د. جودة عبد الخالق: حكومة مدبولى تتعامل مع ملف الفقراء بنفس أسلوب تعامل مبارك.. وسياسة الاقتراض الخارجى تخلق فقراء (حوار)
الوزير فى مصر لا يحصل على صلاحيات كاملة وطريقة اختياره تحتاج لإعادة النظر
بدأت أولى خطوات تأليف كتاب السد العالى بمناسبة مرور 50 عاما على اكتمال إنشائه
حصولى على جائزة العلوم الاجتماعية أعطى انطباعا بشفافية الاختيار ولا أستطيع التعليق علي الأعوام السابقة
تجربتى فى وزارة التضامن لم تكن كلها "حلوة" وكان بعضها مرا
السد الإثيوبى سيقلل المياه بخزان بحيرة ناصر ويتسبب في مشكلات لمصر
التحريات الأمنية لا تضمن اختيارًا مثاليًا للوزراء وغياب دراسات الجدوى وراء فشل المشروعات الكبرى
من الأهمية عدم إغفال الفكر الاقتصادى في أي مشروعات وهذه مشكلتنا منذ الستينيات
قانون تقسيم الدوائر بهذا الشكل يقطع العلاقة بين النائب والناخب
أعرب وزير التضامن والعدالة الاجتماعية الأسبق والأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور جودة عبد الخالق عن سعادته البالغة بحصوله مؤخرا على جائزة النيل في العلوم الاجتماعية، واعتبرها تتويجًا لمسيرة أكاديمية طويلة تزيد على نصف قرن من الزمان، مشددا في حوار مع "فيتو"على أن الجائزة سوف تكون دافعا له لتقديم المزيد.
وبالتزامن مع سعادته الغامرة بالجائزة، لم يخف "عبد الخالق" استياءه من حجب مقاله الذي تحدث فيه عن الاقتصاد الريعى بصحيفتى المصرى اليوم والأهرام، واعتبرها خطوة للوراء، مؤكدا أنه ناقش التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد ولم يتعرض بالإساءة إلى أحد وإلى نص الحوار..
**بداية.. ماذا تمثل الجائزة الأخيرة لك وهل تعتبر فوزك بها تأكيدا على الشفافية خاصة أن جوائز المجلس الأعلى للثقافة ظلت مثار ريبة وتشكيك خلال السنوات الماضية؟
*في الحقيقة.. حصولى على جائزة النيل في مجال العلوم
الاجتماعية يمثل قيمة كبيرة بالنسبة لى، وهي أن الإيمان بالعلم والتفاني في خدمته لهما
مكانة عليا لا تضيع أبدا، ولذلك فجائزة النيل فى العلوم الاجتماعية، تعتبر تأكيدا لتلك
القناعة.
وأنا ترشحت للجائزة ذاتها العام الماضى ولم أحصل عليها، وهي تمثل نهاية مرحلة مضت كانت طويلة ومملوءة بالأحداث والمجهود وبداية لمرحلة جديدة أتطلع فيها لآفاق التفاؤل في المستقبل، وبدأت بالفعل أولى خطوات تأليف كتاب السد العالى، بمناسبة مرور 50 عاما على اكتمال إنشائه، ودفعنا في سبيل بنائه الغالى والنفيس، وبالتالى حصولى على الجائزة صادف قبولا وارتياحا واسع النطاق، وبالتأكيد أعطى للناس انطباعا بأن الاختيار تم بشفافية هذا العام، أما الأعوام السابقة فلا أستطيع التعليق عليها!!
**هل هذه هي الجائزة الرسمية الأولى لك أم سبق لك
الحصول على جوائز أخرى؟
*بالطبع هناك العديد من الجوائز الأخرى لو عدنا بالذاكرة
60 عاما، ففى عام 1960 حصلت على جائزة التفوق باعتبارى الثانى على القطر في الثانوية
العامة، وفى 1964 حصلت على جائزة التفوق باعتبارى الأول على كلية الاقتصاد والعلوم
السياسية، وفى 1983 حصلت على جائزة جامعة القاهرة للبحث العلمى.
