، مما خفف الضغط كثيراَ على مستشفيات الدولة وحمى النظام الصحي من الانهيار وسط الجائحة، وهذا ما يُسمى بـ"النظام الصحي الموازي".
وأضاف «البهنسي»: إن «استخدام التكنولوجيا الحديثة وتطويعها في النظام الصحي أصبح ضرورة ملحة وليس رفاهية كنظام الـ(تلي ميدسين) ولا بد أن يكون جزءا أصيلا من منظومة الصحة في مصر، لما له من فوائد عظيمة ينعكس أثرها على شكل وجودة الخدمة الطبية، ويتم ربط المستشفيات بعضها ببعض ويكون النظام مجانا وليس بأجر، لأنه إذا تم السماح لفكر البزنس والمصالح أن يدخل في هذا الطريق الجديد سيؤدي إلى تشويهه.
كما يجب أن تكون خدمة الـ(تلي ميدسين) من طبيب إلى طبيب في وجود المريض داخل منشأة طبية سواء حكومية أو مستشفى خاص، ومرفوض أن يكون بين مريض في المنزل وطبيب يحصل على أجر مقابل مناظرة المريض، ووصف علاج له لأنها ستكون طامة كبري، ولهذا لا بد من غلق هذا الباب وعدم السماح له بالظهور من الأصل، ولهذا يجب على نقابة الأطباء الموقرة ومجلسها الوقوف بقوة وحزم في مواجهة مثل هذه الأفكار والأفعال إن وُجدت، حفاظاَ على مهنة الطب وسمعتها وحماية للمرضى من الاستغلال، والحفاظ على أرواحهم من غير المختصين بالطب الذين قد يجدون في هذا النظام مدخلا للكسب غير المشروع.
نقابة الأطباء
وحول موقف نقابة الأطباء من ظاهرة «الكشف أون لاين» قال الدكتور إيهاب الطاهر أمين عام النقابة: لم تستقبل النقابة أي شكاوى فيما يتعلق بالكشف عن طريق الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ووصف العلاج، وفي حال تقديم أي شكوي من مريض سيتم التحقيق، ووفقا للوائح الرسمية للنقابة وممارسة مهنة الطب ممنوع التشخيص والعلاج عن بعد إلا للمريض الذي ناظره من قبل.
وبشكل عام لا يجوز الكشف على مريض من خلال إرسال معلومات للطبيب على السوشيال ووصف العلاج له، ولم تنص قوانين مزاولة مهنة الطب على ذلك، ويجب أن يتم فحص المريض إكلينيكيا من قبل الطبيب، ويجوز متابعة المريض تليفونيا أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي إذا كان الطبيب وقع الكشف على المريض ورآه من قبل، ويعلم تشخيص حالته جيدا فيجوز متابعة أعراض المرض وإعطاء النصيحة له أو تغيير نوع العلاج.
الموقف القانوني
وأشار أمين عام نقابة الأطباء إلى أن «وسائل الدفع المختلفة لم يتطرق إليها القانون ولم يختلف فيها وليس بها مشكلة قانونية سواء الدفع النقدي أو إلكتروني أو بأى طريقة بشرط فحص المريض إكلينيكيا، فعلى سبيل المثال إذا ذهب مريض لعيادة الطبيب وكشف يمكنه دفع تكلفة الكشف بأي طريقة، ولكن القضية هي أنه لا يجوز الكشف ووصف العلاج لأى مريض لأول مرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وليس لها علاقة بمزاولة مهنة الطب.
وهناك مجموعة من الدول بدأت تعتمد على التشخيص عن بعد ولكن وفقًا لطبيعة المرض في أمراض صغيرة قليلة، غير أن هذا الأمر في حاجة إلى تقييم لتحديد ما يصلح للتشخيص عن بعد وما لا يصلح.
في السياق ذاته قال الدكتور أسامة عبد الحي، عضو مجلس نقابة الأطباء: لا يجوز الكشف والتشخيص على المرضي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي دون الفحص الإكلينيكي وفقا للائحة آداب المهنة ولكن قبل جائحة كورونا، والكشف على المريض يكون من خلال ٣ محاور لا يمكن الاستغناء عن محور منها.
وهم التاريخ المرضى والفحص الإكلينيكي والفحوص المعملية والأشعة، غير أنه ومع أزمة كورونا التي طالت مدتها وسوف تستمر في العالم سمحت بعض الدول بالاستشارات الطبية، وتقديم النصائح، وسيتم مناقشة تلك القضية في النقابة، ووضع حلول ومعايير لها ووضع حدود الاستشارة الطبية والنصيحة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي دون فحص طبي.
وسيتم وضع معايير لإمكانية متابعة الطبيب للمريض دون الحاجة إلى حضوره للعيادة، وأضاف: في بداية الجائحة كانت الاستشارات الطبية تقدم مجانا، لكن لو استمر الوضع طويلا وأصبح الطبيب يقدم خدمة في غير أوقات العمل الرسمية يجوز أن يتقاضى عليها أجرا، والهدف في النهاية التسهيل على المرضى خاصة أصحاب الأمراض المزمنة من الذين لا يجب عليهم الخروج من المنزل.
نقلًا عن العدد الورقي...