وفى 2005 حصلت على
جائزة الدولة للتفوق في العلوم الاجتماعية، وأخيرا جائزة 2020، وهى حلقة من سلسلة حلقات
طويلة وممتدة من العمل والعطاء والإخلاص، والإنسان يختار في حدود وهناك أقدار ترسم
له الطريق، وبالتالى فأنا دائما أقسم الأمور إلى ثلاثة أقسام: ثلث للحياة الأسرية،
وثلث لحياتى المهنية، ثم ثلث للحياة العامة، وبالتالى عندما دخلت الوزارة حملت معى
سنوات الخبرة والعلم، وعملت على الاستفادة منها في عملى بالوزارة، وبعد خروجى منها
حملت معى خبراتى إلى مدرج الجامعة.
**وما تقييمك للفترة التي تم تكليفك فيها بوزارة
التضامن؟ وهل يحصل الوزير في مصر على صلاحيات كاملة؟
*الإجابة: لا؛ فالوزير لا يحصل على صلاحيات كاملة،
ولكنه يستطيع أن يحصل لنفسه على خط يسير فيه، وأن يفسح الحركة لنفسه، ويعظم صلاحياته،
وهنا لابد أن أذكر أننا كنا نتعامل مع نظام سياسي ليس هو الأمثل وقتها، ومن هذا المنطلق
قمت بتسجيل التجربة وناقشتها في معرض الكتاب.
أما عن فترة وجودى كوزير، فالطريق لم يكن ممهدًا ولم تكن تجربة الوزارة كلها "حلوة"، ولكن كان بعضها مرا، وفى كل الأحوال اكتسبت خبرات كبيرة قبل الوزارة ساعدتنى في عملى كوزير، من خلال معرفة أسلوب عمل الوزارة واختيارها، ومنذ دخول مبنى الوزارة عملت على الاستفادة من كل خبرات الماضى، وهذه التجربة رغم صعوبة الظروف التي تمت فيها والتي لم تتجاوز عاما ونصف العام في ظروف ثورة 25 يناير وكانت فوضى وانفلاتًا أمنيًا.
خاصة أن الوزارة التي أسندت لى تخدم الناس طوال الـ24 ساعة وهذا كان يشعرنى بالسعادة لخدمة المواطن.
وهنا لابد أن أشير إلى أن عملية اختيار الوزير في
مجتمعنا تحتاج إلى إعادة النظر، بمعنى أن الجهات الأمنية تبحث وترفع تقريرها للرئاسة،
وهذا أمر ليس كافيا، فلابد أن تتوافر مقومات معينة منها القدرة السياسية على وضع سياسات
للوزارة، وأيضا يجب أن يكون لديه القدرة على مخاطبة الرأى العام.
وبالتالى ممارسة السياسة
أمر مهم إلى جانب القدرة على الخطاب الجيد والتواصل مع المواطنين والرأى العام، وبالتالى
يكون الأداء أفضل، وبالإضافة إلى ذلك فإن الوقت المتاح للوزير لرسم السياسات العامة
في مجاله غير متوفر لانشغاله الدائم في الاجتماعات واللجان الواحدة تلو الأخري، وهذا
يفقده الأفق ويحد من قدراته، أضف إلى ذلك أن الحكومة بها أكثر من 30 وزارة، في حين
أن حكومات كثيرة لا تشمل أكثر من 20 وزارة، والخلاصة أن الوزير ليس مطلق اليدين وإنما
تحكمه طبيعة النظام السياسي وظروف معقدة كثيرة.
**كيف ترى تعامل حكومة الدكتور مصطفى مدبولى مع ملف
الفقراء وهل هو التعامل المثالى أم أن هناك طرقا أخرى لتحقيق استفادة أكبر؟
*هذا السؤال بالغ الأهمية، فالدكتور مصطفى مدبولى
يبذل مجهودا جبارا، والتعامل مع ملف الفقراء ليس هو الأمثل فهو نفس أسلوب التعامل الذي
كان موجودا أيام مبارك، سواء من ناحية المسميات والبرامج أو الآليات.
اضف إلى ذلك أن سياسة الاقتراض الخارجى والاستثمار تخلق فقراء، ثم نضع برامج لتقليل معدل الفقر وتحسين أوضاع الناس، وبالتالى الأفضل أن نتخذ إجراءات لا تنتج فقرا، وبالتالى يجب وضع إستراتيجية تصويب من خلال البحث عن جذور الفقر في الريف والصعيد، وبالتالى زيادة الاستثمارات وتوجيهها إلى هذه الأماكن الفقيرة مثلما حدث منذ عدة سنوات، من خلال إنشاء جهاز تنمية الصعيد لوقف السيل الجارف الذي يأتى من قبلى وبحرى للبحث عن عمل.
بالإضافة إلى توزيع الاستثمارات
على كل المحافظات، وخاصة الريف قبلى وبحرى خاصة وأن الفقر نوعان أولهما فقر المستوى
التعليمى والمهنى والثانى الحالة الصحية، وهذا يقودنا للسعى إلى توجه محدد وهو خفض
نسبة الفقر، وهنا علينا أن نميز بين الفكر الهندسى الذي يقول إن 1+1=2 والفكر الاقتصادى
الذي يقول ممكن زيادته عن 2 بمعنى من الأهمية عدم إغفال الفكر الاقتصادى في أي مشروعات
لأن هذه مشكلتنا منذ الستينيات.
**وما هو السبب من وجهة نظرك في زيادة نسبة الفقر
ومعدومى الدخل في مصر ؟
*البعض يقول إن المعدل السريع للسكان أحد العوامل
الرئيسة للفقر، خاصة وأن هذا المعدل جاء نتيجة الفقر التعليمى إلى جانب الحالة الصحية
التي دون المستوى مما يترجم إلى قدرات، فضلا عن أن البعض يعتبر كثرة الإنجاب عاملا
مساعدا لزيادة الدخل.
اضف إلى ذلك أن السياسات المطبقة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية
وتوزيع الاستثمارات التي لا تطبق فيها العدالة قياسا بين قبلى وبحرى ولو درسنا نهضة
الصين ومن قبلها اليابان نجد أن التعليم مهمل منذ عشرات السنين بداية من عبد الناصر
عندما جعلنا الوظائف بالتكليف مما أدى لظهور الدروس الخصوصية.
**تعد كتابا عن السد العالى ماهى فكرته الأساسية
وما تعليقك على ما يتردد عن تراجع دور السد في ظل أزمة سد النهضة؟
*نعم هذا صحيح.. بمناسبة مرور نصف قرن على بناء السد
العالى الذي يعتبر من أكبر المشروعات القومية لجيله، والجهود التي بذلت من أجله وفكرة
الكتاب الأساسية تقوم على أن التاريخ حافل بالدروس، وعلينا استيعاب هذه الدروس، فالسد
العالى يمثل أهمية كبرى لتاريخنا السياسي والاقتصادى والفنى.
ودخلنا في صراعات مع قوى
كبرى مع أمريكا والبنك الدولى، وبريطانيا من أجل استكمال بناء السد العالى، وبعد أن
وافقوا على التمويل تراجعوا بسبب دعم أمريكا لحلف بغداد ومصر مع دول عدم الانحياز،
فتم وقف التمويل فما كان من عبد الناصر إلا تأميم الشركة العالمية لقناة السويس فكان
العدوان الثلاثى ثم حرب 67 ثم حرب 73 ، وهذه التجربة توضح كيف أدارت مصر هذا الصراع
للسد العالى كمشروع من خلال الفكر الاقتصادى وتكلفته ومردوده وهل كان سلبيا أم إيجابيا.
*كيف ترى أزمة سد النهضة والأضرار التى قد تلحق
بمصر جراء إصرار إثيوبيا على الشروع فى ملئه؟
نحن نواجه
نفس تحدى السد العالى في أزمة سد النهضة، وفيما يخص التطورات الأخيرة لأزمة سد النهضة،
قإن توقيت بنائه جرى في ظرف خاص خلال ثورة 25 يناير، التي كانت تعاني فيها البلاد من
أزمات عديدة، لذلك فإذا كان وقع خلال فترة مختلفة لتغير الأمر. والحقيقة أن مصر حاليا
تسير بمنهج سليم وهو استنفاد كافة الوسائل السلمية لحسم الخلاف.
ولا يمكن لأحد أن يتكهن بما ستنتهي عليه الأزمة، على خلفية التطورات السياسية في إثيوبيا، بمناسبة الانتخابات البرلمانية، وربما بعد حسمها تكون هناك عقلانية أكبر في التعامل مع الملف لتجنب الدخول في أزمة أخرى، وأنا سعيد بلجوء مصر إلى مجلس الأمن مؤخرا كحل دبلوماسي ممتاز.
وهذه
الأزمة ليست خيرا على السد العالى، لأنه ربما يتسبب في نقص المياه بخزان بحيرة ناصر،
مما يتسبب في مشكلات لدينا، لكن الشواهد تقول إن هدف إثيوبيا ليس زيادة مساحة الرقعة
الزراعية وإنما توليد الكهرباء وهذا في حد ذاته لا يجعل المساس بحصة مصر والسودان من
المياه، وبالتالى الفترة الحرجة هي فترة ملء السد، وبالتالى لا يمكن التنبؤ بسيناريو
معين للأزمة رغم الجهود المبذولة من القيادة السياسية والافضل أن نترك لهم تقدير السيناريوهات.
**تواجه مصر تحديا اقتصاديا صعبا بسبب أزمة كورونا
فهل نجحت الحكومة في التعامل مع أزمة كورونا وما الذي يجب فعله لتجاوز الأزمة ؟
*أزمة كورونا أزمة كونية أصابت كوكب الأرض ككل والاستجابة
ورد فعل والدعم والإجراءات التي اتخذت هي التي تصنع الفارق، ولذلك نجد بلدا مثل الصين
عدد المصابين بها محدود قياسا بدول أخرى، وفى الحالة المصرية قامت الحكومة بجهود مضنية
من أجل التعامل مع فيروس كورونا، ولكن هذه الجهود كانت محكومة بوعى الناس، فكلما زاد
الوعى كانت النتائج أفضل والعكس صحيح، خاصة وأن معدل الأمية لدينا 29% وهذا مصدر القلق
في ألا يستوعب الناس هذه الدروس للتعامل مع الأزمات في المستقبل الذي ربما يشهد جائحات
كثيرة بسبب التغيرات المناخية.
*ما رأيك
في عودة مجلس الشيوخ مرة أخرى وهل يمثل عبئا سياسيا واقتصاديا على الدولة؟
*من الممكن أن نتحمل تكاليف إنشاء غرفة ثانية للبرلمان،
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماهو المردود إذا كانت هناك فائدة فنحن رابحون وإن كنا نطبق
ذلك لنص دستورى في 2014 وتعديلاته هناك من يحبذون وجود الغرفتين في البرلمان
"النواب والشيوخ".
والغرفة الثانية تتيح الفرصة للخبرة في مجالات مختلفة للتواجد
عن قرب لمكان صنع القرار ويمكن أن ننظر للشيوخ على أنه غرفة مكملة لمجلس النواب إذا
جعلنا العلاقة بينهم علاقة تكامل، أما التكاليف فتتوثق على طريقة الانتخاب واتساع الدوائر،
وكان لا يجوز أن يخرج قانون تقسيم الدوائر بهذا الشكل لأنه يقطع العلاقة بين النائب
والناخب.
**أخيرا ما تعليقك على رفض مقالك من الأهرام ثم المصرى
اليوم؟
*أولا هذا الأمر أحزننى بشدة، خاصة أن المقال لا
يوجد مبرر لرفضه من الأهرام والمصرى اليوم رغم وجود لغة هادفة وكتابة علمية وأعبر عن
رأيى، وتفسيرى لهذا أن المقال جاء في وقت تغيير القيادات الإعلامية، وكل قيادة تريد
الحفاظ على مقعدها ولا تغامر، أما المصرى اليوم فهى تطرح نفسها على أنها ليبرالية
فما الداعى. وعموما فإن المنع خدم المقال وجعل الكثيرين يقرءونه ورغم ذلك فأنا حزين
لأن هذا يحرمني من حقى في التعبير عن رأيى ولم أتوقع أن يحدث أو أتعرض للانتقادات بسببه.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"